ما هي عقوبة قوم صالح
قوم صالح
ذكر الله -سبحانه وتعالى- قصّة قوم صالح في القرآن الكريم في أكثر من موضعٍ، ومن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ*إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ*وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ*أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ* فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ*وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ*وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ*الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ)، وبيّنت الآيات السّابقة أنّ سيِّدنا صالحاً قد دعا قومه إلى عبادة الله وحده، فكذّبه قومه، وطلبوا منه دليلاً على صِدقه؛ حيث قال تعالى: (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ*مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
بعد أن طلب قوم صالحٍ -عليه السّلام- دليلاً على صِدقه، أخرج لهم ناقةً حلوباً من صخرة صمّاء، وحذَّرهم من قتلِها، فقتلوها واستهزؤوا بوَعيد صالح وتخويفه لهم من استحقاق عذاب الله، ثمّ استعجلوا عذاب الله فاستحقّوه، وأتاهم من حيث لم يحتسِبوا، قال تعالى على لسان صالح: (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ*وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ*فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ*فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ*وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
اسم سيّدنا صالح ونسبه
أرسل الله عزّ وجلّ النبيّ صالحاً -عليه السّلام- إلى قومه ثمود برسالةٍ سماويّةٍ وشريعةٍ، وقد مكث فيهم عمراً، واسم سيّدنا صالح هو صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح، ونقل الجوزيّ أنّ اسمه هو صالح بن عبيد بن ماشح بن عبيد بن جادر بن ثمود، وقيل أيضاً: إنّ اسمه هو صالح بن عبيد ابن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود، وفي روايةٍ أخرى صالح بن أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود.
قوم سيّدنا صالح ورسالته
اسم قبيلة سيّدنا صالح -عليه السّلام- هو ثمود ، وقيل: إنّهم سُمُّوا بذلك نسبةً إلى جدّهم الذي كان اسمه ثمود، وقد كانوا من العرب العارِبَة، وسكنوا بين الحجاز وتبوك، وجاء قوم ثمود بعد قوم عاد في التّرتيب الزمنيّ، وكانوا مثلهم يعبدون الأصنام، حتّى بعث الله -سبحانه وتعالى- فيهم سيّدنا صالحاً -عليه السّلام- فآمن معه فريقٌ يسيرٌ منهم، بينما كفر أغلبُهم، وكذّبوا بما أُرسل به صالح، بل زادوا على ذلك بأن تكلَّموا في سيّدنا صالح، ورموه بالجنون والسّفاهة، وشتموه، وآذوه، ووصفوه بما ليس فيه، وحاولوا قتلَه للخلاص من رسالته ودعوته.
قصّة ناقة صالح
دعا صالح -عليه السّلام- قومه ثمود إلى عبادة الله، فكذّبوه واستهزؤوا به ودينِه الذي جاء به، وطلبوا منه كُبَراء قوم ثمود أن يُخرِج لهم ناقةً من إحدى الصّخور القريبة من مكان جلوسهم المُعتاد حيثُ كان يدعوهم، وقالوا له: سنؤمن بك إن أنت أخرجت لنا من هذه الصّخرة ناقةً صِفَتُها كذا وكذا، فلَزِم صالح -عليه السّلام- مُصَلّاه، وأخذ يدعو ربَّه أن يُجيب طلبَهم؛ كي يُثبِت لهم صدق ما جاءهم به، فاستجاب الله لنبيِّه، وأمر تلك الصّخرة التي أشاروا إليها أن تَنفَطِر وتُخرِج ناقةً عظيمةً عَشراءَ، وقد أتت النّاقة كما طلب قوم ثمود من صالح، فلمّا رأوها وتأكّدوا من أنّها وفق الصّفات التي طلبوها، آمنَ بصالح فريقٌ منهم، واستمرّ أكثرهم على الكفر، بل زادوا عُتُوّاً وضلالاً وعِناداً، كان على رأس الذين آمنوا جندع بن عَمرو بن محلاة، وكان من وُجَهاء القوم وساداتهم.
بعد ذلك قال صالح -عليه السّلام- لقومه: (إنّ هذه ناقة الله لكم آية على صدق ما جِئتكم به، فَذَروها تأكُل في أرض الله ولا تَمسُّوها بِسُوءٍ)، فاتّفَقَوا معه على أن تبقى النّاقة بينهم، ترعى حيث شاءت، وتأكل من أيّ مكانٍ شاءت، وتَرِدُ الماء يوماً بعد يومٍ، على ألّا يردوا الماء في تلك الأيّام، فلهم أيّامٌ أخرى غير أيّام النّاقة، وكانت تلك النّاقة تشرب ماء البئر جميعَه إذا وردت الماء. وممّا قيل: أنّ القوم كانوا يشربون من لبنها ما يكفيهم جميعهم، فلمّا طال عليهم هذا الحال استاؤوا منه ولم يُعجِبهم ذلك، فاجتمعوا فيما بينهم، واتّفقوا أن يذبحوها في اللّيل؛ ليستريحوا منها ويبقى لهم ماؤُهم، وكان الذي تولّى قتلها منهم رئيسُهم قدار بن سالف بن جندع، فعاقبهم الله على فعلتِهم.
عقوبة قوم صالح
لمّا قتل قوم صالح النّاقة التي جاءت مُعجزِةً ودليلاً على صِدق سيِّدنا صالحٍ عليه السّلام؛ كان لها ابنٌ شهِدَ قَتْلَهم لها، فهرب ابن النّاقة إلى الجبال من ثمود قوم صالح، ورغا ثلاث مرّاتٍ، فعَلِم صالح -عليه السّلام- أنَّ ذلك الرّغاء هو علامة عقوبة قومه، والمُدّة التي سينتظرونها ليحلّ عليهم عذاب الله، فقال لهم: (تمتّعوا في دارِكم ثلاثة أيّام)، فلم يصدِّقوه أيضاً في هذا الأمر الذي استدلّ عليه من رغاء ابن النّاقة، بل أرادوا قتل صالح مرّةً أخرى، قال تعالى في بيان هذه الحادثة: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ*قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ*وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
أراد قوم صالح قتلَه وأهلَه، ثمّ أجمعوا أن يقولوا: إنّهم لا يعلمون من الذي قتله، فأرسل الله -سبحانه وتعالى- بقُدرته على أولئك الذين أرادوا قتلَه حجارةً قتلتهم، فكادوا لقتل صالح، ولكنّ الله لهم بالمرصاد؛ فبعد ثلاثة أيّام جاءهم ما استعجلوا من العذاب ، وكان ذلك يوم الخميس، وهو اليوم الأوّل من أيّام النّظرة، وبدأ عذابهم بأن أصبحت وجوهُهم مصفرَّةً كما أنذرهم صالح، وفي اليوم الثاني من أيّام التّأجيل، وهو يوم الجمعة أصبحت وجوههم محمرَّةً، ثمّ أصبحوا في اليوم الثّالث وهو يوم السّبت ووجوههم مسودَّةٌ، وكانوا في كلِّ يومٍ يُذكِّرون بعضَهم بدُنُوِّ العذاب استهزاءً بصالح عليه السّلام.
فلمّا انتهى اليوم الثّالث نادوا: ألا قد مضى الأجل، فلمّا كان صبيحة يوم الأحد استعدّوا وتأهّبوا، وجلسوا ينتظرون عذاب الله الذي وعدهم به صالح، وهم لا يدرون ما سيُفعَل بهم، ولا من أين سيأتيهم العذاب ، فلمّا أشرقت الشّمس جاءَتهم صيحة من السّماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفلِهم، فماتوا جميعاً وأصبحوا جاثمين بِلا حِراك في ثوانٍ معدودة، فلم يبقَ منهم أحد إلّا جارية كانت مُقعَدةً، واسمها كلبة بنت السّلق، ويقال لها: الزّريعة، وكانت تلك الجارية شديدة الكفر والعِداء لصالح عليه السّلام، فلمّا رأت العذاب الذي حلَّ بقومها أُطلِقت رجلاها، وشُفِيت من مرضها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حيّاً من أحياء العرب، فأخبرتهم بما جرى لقومها، وما حلَّ بهم من العذاب ، وشرحت لهم ذلك بالتّفصيل وطلبت منهم الماء لتشرب، فلمّا شربت ماتت، قال الله تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ*كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ).