ما هي صفات الرسول الخُلقية والخَلقية
صفات الرسول الخُلُقيّة
شهد الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بكمال الصفات وعِظم الأخلاق، حيث قال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وهو ما جعل القلوب تتعلّق به وتتخلّى في سبيل حبّه عن كل ما يربطها بالجاهلية، وفيما يأتي بيان بعض الصفات الخُلُقيّة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
الصدق
يُعدّ الصدق من الصفات الأصيلة في شخصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد عُرف في مكة قبل الإسلام بالصادق الأمين، وشهد له بهذه الصفة العظيمة العدو قبل الصديق، إذ لم يعهدوا عليه كذباً قط، وعرفوه صادقاً مع نفسه، وصادقاً مع ربه، ومع أهله والناس أجمعين، وقد كان صادقاً في كلامه، وصادقاً في نيّته وأعماله، وأمر -عليه الصلاة والسلام- أمّته بالصدق، واجتناب الكذب، وبيّن لهم أنّ الكذب من صفات المنافقين، حيث قال: (آية المُنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذَبَ، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤْتُمن خان).
التواضع
ضرب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة بتواضعه، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- سيد المتواضعين، حيث كان يجيب دعوة المسلمين فقيرهم وغنيهم، عبدهم وحرهم، ويقبل هديتهم، ويعيد مرضاهم، ويجلس على الأرض والحصير والبساط، وكان يقول: (لا تُطْروني، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه).
وكان تواضع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حجّة على كل متكبّر، فكان يخفض جناحه للصغير والكبير، وللقريب والبعيد، ويلين جنبه لمن يخالطهم، وكان تواضعه سبباً في خدمة أهله والرّفق به، وقد سُئلت أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- عن فعل النبي في بيته، فقالت: (كان بشرًا من البشرِ: يَفْلِي ثوبَه، و يحلبُ شاتَه، ويخدم نفسَه)، وكان أبرز ما يظهر من تواضعه مع الضعفاء من الناس وأصحاب الحاجات، فكان إذا مرّ على الصبية الصغار سلّم عليهم، ولاطفهم بكلمة طيبة ولمسة حانية.
الشجاعة
صفة الشجاعة من الأخلاق العظيمة التي يتحلّى بها الرجال الأقوياء الذين لا يعرفون الخوف ولا يرضون العجز والخور، وقد حثّ الله -تعالى- عباده على التحلّي بهذه الصفة العظيمة، فالمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في الشجاعة والثبات، والمواقف في سيرته العطرة خير دليلٍ على ذلك، فعندما تآمر كفار قريش على قتله، وأحاط فرسانهم المدجّجين بالسلاح بمنزله، لم يرتعد له طرف، ولا ارتجف له جفن، بل كان ثابت القلب شجاعاً، حتى إنه نام في فراشه تلك الليلة، ثم خرج عليهم في منتصف الليل وحثا التراب على وجوههم ثم مضى في طريقه.
الرحمة
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس، فقد قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وممّا يدل على أنّ الرحمة متأصّلة في قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ردّه عندما قيل له أُدع على المشركين، حيث قال: (إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعِثتُ رحمةً)، وقال الله -تعالى- مخاطباً رسوله عليه الصلاة والسلام: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ).
وقد حث -عليه الصلاة والسلام- أمته على التحلي بخلق الرحمة، حيث قال: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ)، وكان إذا سمع بكاء الصبي وهو في صلاة الجماعة فيسرع في الصلاة رحمةً بأمّه، وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلّي إذا قام حملها وإذا سجد وضعها.
دائماً للبشر
كان -صلى الله عليه وسلم- دائم البشر، سهل الخلق، ليّن الجانب، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يُيَئّس راجيه، وإذا تكلّم جلس الصحابة يستمعون له كأنّما على رؤوسهم الطير، وإذا سكت تكلّموا، وكان لا يقطع على أحدٍ حديثه.
