ما هي معجزات النبي محمد
القرآن الكريم
إنَّ في القرآن الكريم من الآيات ما يدلّ على عِظم فضله، وما فيه من الدروس والعِبر والمعجزات كثيرةٌ بحيث يقف العقل أمامها مُتعجِّباً، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، وقال -سبحانه-: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،
وتمتاز معجزة القرآن عن غيرها من المعجزات بأنَّها خالدةٌ وباقيةٌ إلى يوم القيامة، فكلّ ما سِوى القرآن من المعجزات قد انتهى وزال بزوال السبب والزمن، وما زال القرآن يُثير الدّهشة في النفس البشرية المسلمة وغيرها بما تضمّنه من الإعجاز العلمي والتشريعي والبلاغي، وقد ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما مِنَ الأنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ ما مِثْلُهُ أُومِنَ، أَوْ آمَنَ، عليه البَشَرُ، وإنَّما كانَ الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فأرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَومَ القِيَامَةِ).
الإسراء والمعراج
تُعدُّ معجزة الإسراء والمعراج ثاني أكبر المعجزات التي أيّد الله -تعالى- بها نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- بعد القرآن الكريم، والثابت عند أهل السنة والجماعة أنَّ رسول الله قد عُرج بجسده وروحه وهو في حالة الاستيقاظ إلى السماء، وأُسْرِي به من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، وجاء ذلك في القرآن الكريم، قال الله -تعالى-: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ).
وحين وصل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، شاء الله -تعالى- أن يبلغ السماء السابعة وما فوقها، ثمَّ إلى سِدرة المنتهى عند جنّة المأوى؛ فاطّلع عليها، وكلّمه الله -تعالى-، وفرض عليه وعلى أمّته خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، ورأى النار، والملائكة، واطّلع على جبريل بهيئته الحقيقية، وكُلّ ذلك كان واقعاً حقيقياً لا كذباً ومجازاً، وكان ذلك تعظيماً وتشريفاً من الله -تعالى- له.
ثم نزل من السماء إلى المسجد الأقصى، وصلّى فيه إماماً بالأنبياء، وعاد إلى مكّة المكرمة قبل طلوع الفجر، وفي ذلك يقول الله -تعالى-: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى* وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى* إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى* مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى* لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).
انشقاق القمر
أيّد الله -تعالى- رسوله بمعجزة انشقاق القمر ، قال -سبحانه-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ*وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ).
وكان ذلك قبل حادثة الهجرة النبوية حين طلب المشركون من رسول الله أن يشقّ لهم القمر، وعاهدوه بالإيمان إن حدث ذلك، فدعا رسول الله ربّه أن يشقّ لهم القمر، فلمّا كانت ليلة الرابع عشرة من الشهر؛ كان القمر حينها في أتمّ صوره، فشقّه الله -تعالى- إلى نِصفين، وشاهد بعض الصحابة جبل حراء من بين شقّي القمر، ثم عاد واكتمل، فقد ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ أهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فأرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حتَّى رَأَوْا حِرَاءً بيْنَهُمَا).
وقد قرن الله -تعالى- ذكر حادثة انشقاق القمر باقتراب السّاعة، ومع أنَّ قريش وعدوا رسول الله بالإيمان إذا انشقّ القمر، إلا أنَّهم حين رأوا ذلك استمرُّوا على عِنادهم وتجبّرهم، وكذّبوا رسول الله واتّهموه بالسِّحر، لكنّ العقل يرى أنَّ القمر من مخلوقات الله يتصرّف به كيف يشاء، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ).
نبع الماء من بين أصابعه
وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- سهمه في يومٍ من الأيام في البئر في غزوة الحديبية؛ فتكاثرت فيه الماء، وقد تكرّرت هذه الحادثة حين وضع رسول الله يده في إناء الماء.
وقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فقال: (عَطِشَ النَّاسُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ منها، ثُمَّ أقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ؟ قالوا يا رَسولَ اللَّهِ: ليسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ به ولَا نَشْرَبُ، إلَّا ما في رَكْوَتِكَ، قالَ: فَوَضَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ في الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِن بَيْنِ أصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ. قالَ: فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأْنَا فَقُلتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَومَئذٍ؟ قالَ: لو كُنَّا مِئَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً).
البركة في الطعام
جعل الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- معجزة إكثار الطّعام، وزيادة البركة فيه، حتى يُطعَم منه أقوامٌ ويكفيهم، ومن ذلك أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المدينة ومعه عامر بن فهيرة، وعبد الله بن أريقط، فمرّوا على خيمة أمِّ معبد الخزاعية، فنظر رسول الله إلى الشاة وسألها عنها، فأخبرته أنّها هزيلةٌ ومُتعبة، لِذا لم تستطع اللّحاق بالقطيع.
فسألها إن كان بها لبن، فأجابت بالنّفي، فاستأذن رسول الله منها أن يحلبها، فأجابت طلبه، وقالت: إن رأيت فيها حليباً فاحلبها، فمسح رسول الله بيده على ضِرعها، وسمّى الله ودعا لها، فتدفّق اللّبن منها، فطلب إناءً يكفي القوم، وبدأ يحلب فيه، حتى نزل اللبن سريعاً وتكوّن على وجهه الرّغوة.
وبعدها شربت أمُّ معبد، وشرب الصحابة حتى ارتووا، وشرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدهم، وجلس ليستريح، ثمّ قام فحلبها مرةً ثانية لأمِّ معبد، فلمّا رأت ذلك أسلمت وبايعت رسول الله، ثمّ بعد قليل جاء زوجها ومعه القطيع، وقد جاءت الأغنام كما ذهبت لم تأكل شيئاً، فلمَّا رأى أبو معبد اللبن تعجّب ممّا حصل.
تكلّم الجمادات والحيوانات
أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه منذ أُوحي إليه ما مرّ بشجرٍ ولا حجرٍ إلاّ قال له: "السلام عليك يا رسول الله"، فقد كان الشجر يُسلّم عليه، ويُطيعه ويشهد له بالرسالة، وكذلك لمّا كان يدخل بين شِعَب الجبال وبطون الأودية؛ كانت تسلّم عليه فيردّ عليها السلام، وقد قال الدّلجي -رحمه الله- موضِّحاً أنَّ ردّه عليها السلام كان من باب المُكافأة، وليس من باب وجوب رد السلام، وذلك لأنَّها ليست مُكلّفة.
وقد روى جابر -رضي الله عنه- أنّه حين كان وأبيه مع رسول الله في وادٍ؛ ذهب رسول الله كي يقضي حاجته، فتبعه جابر بإناءٍ من الماء، فإذا برسول الله لا يجد شيئاً يستتر به، فوجد شجرتان نحوه، فذهب إلى واحدةٍ منها وأمسك منها غصناً وقال: (انقادي عليّ بإذن الله)، فتبعته وانقادت معه، ثم ذهب إلى الشجرة الأخرى فأمسك منها غصناً وقال لها كما قال للأولى، فانقادت معه وتَبِعته، حتى إذا اقتربتا من بعضهما وكان النبيّ في المنتصف منهما؛ أمرهما أن يلتئما، فالتأمتا جنباً إلى جنبٍ، فخرج جابر مخافة أن يشعر رسول الله بقربه، وجلس بعيداً، فإذا برسول الله مقبلاً والشجرتان قد افترقتا، وقامت كُلّ واحدةٍ منهما على ساق، فوقف رسول الله وأشار برأسه يميناً وشمالاً، ثم أقبل على جابر، فقال: (يا جابر، هل رأيت مقامي)؟ قال جابر: نعم يا رسول الله، فأمره النبيّ أن يذهب إلى الشجرتين ويأخذ من كُلّ واحدةٍ منهما غصناً، فيجعل واحداً عن يمينه والآخر عن شماله، ففعل جابر ذلك وأخبر رسول الله، فقال له رسول الله: (إنِّي مَرَرْتُ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فأحْبَبْتُ، بشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عنْهمَا، ما دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ).
روى جابر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه حين كان يخطب بالناس يوم الجمعة؛ كان يقوم إلى شجرةٍ أو نخلة، فقالت له امرأةٌ من الأنصار: "ألا نجعل لك منبراً يا رسول الله"؟ فقال رسول الله: (إن شئتم)، فصنعوا له منبراً، فلما جاء يوم الجمعة التالي، صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر للخُطبة، وإذ بالنخلة تصيح وتبكي كالصبي، فنزل رسول الله عن المنبر وضمّها إليه، فبدأت تسكُن، وقد كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها، ويروي أنس بن مالك عن جماعةٍ من الأنصار أنّه كان لهم جملٌ يحملون عليه الماء، فاستصعب عليهم ولم يرغب بحمل الماء، وقد جفّ النخل والزرع، فشكوا ذلك إلى رسول الله، فقام هو وأصحابه، ومشى رسول الله نحو الجمل، فخاف الأنصار على رسول الله من الجمل، إذ أصبح ثائراً، فطمأنهم رسول الله بأنّه لا يقدر عليه، فلمّا رأى الجمل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أقبل عليه وخرّ ساجداً خاضعاً بين يديه.
من معجزات الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كذلك، أنّ الطعام يُسبِّح بين يديه حتّى يسمع تسبيحه، فإنّ بركة نبيّ الله تصل إلى الأكل الذي بيده، فيشعر الطعام أنّه بيد خير الأنبياء، ويسبّح الله -تعالى- حتى يُسمع تسبيحه، وتسبيح الجمادات من المعجزات، ومن معجزاته أنَّ زينب بنت الحارث وهي زوجة سلام بن مشكم؛ سألت عن أحبّ أعضاء الشّاة لرسول الله، فقيل لها الذراع، فأحضرت شاةً ووضعت بها السّمّ، وأكثرت منه في الذراع، وقدّمتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا وضعتها له تناول من الذراع لُقمة، فلم يستسِغ طعمها وأخرجها من فَمه، وقال إنّ هذه الذراع أخبرته أنّها مسمومة، وكان معه بِشر بن البراء وقد أخذ منها مثل ما أخذ النبي، ولكنه استساغ طعمها، ثمّ بعث إلى زينب فأتت واعترفت، وسألها عمّا دعاها إلى فعل ذلك، فقالت له إنَّها أردات أن تختبره إن كان ملكاً فيموت، وإن كنت نبيّاً فسيُخبَر بالسُّمّ، فعفى عنها رسول الله، ومات بِشر على إثر السمّ الذي تناوله.
إبراء المرضى
جعل الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- مثل ما جعله لنبيّه عيسى -عليه السلام- من إبراء المرضى، فقد شُفيَ على يديه بعضٌ من أصحابه -رضي الله عنهم-، ومن ذلك شفاء عين عليّ -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر: (لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسوله وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، قالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ أَيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقالوا: هو يا رَسولَ اللهِ، يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ، فَأُتِيَ به، فَبَصَقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا له فَبَرَأَ، حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ).
كان أبو رافع بن أبي الحقيق تاجرٌ مشهورٌ في مكة المكرمة، وكان من أشدّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين، فقد شكّل الأحزاب المعادية للمسلمين، وأمدّهم بالمعونة، كما تعرّض لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأذى، وبعدما انتهى المسلمون من بني قريظة، جاءت الخزرج تطلب من رسول الله أن يأذن لهم بقتله، فأذن لهم رسول الله بذلك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان، فاجتمع من بني سلمة خمسة رجال وأمّروا عليهم عبد الله بن عتيك، وخرجوا فقتلوه، وفي طريق العودة وقع عبد الله فانكسرت ساقه، فربط عليها عصبة، ولمّا وصل إلى رسول الله، أمره الرسول أن يبسط رجله، فبسطها، فمسح عليها رسول الله، فشُفيت كأن لم يكن بها شيئاً.
الإخبار عن أمور ستقع بالمستقبل
علم الغيب من الأمور التي أخفاها الله -تعالى- عن مخلوقاته، وواحدة من معجزات الله لرسله اطلاعهم بالوحي على الغيب تأييداً لصدق نبوتهم، قال -تعالى-: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)، وقد أوحى الله تعالى إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأمور غيبية ستحدث بالمستقبل لتكون معجزة من معجزاته وعلامة من علامات نبوته.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمور غيبية كثيرة كُلّ خبر منها معجزة في ذاته، منها ما حدث في حياته ومنها ما حدث بعدها ومنها ما لم يحدث بعد، يقول حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه-: (لقَدْ خَطَبَنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خُطْبَةً، ما تَرَكَ فِيهَا شيئًا إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ، إنْ كُنْتُ لَأَرَى الشَّيْءَ قدْ نَسِيتُ، فأعْرِفُ ما يَعْرِفُ الرَّجُلُ إذَا غَابَ عنْه فَرَآهُ فَعَرَفَهُ).
ومن إخباره عمّا حدث في حياته -صلى الله عليه وسلم- تنبوئه بهزيمة الفرس وغلب الروم بعد بضع سنين، وعلمه بالكتاب الذي أرسله حاطب بن أبي بلتعة للمشركين مع امرأة يُعلمهم فيه بتجهيز الرسول -صلى الله عليه وسلم- لفتح مكة.
وممّا أخبر عنه الرسو ل -صلى الله عليه وسلم- وحدث بعد وفاته وعده لسراقة بسواري كسرى في الهجرة؛ إذ إن الفرس فتحت في عهد عمر -رضي الله عنه- وتمّ وعد الرسول له، ومنها إخباره عن البلاد التي ستفتح والتي حدّث عنها الرسول -صلى الله عليه وسلم- أثناء حفر الخندق حين عرضت لهم صخرة فقام الرسول إليها وحطَّمها فرأى البلاد فيها، بالإضافة إلى إخباره بعلامات الساعة وأحوال الناس آخر الزمان.
وصف غزوة مؤتة وهو في المدينة
من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- معرفته لأحداث ووقائع غزوة مؤتة، وهي من المعارك التي لم يشارك النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، وحدثت على أطراف بلاد الشام في السنة الثامنة للهجرة، فقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أحداثها وهو جالس في المدينة، حيث روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه جلس على المنبر في المسجد والناس من حوله فأخذ يُحدِّثهم عن أحداثها بالتّفصيل حتى أنّه اخبرهم باستشهاد القادة الثلاث، فلمّا عاد الجيش وجد الناس وقائعها مطابقةً لما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، نَعَى زَيْدًا، وجَعْفَرًا، وابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ، قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقالَ أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حتَّى أخَذَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم)، يقول الشيخ الشعراوي في تفسيره أنَّ معركة مؤتة سُمّيت بغزوةٍ لا سريَّة؛ لأنَّ النبي شارك بها بوصفه إياها، فاعتبرها المسلمون غزوة.
شق صدر النبي الكريم
كان للمعجزات وجود في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- منذ ولادته، فمعجزة شقّ الصدر من المعجزات التي جرت للرسول --صلى الله عليه وسلم وهو في الخامسة من عمره عندما كان في البادية عند مرضعته حليمة السعدية، فبينما هو يلعب مع أقرانه إذ جاءه جبريلٌ وشقَّ صدره وأخرج قلبه وأزال علقة سوداء هي حظُّ الشيطان منه، وبقي أثر هذا الشقّ على صدر الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وفيه روى أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أتاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وهو يَلْعَبُ مع الغِلْمانِ، فأخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عن قَلْبِهِ، فاسْتَخْرَجَ القَلْبَ، فاسْتَخْرَجَ منه عَلَقَةً، فقالَ: هذا حَظُّ الشَّيْطانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ في طَسْتٍ مِن ذَهَبٍ بماءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لأَمَهُ، ثُمَّ أعادَهُ في مَكانِهِ، وجاءَ الغِلْمانُ يَسْعَوْنَ إلى أُمِّهِ، يَعْنِي ظِئْرَهُ، فقالوا: إنَّ مُحَمَّدًا قدْ قُتِلَ، فاسْتَقْبَلُوهُ وهو مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قالَ أنَسٌ: وقدْ كُنْتُ أرَى أثَرَ ذلكَ المِخْيَطِ في صَدْرِهِ).
أرسل الله تعالى رسوله الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، وختم به الرسالات السماوية، وقد أيده بالعديد من المعجزات المتنوعة إلى جانب معجزته الخالدة القرآن الكريم، ومن هذه المعجزات: الإسراء والمعراج، انشقاق القمر، نبع الماء من بين أصابعه، البركة في الطعام، تكلّم الجمادات والحيوانات، إبراء المرضى، الإخبار عن أمور ستقع بالمستقبل، وصف غزوة مؤتة وهو في المدينة، وشق صدره صلوت الله وسلامه عليه.