ما هي الهجرة
تعريف الهجرة
تعرّف الهجرة لغةً بالترك، وأمّا شرعاً فهي الانتقال من بلد الشرك الذي تُقام فيه شعائر الكفر ، ولا تقام فيه شعائر الإسلام ؛ كالأذان، وصلاة الجماعة، والأعياد، والجمعة ، إلى بلد الإسلام، وأمّا حكم الهجرة فهي واجبة على كلّ مؤمنٍ لا يستطيع إظهار شعائر دينه في بلد الكفر، فلا يتم إسلامه إذا كان لا يستطيع إظهار شعائره إلّا بالهجرة، وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب، والدليل قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا*إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا*فَأُولَـئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا).
أسباب هجرة النبي عليه الصلاة والسلام
عَلِم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- منذ بداية نزول الوحي أنّ دعوته في مكّة لن تكون سهلةً أبداً، بل ستكون محفوفةً بالمخاطر والمهالك، حيث إنّ ورقة بن نوفل أخبره بأنّ ما نزل عليه كان الناموس الذي نزل على موسى عليه السلام، ثمّ قال له: (ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أو مُخرجي هم؟)، قال: (نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلّا عُودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزّراً)، فعلم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- منذ ذلك اليوم أنّه سيهاجر من مكّة ، وعلى الرغم من ذلك إلّا أنّ النبي-عليه الصلاة والسلام- لم يتوانى ولم ييأس من دعوة قومه، بل كان شديد الحرص على هدايتهم لدين الله تعالى، حيث استخدم معهم شتى أساليب الدعوة وصورها، وكان ذلك يتم بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، ولكنّ كفّار قريش لم يستجيبوا لأشكال الدعوة، وأصرّوا على عداوة الإسلام، وحرب الله ورسوله، فقرّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- البحث عن مكانٍ آخرٍ يكون أكثر استعداداً لقبول الدعوة إلى الله ، ثمّ التقى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بستة رجالٍ من أهل المدينة المنورة، وكانوا من قبيلة الخزرج، فدعاهم إلى الإسلام، ومن تدبير الله -تعالى- أنّهم كانوا يسمعون من اليهود أنّ الله -تعالى- سيرسل نبيّاً وقد حان وقته، فسارعوا إلى الإسلام، وبايعوا رسول الله، ثمّ عادوا إلى قومهم، ودعوا إلى الله، فانتشر الإسلام في المدينة المنورة ، وفي العام التالي عادوا اثنا عشر رجلاً، وبايعوا النبي -عليه السلام- عند العقبة بيعة النساء، وأرسل معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه؛ ليعلّم الناس القرآن، ويدعوهم إلى الإسلام، فلمّا كان العام التالي جاءت مجموعة كبيرة من الأنصار إلى مكّة ؛ للقاء رسول الله، فواعدهم عند العقبة في أواسط أيام التشريق، فلمّا حان الموعد خرجوا في الثلث الأخير من الليل متسلّلين، ولقوا رسول الله، وبايعوه على أن يحموه كما يحمون أنفسهم وأبناءهم ونساءهم، وعلى أن يهاجر إليهم هو وأصحابه .
هجرة النبي عليه السلام
لمّا سمعت قريش أنّ الصحابة قد همّوا بالخروج إلى المدينة، وأنّ رسول الله عازمٌ على الخروج، علموا أنّهم يواجهون خطر حقيقياً؛ إذ إنّه سيكون للمسلمين كياناً يهدّد اقتصادهم ووثنيتهم، فاجتمعوا في دار الندوة؛ ليتشاورا في الأمر، فاقترح زعماء قريش حبس النبي عليه السلام، أو إخراجه من مكّة، وكان رأي أبي جهل أن يقتلوه، فأجمعوا على قتله، فلمّا كان ذلك القرار الغاشم، أنزل الله -تعالى- جبريل -عليه السلام- على رسول الله، وأخبره بالمؤامرة، ثمّ أمره بالهجرة، وحدّد له موعدها، حيث قال له: (لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه)، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- متوجّهاً إلى أبي بكر الصّديق، ولمّا قال قائل لأبي بكر أنّ رسول الله جاءه، قال أبو بكر: (فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلّا أمر)، ولمّا دخل رسول الله قال: (فإنّي قد أذن لي في الخروج)، قال أبو بكر: (الصحبة بأبي أنت يا رسول الله)، فقال: نعم، ثمّ أبرم خطة الهجرة ، وعاد إلى بيته ينتظر مجيء الليل، فلمّا جاء الليل حاصر أبو جهل ومعه مجموعة من المقاتلين بيت رسول الله، وهم ينتظرون لحظة تنفيذ القتل، ولكنّ الله غالب على أمره، قال الله تعالى: ( وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الماكِرينَ)، وفي هذه الأثناء خرج رسول الله، واخترق صفوفهم، وأخذ حفنةً من التراب، وحثاها على رؤوسهم، وقرأ: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)، فأخذ الله -تعالى- أبصارهم عنه، فلم يروه، وتوجّه الرسول إلى بيت أبي بكر، فخرجا من خوخةٍ في دار أبي بكر ليلاً، حتى لحقا بغار ثور باتجاه اليمن، وكان ذلك في السابع والعشرين من شهر صفر، سنة أربع عشر من النبوة، ولمّا وصلا إلى غار ثور، قال أبو بكر للنبي عليه الصلاة والسلام: (والله لا تدخله حتى أدخله قبلك)، فدخل أبو بكر، فوجد ثقوباً في الغار، فسدّها بإزاره، وبقي منها اثنان، فسدّهما بقدميه، ثمّ دخل رسول الله، ووضع رأسه في حِجر أبي بكر، ثمّ نام، فلُدغ أبو بكر في رجله من الجُحر، ولكنّه لم يتحرّك حتى لا يوقظ النبي، فسقطت دموعه على وجه رسول الله، فقال الرسول: (مالك يا أبا بكر؟)، فقال: (لُدغت بأبي أنت وأمي يا رسول الله)، فتفل رسول الله عليها، فذهب ما كان يجده، ثمّ استنفرت قريش للبحث عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وأبو بكر رضي الله عنه، حتى وصلوا إل باب الغار، كما روى أنس بن مالك عن أبي بكر أنّه قال: (كنتُ مع النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في الغارِ، فرفعتُ رأسي فإذا أنا بأقدامِ القومِ، فقلتُ: يا نبي اللهِ، لو أنَّ بعضَهم طأطأَ بصرَه رآنا، قال: اسكتْ يا أبا بكرٍ، اثنان اللهُ ثالثُهما)، ثمّ رجعوا، ولم يجدوهم، وكانت هذه معجزة أكرم الله -تعالى- بها نبيّه، وبعد أن خمدت نار قريش، وتوقّفت عمليات البحث خرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأبو بكر -رضي الله عنه- مهاجران إلى المدينة المنورة .