العدل
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُقتدى به في العدل، وكانت أفعاله وأقواله وحياته كلّها تطبيقاً واقعياً لهذه الصفة الخُلقية العظيمة، فقد قال: (سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ)، وذكر منهم: (إمامٌ عدلٌ)، وقد حذّر أمّته من الظلم أشد التحذير، حيث قال: (مَن أعانَ علَى خصومةٍ بظُلمٍ، أو يعينُ علَى ظُلمٍ، لم يزَلْ في سخطِ اللَّهِ حتَّى ينزعَ).
ومن أبرز المواقف الدالة على عدله؛ إقامته لشرع الله -تعالى- ولو على أقرب النّاس إليه، فقد رُوي عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حادثة المرأة المخزومية التي سرقت أنّه قال: (والذي نفسُ محمدٍ بيده، لو أنّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها)، بالإضافة إلى عدله بين أزواجه، وتحمّل ما قد يقع من بعضهن بسبب الغيرة.
الصفح والعفو
كان العفو سجيّة جليّة من سجاياه -عليه السلام-، وكان عفوه دليلٌ أبلجٌ على أنّ الإسلام لا يحمل الحقد على أحد، وإنّما هو رسالة تحمل العفو والصّفح عمّن ظلم وأساء، وعندما جاء يوم فتح مكة، كان -عليه السلام- مستحضراً لما فعله مشركو قريش من أذى، واضطهاد، وقتل، وإبعاد للمؤمنين، لكنّه غلّب جانب العفو والغفران، وعفا عنهم جميعاً.
الكرم
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مثالاً يقتدى به في الجود والكرم، فقد كان يعطي من غير أن يفكر للحظةٍ بالفقر، أو نقص المال؛ لأنّه كان موقناً بأنّ الرزق بيد الله عزّ وجلّ، وعلى ثقةٍ بفضله سبحانه وتعالى، وقد دلّ على ذلك قول أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما سُئل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجلٌ فأعطاه غنمًا بين جبلَينِ، فرجع إلى قومِه، فقال: يا قومُ أسلِموا، فإنَّ محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقةَ).
وروي أنّ امرأة أهدت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شملةً منسوجةً، فلبسها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو محتاج إليها، وبينما هو جالسٌ مع أصحابه رضي الله عنهم، رآها رجلٌ منهم، فقال: (يا رسولَ اللهِ، ما أحسنَ هذه، فاكسُنيها، فقال: نعم، وبعدما ذهب النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لامَه أصحابُه، قالوا: ما أحسنتَ حين رأيتَ النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- أخذها محتاجًا إليها، ثمّ سألتَه إياها، وقد عرفتَ أنّه لا يُسألُ شيئًا فيمنعَه، فقال: رجوتُ بركتَها حين لبِسَها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، لعلي أُكفَّنُ فيها).
صفات الرسول الخَلْقيّة
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجمل الناس، وأحسنهم خلقاً، مصداقاً لما رُوي عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنه قال عنه: (لم أر شيئًا قطُّ أحسنَ منهُ)، وقد وصفه الصحابة -رضي الله عنهم- وصفاً دقيقاً، وفيما يأتي بيان بعض أوصافه -صلى الله عليه وسلم- :
لون البشرة
كان لون بشرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبيضاً مائلاً إلى الحمرة، مصداقاً لما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- قائلاً: (أزْهَرَ اللَّوْنِ ليسَ بأَبْيَضَ، أمْهَقَ ولَا آدَمَ).
ملامح الوجه والشعر
وصف الصحابة -رضي الله عنهم- وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنه كالقمر المنير، وبأنه أحسن الناس وجهاً، حيث رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: (ما رأيتُ شيئًا أحسنَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، كأنَّ الشمسَ تجري في وجهِه، وما رأيتُ أحدًا أسرعَ في مِشيتِه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، كأنما الأرضُ تُطوى له، إنا لنجهدُ أنفسَنا، وإنه لغيرُ مكترِثٍ)، ورُوي عن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (فلما سَلَّمتُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، وكان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- إذا سُرَّ استَنارَ وجهُه، حتى كأنه قِطعَةُ قَمَرٍ، وكنا نعرفُ ذلك منه).
