محمد الطاهر بن عاشور (عالم وفقيه تونسي)
إسهامات ابن عاشور في التعليم
كان لشيوخ مسجد الزيتونة الأثر الأكبر في بناء شخصية ابن عاشور وبثّ الروح الإصلاحية التجديدية المرتبطة بالشريعة الإسلامية فيه، حيث كان منهجهم ينص على أن الإسلام دين فكر وحضارة وعلم ومدنية، فكان لهم إسهام كبير في النهضة العلمية والفكرية في تونس، وبعد تخرّج الطاهر من الزيتونة التحق فيها مدرّسا ثمّ مدرساً من الدرجة الأولى بعد عدة سنوات.
أُلحق بابن عاشور منصبٌ يمكنه من تطبيق رؤيته الإصلاحية العلمية والتربوية، حيث وافقت الوزارة على بعضٍ مما طرحه عليها، فقد سعى لإعادة إحياء بعض العلوم العربية بزيادة دروس الصرف وأدب اللغة، فكان يؤمن بأن الإصلاح في التعليم لا يكون إلا إذا صرفت نحوه كل الطاقات لإصلاح العلوم نفسها، وكان ابن عاشور ضمن لجنة إصلاح التعليم الأولى والثانية في الزيتونة، كما أنه كان أول من جمع بين منصبين هما منصب "شيخ الإسلام المالكي" و منصب "شيخ جامع الزيتونة"، حتى أنه تولى منصب شيخ جامع الزيتونة مرتين، ففي المرة الأولى لم يستطيع التغيير كثيراً في المناهج التعليمة فاستقال ثم تسلّم المشيخة بعد عدة سنوات مرة أخرى، لكنه في هذه المرة استطاع أن يغير في المنظومة التعليمية ويزيد ويحسن فيها، فاعتنى بالعلوم الطبيعية والرياضيات واهتم بالتخصصية في المراحل التعليمية المتقدمة، وسعى لنقل الحالة التعليمية من مواد نظرية تُلَقّن إلى تطبيق واقعي عملي؛ ليمتلك الطالب مفاتيح الفهم ويبحر في العلوم بنفسه من غير اعتماد على أحد.
التجديد عند ابن عاشور
برز عند ابن عاشور في منهجه نظرته للتجديد الإصلاحي ضمن الإسلام، ففي الفقه دعا إلى بناء "علم مقاصد الشريعة"، وفي التفسير ألّف تفسيراً أسماه "التحرير والتنوير" استمر في تأليفه ٥٠ عَاما ، وضع فيه آراؤه ومحاولاته في توليد أفكار اجتهادية إصلاحية تكسر الجمود والتقليد، فقد قال « فالاقتصار على الحَدِيث الْمعَاد فِي التَّفْسِير هُوَ تَعْطِيل لفيض الْقُرْآن الْكَرِيم الَّذِي مَا لَهُ من نفاد»، فاختصّ تفسيره ببلاغة الكلمة القرآنية، وقام ابن عاشور بنقد تفاسير كثيرة ونقد فهم الناس للتفسير، واعتبرالتوقف عن النقل وإن كان ضعيفاً من أسباب تأخر علم التفسير ، فأصبحت كتب التفسير مقتصرة على السابقين القدماء، ولا عمل للمفسّر إلا نقلٌ للأقوال وتجميعٌ لها، فيصبح التفسير بعيداً عن الفهم الذي يغذي المعاني المتجددة في القرآن ويضيق معناه و يحصره.