ما هي ناقة الله
معجزات الأنبياء ناقة صالح أنموذجاً
ميَّز الله سبحانه وتعالى كلَّ نبيٍّ من الأنبياء والرسل بمعجزةٍ خاصةٍ عن غيره من الأنبياء والرُّسل، وذلك حسب ما يقتضيه حال قومه - إيمانهم وكفرهم - وكذلك حسب ما تميَّز به النبيّ المبعوث إليهم، فإنّ معجزة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- التي تميَّز بها عن باقي الأنبياء والرسل هي القرآن الكريم ومن إعجاز القرآن أنّه جاء إلى قومٍ يشتهرون بالفصاحة والبلاغة ، إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بشيءٍ يُشبه كلام الله من حيث الإيجاز والبلاغة والمضمون، أما نبي الله موسى فمن أبرز معجزاته تكليم الله له في مواضع عدة، ومما تميَّز به عيسى عليه السلام من المعجزات إحياء الموتى بإذن الله وإشفاء المرضى بإذن الله، وكذلك الأمر مع باقي الأنبياء والرسل، أما سيدنا صالح -عليه السلام- فقد كانت معجزته التي امتاز بها عن باقي الأنبياء والرسل تلك الناقة التي طلبها منه قومه كدليلٍ على صدق نبوته وقد تحقق لهم ما طلبوا بشكلٍ تعجز العقول عن إدراكه، فما هي ناقة الله؟ وما هي قصتها مع قوم صالح عليه السلام؟ هذه الأمور وغيرها ستكون موضع بحث هذه المقالة بعد توفيق الله.
التعريف بناقة الله
ناقة الله هي الناقة التي طلبها قوم ثمود من نبيهم صالح -عليه السلام- ليصدقوه بما أتاهم به من النبوة، وأنه مرسلٌ من الله سبحانه وتعالى، حيث طلبوا منه آيةً كدليلٍ على صدقه وقد حدد قوم صالح نوع المعجزة بأنفسهم وصفتها، فقد طلبوا من نبيهم صالح -عليه السلام- أن يُخرج لهم من الجبل أو من الصخر ناقةً لونها أحمر عشراء، ثم تضع حملها وهم ينظرون إليها، كما أنها ترد الماء الذي كانوا يردون منه فتشرب منه وتغدو عليه وتروح، ثم تأتيهم بلبنٍ مثل ما شربت من الماء، فما كان من صالح -عليه السلام- إلا أن دعا الله ليرزقه تلك المعجزة حتى يُصدقه قومه ويؤمنوا به وبرسالته، ولما جاء أمر الله طلب سيدنا صالح من قومه أن يخرجوا إلى هضبة أو جهةٍ معينةٍ من الأرض ففعلوا كما طلب منهم، فإذا بتلك الهضبة تتمخض تماماً كما تتمخض الحامل، ثم انفرجت بأمر الله فخرجت الناقة من وسطها، فقال لهم نبي الله صالح -عليه السلام - إن هذه هي الناقة التي طلبتموها كآية فاتركوها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء، قال تعالى: (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ * فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)، وقد كانت تلك الناقة مُعجزةً بجميع تفاصيلها؛ نشأتها، وطبيعتها ومشربها، ولبنها، فقد كانت تشرب يوماً من ماء قوم ثمود وتترك لهم شرب يوم، وكانت في يوم شربها من الماء تُعطيهم لبناً يكفيهم، حتى عقروها فعذبهم الله لفعلتهم تلك.
قصة نبي الله صالح عليه السلام مع قومه
لعلَّ أهم ما يبرز في قصة سيدنا صالح - عليه السلام - مع قومه ثمود ما يتعلَّق بناقة الله - ناقة صالح - وقد جاء ذكر وبيان قصة نبي الله صالح مع قومه ثمود في العديد من سور القرآن الكريم، منها: سورة الأعراف، وهود، والحِجر، والشعراء، وفصّلت، وغيرها الكثير من سور القرآن الكريم بغض النظر إن كان على سبيل الإشارة فقط أو السرد والتفصيل، أما عن قصة صالح مع قومه كما جاء بيانها من عند الله سبحانه وتعالى وبناءً على ما ورد فيها من الآيات الكريمة أن الله - سبحانه وتعالى - أرسل نبيه صالحاً عليه السلام إلى قوم ثمود ليدعوهم إلى الإيمان بالله وحده وترك ما كانوا يعبدون من دون الله، وثمود قبيلةٌ عربية، وإليها ينتمي نبي الله صالحٌ - عليه السلام -، وكانت منطقة الحِجْر موطن هذه القبيلة، وهي تلك المنطقة الواقعة بين الحدود الشمالية من المملكة العربية السعودية وشرق المملكة الأردنية الهاشمية، وقد سخّر الله لقبيلة ثمود النعم السابغة من مظاهر الحضارة والعمران، إلا أنهم مع كلِّ ما آتاهم الله من نعمٍ جحدوا بذلك وكفروا بنعم الله عليهم، وأنكروا وحدانية الله، حيث إنّ صالحاً لما أُرسل إليهم طلبوا منه أن يأتيهم بآيةٍ معجزة تثبت لهم صدقه وأنه رسولٌ أرسله الله إليهم، فلبّى صالح لهم ذلك الطلب بأمر الله وإرادته، وأمرهم ألّا يمسّوا الناقة بسوءٍ، ويتركوها تأكل من أرض الله وتشرب بأمر الله، فعصوا أمر صالح ولم يمتثلوا له، فكانت عاقبتهم أن عذَّبهم الله على عصيانهم لأمر نبيه وكفرهم بنعم الله، ونجّى صالحاً والذين آمنوا معه.
موطن ناقة صالح مدائن صالح
خرجت ناقة صالح - عليه السلام - من مكان إقامة قوم ثمود المعروف بدار الحِجر، والتي تشتهر بمدائن صالح، أما موقع مدائن صالح تحديدًا فكما مرَّ في الفقرة السابقة أنها في الشمال الغربي من المملكة العربية السعودية على مشارف الحدود الأردنية ، بين المدينة المنورة ومدينة تبوك ، على بعد ما يقارب 22 كيلومتراً إلى الجهة الشمالية من محافظة العلا، وقد ورد ذكر تلك المنطقة "الحجر" في كتاب الله على أنها موطن قوم ثمود، وهي المكان الذي ظهرت فيه ناقة صالح التي أرسلها الله لهم آيةً، فعقروها فأهلكهم بعد ذلك بالصّيحة، وتضم مدائن صالح مجموعة كبيرةً من الآثار الإسلامية الخالدة، كما تضم الكثير من المعالم التاريخية قبل الإسلام وقبل الميلاد، ومن المعالم المشتهرة في مدائن صالح بعض القلاع الإسلامية، وبعض بقايا السكك الحديدية المتبقية من سكة الحجاز، والتي تمتد إلى ما يقارب 13 كيلومتراً، وكذلك المحطة والقاطرات.
العبر المستفادة من قصة صالح عليه السلام مع قومه
تحوي قصة نبي الله صالح -عليه السلام- العديد من الفوائد، والعبر، والفوائد التي نستمدّها من كتاب الله كما قصَّها عنهم، ومن تلك الفوائد والعبر ما يلي:
- إخلاص سيدنا صالح - عليه السلام - مع قومه في دعوتهم إلى الحق بتوحيد الله عز وجل، مستخدماً معهم أسلوب الترغيب والترهيب. وبرغم تكذيب قومه وإنكارهم للحق إلا أنه لم ييأس أو يملَ من الدعوة حتى بلَّغ رسالة ربه على الوجه الذي يرتضيه ويشعر فيه بكمال دعوته.
- أنّ العاقل من يعتبر بآثار الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم حتى استحقوا العذاب، كما أن العاقل يربأ بنفسه عن أن يسلك درب من ظلموا أنفسهم؛ فالسعيد من وُعظ بغيره.
- الإيمان المطلق بالله سبحانه وتعالى إذا خالط قلوب المؤمنين واستقر في نفوسهم، ولَّد لديهم الشجاعة، والقوة، والصراحة، والجرأة في وجه الباطل، والإقدام على نصرة الحق.
- ينبغي على العاقل الفطن أن يستعمل الأساليب المنطقية الحكيمة في دعوته لغيره، وهو ما يتَّضح جلياً في الحوار الدائر بين سيدنا صالح عليه السلام وقومه، فقد سلك صالح في دعوته لقومه أكثر الأساليب حكمة ومنطقيّة.
- إذا لم يُحسن العبد استغلال النّعم التي رزقه الله إياها وكفر بالله المنعم، انقلبت تلك النّعم نِقماً، وزالت عن صاحبها.