ما هي الشفاعة
تعريف الشفاعة
إنّ من رحمة الله -تعالى- أنْ جعل الشفاعة يوم القيامة ، وجعل منها أنواعاً متعددة، يخرج بها أقواماً من النار ويرفع درجة آخرين في الجنة، ويخفّف العذاب عن آخرين، وتتعدد تعريفات الشفاعة في اللغة العربية، وهي على النحو الآتي:
- الدعاء.
- الإعانة.
- الشفاعة من الشفع، وهو الزوج، والمفرد هو الوتر، وقالوا الوتر هو الله والشفع هم الخلق.
- الانضمام إلى آخر لنصرته، وأيضاً تستعمل الشفاعة في انضمام من هو أعلى إلى من هو أدنى.
وتعدّدت تعريفات العلماء للشفاعة، فتعرّف الشفاعة في الاصطلاح بأنها:
- طلب التجاوز عن الذنوب.
- طلب من الله لنفع محتاج أو دفع الضر عنه.
أنواع الشفاعة
إنّ للشفاعة نوعين أحدهما مقبول، وهو مثبت في النصوص الشرعية، وهي عدة أقسام، وكل قسم له أدلته الشرعية ووقته وزمانه، والنوع الثاني منفية؛ دلت النصوص الشرعية على رفضها وعدم ثبوتها، لعدم تحقق شروط الشفاعة المقبولة فيها، وفيما يأتي في المقال بيان أنواع الشفاعة:
الشفاعة المثبتة في النصوص الشرعية
بالشفاعة المثبتة هي تلك التي جاءت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية بإثباتها، فلا شفاعة بدون دليل شرعي معتبر، ومن ادّعى شفاعةً لأحد يُطالَب بالدليل عليها وإلا فلا قيمة لقوله، وقد ثبت في النصوص الشرعية عدة أنواع من الشفاعة، فيما يأتي بيانها:
شفاعة النبي للناس كافة
وهي من الخصائص التي تفرّد بها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وثبتت في الأحاديث الصحيحة، فهو الوحيد من دون كل البشر الذي يشفع للخلائق يوم المحشر، وذلك حين لا يجد الناس يوم القيامة إلا سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليشفع عند الله لبدء الحساب.
وقد جاء ذكر هذه الشفاعة في قوله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)، فالمقام المحمود هو شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه للمخلوقات يوم القيامة بأن يبدأ الحساب.
كما ذكرت في قوله -صلى الله عليه وسلم- عن حديث حشر الناس يوم القيام وقول سيدنا نوح -عليه السلام-: (ائْتُوا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَيَأْتُونِي فَأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فَيُقال: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ).
شفاعة النبي لدخول أهل الجنة الجنة
حيث يُحبس الناس بعد الحساب قبل دخول الجنة، وهنا أيضاً يبحثون عمن يشفع لهم عند الله لفتح أبواب الجنة، ويتنقل الناس بين الأنبياء حتى يصلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: (أنا أول شفيع في الجنة).
حينها يشفع النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربّه، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (فأقولُ: يا ربِّ وعدْتَني الشفاعةَ، فشفِّعْني في أهلِ الجنةِ، أن يدخلوا الجنةَ، فيقولُ: قد شفعْتُكَ فيهم، وأذنْتُ في دخولِ الجنةِ)، وقد ثبتت هذه الشفاعة بالسنة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومجمع على ذلك.
الشفاعة لمن تساوت حسناته وسيئاته
يدخل يوم القيامة أناس إلى مكانٍ بين الجنة والنار يسمّى الأعراف، وهم قوم قد تساوت حسناتهم مع سيئاتهم، ويروى عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: أصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
شفاعة النبي لعمه أبي طالب
شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمّه أبو طالب على الرغم من عدم إسلامه؛ سببها أن أبا طالب قد حمى النبي -صلى الله عليه وسلم- من أذى قريش، وكان يتصدى لمحاولة إيذاء كفار مكة للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقد سأل العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بشَيءٍ؟ فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ، فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: (نَعَمْ، هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، أي إن أبا طالب خُفّفِ عنه العذاب بسبب شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبدلاً من أن يكون في أسفل جهنم أصبح في نار تصل إلى كعبيه فقط.
شفاعة الشهيد
الشهيد الذي قاتل في سبيل الله فَقُتل لجعل كلمة الله هي العليا جَعَله الله شفيعاً في أهله الذين تركهم ليقاتل في سبيل الله -تعالى-، فأكرمه الله بأن جعله شفيعاً لسبعين من أهله، قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَشْفَعُ الشهيدُ في سبعينَ من أهلِ بيتِه)، فيشفع للآباء والأمهات والأولاد والبنات وغيرهم، والشهيد لا يُصلّى عليه؛ لأن الصلاة شفاعة وهو شافع لغيره.
الشفاعة المنفية في النصوص الشرعية
كما أن هناك شفاعة أثبتتها النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، فأيضاً هناك شفاعة نفتها النصوص الشرعية؛ إما لأنها تُطلب من غير أهلها؛ كطلب الشفاعة من الأولياء، أو لأنها تُطلب لغير أهلها كالمشركين، وفيما يأتي بيان ذلك:
- طلب الشفاعة من غير الله -تعالى-
الشفاعة لا تُطلب ولا تصحّ إلا من الله -تعالى-؛ لأنها تتعلق بأمرٍ لا يقدر عليه إلا الله -تعالى-، فمثلاً المخلوقات عاجزة عن أن تغفر لنفسها الذنب، فكيف تطلب منها الشفاعة لتغفر لغيرها، فكل شفاعة من غير الله شفاعة منفية لا تنفع صاحبها، فقد قال -تعالى-: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ)، فطلب الشفاعة من غير الله لا تصح، لأن الله لم يأذن لهم أن يشفعوا للناس.
- الشفاعة لغير المسلم
يبيّن الله -تعالى- حال الكفار يوم القيامة بأنهم يقولون كما جاء في القرآن الكريم: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ)، فقد منع الله -تعالى- الشفاعة لغير المسلمين.
شروط الشفاعة
جاءت النصوص الشرعية بتقييد الشفاعة بشرطين، ولا تصح أي شفاعة بدونها، وهما:
- أن يأذن الله للشافع بالشفاعة
قال -تعالى-: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) ، فحتى التقدّم للشفاعة لا يكون إلا بعد إذن الله -تعالى- للشافع بأن يقدم شفاعته، وهذا يدل على أن هناك من يرغب بالشفاعة يوم القيامة إلا أن الله -تعالى- لا يأذن له بذلك؛ لأنه لا يستحق أن يكرمه الله -تعالى- بها.
- أن يرضى الله -تعالى- عن المشفوع له
ولا يرضى الله ولا يأذن بها إلا إذا كانت لأهل التوحيد والإيمان، قال -تعالى-: (يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً)، وقال -تعالى-: (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى) ، فالشفعاءُ لا يشفعون إلا لمن يرضى عنه الرحمن، والرحمن لا يقبل الشفاعة إذا كانت لمن لا يستحقها.