ومن صفاته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان عظيم الفم، واسع العينين، مصداقاً لما رُوي عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنه قال: (كان رسولُ اللهِ ضليعَ الفمِ، أشكلَ العينِ)، وكان واسع الجبين، عظيم الفم، أبيض الأسنان، إذا تكلّم كأن النور يشعّ من فمه، مصداقاً لما رُوي عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنه قال: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الفَمِ، أَشْكَلَ العَيْنِ، مَنْهُوسَ العَقِبَيْنِ).
ورُوي أنه كان أسود العينين، طويل شعر الأجفان، أحور أكحل، في عنقه طول، خشن الصوت، رقيق الحاجب، كث اللحية كما وصفته أم معبد رضي الله عنها، حيث قالت: (وسيمٌ قسيمٌ، في عَينيهِ دعجٌ، وفي أشفارِهِ وطفٌ، وفي صوتِهِ صَهَلٌ، وفي عنقِهِ سَطعٌ، وفي لحيتِهِ كثاثةٌ، أزجُّ)، ووصف جابر بن سمرة -رضي الله عنه- لحيته، حيث قال: (وَكانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ).
طول القامة
ومن الصفات الخَلقية التي تميّز بها النّبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان متوسط القامة، لا بالقصير ولا بالطويل، فقد قال البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مربوعًا، بعيدَ ما بينَ المنكبينِ، له شعرٌ يبلغُ شحمة أُذُنَيهِ، رأيتُه في حُلَّةٍ حمراءَ لم أرَ شَيئاً قطُّ أحسن منه).
شَعر الرسول
أما شعره -عليه الصلاة والسلام- فكان شديد السواد، وليس بالجعد القطط، ولا بالناعم المسترسل، يبلغ طوله إلى شحمة أذنيه، وقد وصفه أنس بن مالك -رضي الله عنه- قائلاً: (ليسَ بجَعْدٍ قَطَطٍ، ولَا سَبْطٍ رَجِلٍ).
خاتم النبوة
ممّا كان يميزه -عليه الصلاة والسلام- خاتم بين كتفيه، كأنّه شامةٌ بارزةٌ، فقد رُوي عن جابر بن سمرة أنّه قال: (ورأيتُ الخاتمَ عند كتفِه مثلَ بيضةِ الحمامةِ، يُشبِهُ جسدَه).
طيب الرائحة
كان -عليه الصلاة والسلام- ليّن الكف، طيّب الرائحة، حيث رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أزهرَ اللونِ، كأنَّ عرقَه اللؤلؤُ، إذا مشى تكفَّأَ، ولا مسستُ ديباجةً ولا حريرةً ألينَ من كفِّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ).
فصاحة الرسول
كان الأسلوب اللغوي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهم مظاهر جماله، حيث تميّز بالفصاحة، وعذوبة المنطق، ويمكن القول أن الفصاحة صفة تجمع بين حُسن اختيار الكلمات من غير تكلفٍ أو توعرٍ، وسلامة النّطق، وجمال الموضوع، وقد تحقّقت كلها في محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كان فصيح اللسان بسبب نشأته البدويّة القرشيّة الخالصة، وقد اتّفقت الروايات التي تدلّ على تنزيه نطقه من عيوب الحروف ومخارجها، وقدرته على إيقاعها في أحسن مواقعها، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- سليم الكلام والمنطق.
وأما موضوع كلامه فقد كان وحي من الله تعالى، مصداقاً لقوله عز وجل: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)، وأما المنطق العذب الذي كان يميّز كلامه فقد كان له تأثيرٌ خاصٌ على مستمعيه، وجذب أسماعهم، وفتح عقولهم وقلوبهم، كما قال ابن القيم رحمه الله: "إن كلامه يأخذ القلوب، ويسبي الأرواح، ويشهد له بذلك أعداؤه، وكان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل، مبيّن، يعدّ العاد ليس بهذا مسرع، ولا يحفظ، ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام، بل هديه فيه أكمل الهدي".
خلاصة المقال: عرض المقال الصفات الخُلُقية والصفات الخَلْقِية للرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتفصيل.