ما هي صفة صلاة الخوف
مشروعيّة صلاة الخوف
اتفق العلماء على مشروعية صلاة الخوف، وهي مشروعةٌ في الحضر وفي السفر فمن استدل بقوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)، على أنّها مخصوصةٌ بالسفر فهذا استدلالٌ خاطئ فهي تُؤدّى وإن كان القتال في المدينة؛ لأنّ علّة الخوف هي مناط الحكم الذي قامت عليه هذه الصلاة وليس السفر، فهذه الصلاة شُرعت تخفيفًا على المسلمين وحمايةً لهم من أن يهجم العدوِّ عليهم وهم في الصلاة، فخُففت على المُصلِّي لأنّ قلبه مشغولٌ بالعدوِّ، ولكي يحاول أداءها بنوع من الحضور والخشوع، كما أنّها شُرعت للمحافظة على صلاة الجماعة ، وكلُّ هذا من رحمة الله تعالى بعباده ودليل على يسر الشريعة وكمالها وأنّها صالحةٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ. أمّا دليل مشروعيتها من القرآن الكريم فهو قوله تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ )، وفي هذا المقال نورد صفتها بالكيفية التي وردت عنه صلّى الله عليه وسلم.
صفة صلاة الخوف
ثبت في صفة صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيُّها فعل المرء فهو جائز، وفيما يأتي بيان ما اعتُمد منها:
الصفة الأولى
أن يكون العدو في غير جهة القبلة فيُصلِّي الإمام الصلاة الثنائية بطائفة ركعة ثمّ ينتظر حتّي يُتمّوا لأنفسهم ركعة، فيذهبوا ليقوموا تجاه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فيُصلّون معه الركعة الثانية ثمّ ينتظر حتى يُتمّوا لأنفسهم ركعة ويسلّم بهم، وهذه الصفة مستخلصةٌ من حديثٍ ورد: (عمّن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بًالذين معه ركعة، ثمّ ثبت قائماً، فأتموا لأنفسهم، ثمّ جاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم، ثمّ ثبت جالساً، فأتموا لأنفسهم، ثمّ سلم بهم).
الصفة الثانية
أن يُصلِّي الإمام بطائفةٍ من الجيش ركعة والطائفة الأخرى تجاه العدو، ثمّ تنصرف الطائفة التي صلّت معه الركعة وتقوم تجاه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فتُصلِّي معه ركعةً، ثمّ تقضي كل طائفةٍ لنفسها ركعة، تكون هذه الصفة إذا كان العدوُّ في غير جهة القبلة، فعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: (صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلاةَ الخوفِ. بإحدى الطائفتَين ركعةً. والطائفةُ الأخرى مواجهةَ العدوِّ . ثمّ انصرفوا وقاموا في مقامِ أصحابِهم. مُقبلين على العدوِّ . وجاء أولئك. ثمّ صلَّى بهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ركعةً. ثمّ سلَّم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. ثمّ قضى هؤلاءِ ركعةً).
الصفة الثالثة
أن يُصلّي الإمام بكّل طائفةٍ ركعتين فتكون الركعتان الأوليان له فرضاً والركعتان الأخريان له نفلًا، فقد جاء أنّ اقتداء المفترض بالمتنفّل جائزٌ فعن جابر بن عبدالله قال: (نادى النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بالرَّحيلِ وأخَذوا السِّلاحَ ثمَّ نوديَ بالصَّلاةِ، فصلَّى النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بطائفةٍ منَ القومِ، وطائفةٌ أخرى يَحرسونَهُم. فصلَّى بالَّذينَ يلونَهُ رَكْعتينِ ثمَّ سلَّمَ، ثمَّ تأخَّرَ الَّذينَ يلونَهُ على أعقابِهِم فقاموا في مَصافِّ أصحابِهِم، ثمّ جاءَ الآخَرونَ فصلَّى بِهِم رَكْعتينِ، والآخَرونَ يحرسونَهُم ثمَّ سلَّمَ. فَكانَ النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أربعُ رَكَعاتٍ، وللقومِ رَكْعتانِ ففي يومَئذٍ أنزلَ اللَّهُ تعالى إقصارَ الصَّلاةِ، وأُمِرَ المؤمنينَ بأخذِ السِّلاحِ).
الصفة الرابعة
أن يُصلِّي الإمام بالطائفتين جميعاً ويشتركون بالحراسة وبمتابعة الإمام في جميع أركان الصلاة ما عدا السجود ، فتسجد معه طائفةٌ وتنتظرها الأخرى حتى تفرغ ثمّ تسجد، وعند انتهائهم من الركعة الأولى تتقدّم الطائفة المتأخرة مكان الطائفة المتقدمة وتتأخّر المتقدمة وتُصلِّي مع الإمام بنفس الوصف السابق هذه الصفة تؤدّى حين يكون العدو في جهة القبلة، فعن جابر بن عبدالله قال: (شهدتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلاةَ الخوفِ. فصفَّنا صفَّينِ: صفٌّ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والعدوُّ بيننا وبين القبلةِ. فكبر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكبَّرْنا جميعًا. ثمّ ركع وركعْنا جميعًا. ثمّ رفع رأسَه من الركوعِ ورفعْنا جميعًا. ثمّ انحدر بالسجودِ والصفُّ الذي يليه. وقام الصفُّ المؤخَّرُ في نحرِ العدوِّ. فلما قضى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السجودَ، وقام النصفُ الذي يليه، انحدر الصفُّ المؤخَّرُ بالسجودِ. وقاموا. ثمّ تقدم الصفُّ المؤخَّرُ. وتأخَّر الصفُّ المقدمُ. ثمّ ركع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وركعْنا جميعًا. ثمّ رفع رأسَه من الركوع ورفعْنا جميعًا. ثمّ انحدر بالسجودِ والصفُّ الذي يليه الذي كان مُؤخرًا في الركعةِ الأولى وقام الصفُّ المؤخَّرُ في نحورِ العدوِّ. فلما قضى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السجودَ والصفُّ الذي يليه. انحدر الصفُّ المُؤخَّرُ بالسجودِ. فسجدوا. ثمّ سلم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسلَّمْنا جميعًا. قال جابرٌ).
الصفة الخامسة
أن يُصلِّي الإمام بالطائفتين جميعاً فيكبّر ويكبّرون معه، ثمّ تقوم إحدى الطائفتين مقابل العدو وتُصلِّي معه الأخرى ركعةً متجهين إلى القبلة ثمّ تذهب مقابل العدوِّ وتأتي الطائفة الأخرى التي كانت مقابل العدو فتُصلِّي ركعةً والإمام قائمٌ ثمّ يُصلّي بهم الركعة الثانية، ثمّ تأتي الطائفة القائمة مقابل العدو فيصلون لأنفسهم ركعة في حين يبقى الإمام والطائفة التي معه قاعدون حتى إذا انتهوا يُسلِّم الإمام ويسلمون جميعاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صلاة َالخوفِ عامَ غزوةِ نَجْدٍ، فقام إلى صلاةِ العصرِ فقامَتْ معه طائفةٌ، وطائفةٌ أخرى مقابلَ العدوِّ، وظهورُهم إلى القِبْلَةِ، فكبَّر فكبروا جميعًا الذين معه والذين مُقابِلَ العدوِّ، ثمّ ركَعَ ركعةً واحدةً، وركَعَتِ الطائفةُ التي معه، ثمّ سَجَدَ فسَجَدَتِ الطائفةُ التي تليه، والآخرون قيامٌ مقابلي العدوِّ، ثمّ قامَ وقامَتِ الطائفةُ التي معه، فذهبوا إلى العدوِّ فقابلوهم، وأقبَلَتِ الطائفةُ التي كانت مقابلَ العدوِّ فركعوا وسجدوا، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم كما هو، ثمّ قاموا فركَعَ ركعةً أخرى، وركعوا معه، وسجدوا معه، ثمّ أقبَلَتِ الطائفةُ التي كانت مقابلَ العدوِّ فركعوا وسجدوا، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قاعدٌ ومَن معه ثمّ كان السلامُ فسلَّمَ وسلَّموا جميعًا، فكان لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ركعتان ولكلِّ طائفةٍ ركعتان).
الصفة السادسة
أن تُصلِّي كل طائفةٍ ركعةً واحدة مع الإمام فيكون للإمام ركعتين ولكل طائفةٍ ركعة، وقد وردت هذه الصفة عن ابن عباس جاء ذلك: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صلى بذيِ قَرَدٍ فصَفَّ الناسُ خلفَه صَفَّيْن صفًّا خلفَه، وصفًّا موازيَ العدوِ، فصلَّى بالذين خلفَه ركعةً، ثمّ انصرَفَ هؤلاء إلى مكانِ هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعةً، ولم يَقْضوا ركعةً).