ما يوجب الغسل للمرأة
موجبات الغسل للمرأة
يُقصد بمُوجبات الغُسل الأمور التي تكون سبباً في وجوب الغسل ، وللغُسل موجباتٌ خمس، منها ما هو متَّفقٌ عليه ومنها ما هو مختلفٌ فيه؛ ومن هذه المُوجبات ما يأتي:
- أوَّلاً: خروج المَني: وهو من الأمور التي اتَّفق الفقهاء على وجوب الغسل بسببها، ونُقل الإجماع فيها، سواءً خرج المني من الرَّجل أم من المرأة، ودليل ذلك قول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّما المَاءُ مِنَ المَاءِ)، أي أنَّ إنزال الماء -والمُراد به المني- يُوجب الاغتسال بالماء، ودليل وجوب الغُسل بنزول المني من المرأة؛ سؤال أمِّ سُليم -رضي الله عنها- للرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، فَهلْ علَى المَرْأَةِ غُسْلٌ إذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقالَ: نَعَمْ، إذَا رَأَتِ المَاءَ)، والمقصود بالماء الوراد في الحديث نُزول المني، وتجدر الإشارة إلى وجود مسائل عديدةً في نُزول المني وكونه مُوجباً للغسل في كل الأحوال أم لا، ونورد هذه المسائل فيما يأتي:
- المسألة الأُولى: اشتراط نُزول المني بشهوةٍ حتى يكون سبباً للغسل، حيث قال الجمهور من الحنفيَّة والحنابلة والمالكيَّة بذلك حتى يكون المني مُوجباً للغسل، بينما قال الشَّافعيَّة إنَّ مُطلق النُّزول للمني وبأيِّ سببٍ كان يُوجب الغُسل.
- المسألة الثَّانية: إذا أحسَّ الرَّجل بنزول المني بسبب شهوةٍ ثمَّ منعه من النُّزول ولم يخرج منه شيء هل يكون هذا موجباً للغُسل أم لا؟ فقد ذهب الشَّافعية إلى القول بعدم وجوب غُسل عليه؛ لأنَّ شرط الغُسل نزول المني ورؤيته وهذا لم يتحقَّق، أمَّا الحنابلة فلا يَشترطون خروج المني بل يَكتفون بالإحساس به لوجوب الغُسل.
- المسألة الثَّالثة: إذا رأى الشَّخص بعد اسيقاظه منيّاً وتأكّد أنَّه مني ولكن لم يَذكر احتلاماً وجب عليه الغُسل، أمَّا إن ذكر احتلاماً ولم يَر بللاً فلا غُسل عليه.
- المسألة الرَّابعة: إعادة الغُسل في حال عاود المني النزول: وأكثر العلماء على أنّه لو كان سبب نُزول المني واحدٌ فلا غُسل عليه؛ لأنَّه لم يَنزل بشهوةٍ جديدة بل نزل بشهوةٍ سابقة.
- ثانياً: التقاء الخِتانين -أي الجماع-: وهو من الأمور المتَّفق على وجوب الغسل بسببها، فإن تمَّ الجماع الفعلي بتغيب الحشفة في الفرج وليس بمجرد تلامسهما وجب الغُسل على كلٍّ من الرَّجل والمرأة، حتى وإن لم يترتَّب عليه نزولٌ للمني، بل يكون بحدِّ ذاته مُوجبا للغُسل.
- ثالثاً: الحيض والنِّفاس لدى المرأة: وهو من الأمور المتَّفق على أنَّها موجبة للغُسل، لقوله -تعالى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
- رابعاً: الموت: فموت المسلم موجبٌ للغُسل بحسب الجمهور، باستنثاء الشَّهيد فإنه لا يُغسل، وقال بعض المالكيَّة بسُنيَّة الغُسل للميَّت لا بوجوبه، وإن كان الميِّت سَقَطاً -جنيناً- فيُغسل إن نفُخت فيه الرُّوح ؛ أي إذا أتمَّ أربعة أشهر.
- خامساً: إسلام الكافر: وهو من الأسباب المُختلف فيها؛ فأوجبه المالكيَّة، بينما قال آخرون بعدم وُجوبه إلَّا في حال كان الكافر على جنابة لحظة إسلامه، فيغتسل حينها للجنابة لا لإسلامه.
شروط اغتسال المرأة
للاغتسال شروطٌ عدَّة، وتنقسم هذه الشُّروط إلى أنواعٍ ثلاث، نوضحها فيما يأتي:
- النوع الأوَّل: شروطُ وجوب؛ وهي الشُّروط التي تُوجب الغُسل على المسلم أو المسلمة، فإذا فُقدت جميعها لم يَعد الغُسل واجباً في حقِّها، ومنها ما يأتي:
- البُلوغ ؛ فلا يَجب الغُسل على كلِّ من لم يبلغ الحُلم، ذكراً كان أم أنثى، ولكن إن إغتسل يقع غُسله صحيحاً.
- دُخول وقت الفريضة التي يتوقَّف أداؤها على الغُسل؛ فمتى ما دخل وقت الفريضة وزال السَّبب المُوجب للغُسل من حيضٍ أو نفاس وجب الغُسل، وإن تمَّ الغُسل قبل دخول الوقت يقع صحيحاً غير أنَّه لا يكون عندها واجباً.
- النوع الثَّاني: شروط الصِّحة؛ وهي الشُّروط التي لا يصحُّ الغسل دونها، ومن هذه الشُّروط ما يأتي:
- أن يكون الاغتسال بالماء الطَّهور ؛ وهو المُباح استخدامه وليس مملوكاً للغير.
- أن يكون المُغتسِل مميِّزاً؛ فإن كان صبيَّاً غير مميِّز لم يَصحَّ غُسله.
- ازالة كل ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة؛ مثل الشَّمع والعجين وكل ما يشكِّل طبقة تحجز الماء عن البشرة، فإن لم يصل الماء للبشرة لأيِّ مانعٍ من الموانع لم يصحَّ الغُسل.
- النيِّة؛ لأنَّ الغُسل عبادة من العبادات فتجب فيها النِّية ولا تصحُّ بدونها.
- النوع الثَّالث: شروط الصِّحة والوجوب معاً؛ وهي الشروط التي إذا فُقد واحدٌ منها فإنَّ الغُسل حينها لا يجب على الشَّخص، كما أنَّه إذا وقع منه لم يقع غُسلا صحيحاً، ومن هذه الشُّروط ما يأتي:
- العقل؛ فالغُسل لا يجب على كلٍّ من المجنون والمعتوه والمصروع، وإن قاموا بالاغتسال لا يكون غُسلهم صحيحاً حتى وإن أتَوه على هيئته الصَّحيحة.
- انقطاع ما يُوجب الغُسل؛ فلا يصحُّ الغُسل مع استمرار وجود مُوجب الغُسل، فلو وجب الغُسل بسبب الحيض فلا يقع صحيحاً إن تمَّ مع وجود الحيض بل لابدَّ من انقطاعه أوَّلاً، وإن كان سبب إيجاب الغُسل النِّفاس فلا يقع الغُسل صحيحاً ما دام النِّفاس باقياً، وهكذا لا بدَّ من انتهاء السَّبب الذي أوجب الغُسل حتى يقع الغُسل صحيحاً.
- الإسلام؛ فلا يجب الغُسل على غير المسلم ولا يصحّ منه لو فعله.
كيفيَّة الاغتسال
للاغتسال نوعان، نذكرهما فيما يأتي:
- النوع الأوَّل للغسل: الاغتسال المُجزئ: أي الاغتسال الذي يجب على المسلم القيام به حتى يقع غُسله صحيحاً، وطريقة الاغتسال الواجب مكونة من أمران فقط هما:
- الأوَّل: النِّية : بحيث ينوي المُسلم رفع الحدث أو إزالة الجنابة.
- الثَّاني: تعميم سائر الجسد بالماء، بحيث لا يتبقى أيُّ جزءٍ من جسد المغتسل بدون وصول الماء إليه، ويتعهَّد الأماكن التي يَصعب فيها وصول الماء؛ مثل الرَّأس لضمان وصول الماء لمنابت الشَّعر، وباطن الرُّكبة، والسُّرة، والآباط، وبطن الفخذ، وهكذا حتى يتأكَّد أنَّ الماء قد عمَّ جميع الجسد، ولا يُشترط بهذا الغُسل الواجب أو المجزئ كلّاً من المضمضة والاستنشاق، فإذا قام الشَّخص بالنَّيَّة وتعميم الماء للجسد وقع غُسله صحيحاً.
- النوع الثَّاني للغُسل: الغُسل الكامل: وهو الاغتسال الذي يُندب القيام به لورود الأحاديث به والتي تدلُّ على صفة غُسل رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فالالتزام بها يكون من قَبيل الاستحباب ويُؤجر المسلم عليه، وصفة الغُسل الكامل يبتدئ بالنِّية، ثمَّ يُتبعها المسلم بالتَّسمية؛ ومن العلماء من أوجبها ومنهم من قال إنَّها غير مشروعة في هذا الموضع، ثمَّ يبدأ بغَسل يديه ثلاث مرات، وعلَّة غسل اليدين ثلاثاً أنَّه يسبقها بغسل فرجه وتنظيفه من النَّجاسات ، وبعدها يتوضَّأ وُضوءه للصَّلاة.
- وورد في بعض الأحاديث تأخير القدمين عن الوضوء وغَسلهما في آخر الغُسل، وبعض الأحاديث أوردت الوضوء كاملاً، كما قال بعض العلماء إنَّ الوضوء هنا صُوري ولا يُطلب لذاته بل هو جزءٌ من تنظيف الجسد للغُسل، فلا يُطالب فيه التَّثليث كما في الوضوء العادي، ثمَّ بعد الوضوء يَبتدئ في الغُسل من خلال إفاضة الماء على الرَّأس ثلاث مرات مع تدليكة لضمان وصول الماء إلى منبت الشعر، ثمَّ يقوم بغسل سائر الجسد مع التَّيامن في ذلك، بحيث يُفيض الماء على جانبه الأيمن أولاً ثمَّ على جانبه الأيسر.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض العلماء قالوا باستحباب تكرار غَسل الجسد ثلاث مراتٍ، وقال البعض إنَّ ذلك ليس من الأمور المندوبة لعدم ورودها، لكن إن احتاج إليه لإزالة الأوساخ ونحوها جاز له ذلك، كما قام بعض العلماء بإيجاب الدَّلك أثناء الغُسل؛ أي القيام بتمرير اليد على العضو المَغسول، وقال البعض الآخر إنَّ ذلك ليس بواجب لكن يُعمل به من باب الاحتياط لضمان وصول الماء إلى جميع أجزاء الجسد؛ فإن لم يَصل الماء إلَّا بالدَّلك وجب عندها، وقد ورد في حديث ميمونة -رضي الله عنها- أنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- كان يغسل أقدامه بعد الغُسل؛ وذلك لتنظيفهما عن الماء الذي كان واقفاً فيه، فإن كان المكان الذي يَقف فيه الشَّخص نظيفاً لم يَجب عليه غسل أقدامه، وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعض العلماء حصر الغُسل بعشرة أمور كما يأتي:
- النِّية.
- التَّسمية.
- الاستنجاء ؛ أي التنظّف من النجاسات.
- غسل اليدين.
- الوضوء كاملاً.
- تثليث الرَّأس مع خلخلة الشَّعر.
- تعميم الجسد بالماء.
- التَّيامن في إفاضة الماء.
- دلك الجسم باليد، والتَّثليث؛ أي تكرار الغسل لكِّل عضوٍ من الأعضاء ثلاث مرات.
- غسل الأرجل آخر الغُسل إن كان يقف بمكانٍ غير نظيف.