ما هي السنة الكبيسة
السنة الكبيسة
تُعرف السنة الكبيسة على أنّها السنة التي تتألّف من 366 يوماً على غرار عدد أيام السنة العادية المؤلفة من 365 يوماً، حيث يُضاف يوم واحد إلى شهر شباط مرة كل أربع سنوات ليصبح عدد الأيام فيه 29 يوماً على خلاف السنوات العادية التي يتكّون فيها هذا الشهر من 28 يوماً، وتأتي السنة الكبيسة مرّةً واحدةً كلّ أربع سنوات لمزامنة التقويم الميلادي مع السنة الفلكية، ويُقصد بالسنة الفلكية المدة الزمنية التي تستغرقها الأرض لإكمال دورة واحدة حول الشمس.
قديماً كان شهر شباط هو الشهر الأخير في التقويم الرومي أو اليولياني؛ لذا فقد تمّت إضافة هذا اليوم لشهر شباط، أمّا عن السبب العلمي وراء الحاجة إلى إضافة هذا اليوم على التقويم الميلادي هو أنّ الأرض تستغرق تقريباً 365.242189 يوماً لإكمال دورة واحدة حول الشمس، أو بتعبير آخر فإنّ الأرض تستغرق 365 يوماً و 5 ساعات و 48 دقيقةً و45 ثانيةً لإكمال هذه الدورة، في حين أنّ السنة الميلادية تتألّف من 365 يوماً فقط، لذا فإنّ عدم إضافة هذا اليوم يؤدّي إلى نقصان التقويم الميلادي بمعدل 6 ساعات كلّ سنة عن الدورة الفلكية، أي 24 ساعة كلّ 4 سنوات.
نشأة السنة الكبيسة
التقويم الرومي أو اليولياني
حاول الإنسان منذ القدم وضع تقويمات سنوية تتوافق مع السنة الفلكية، فعلى سبيل المثال وضعت الحضارة السومرية منذ أكثر من 5000 سنة تقويماً خاصاً بهم يتألّف من 360 يوماً موزّعاً على 12 شهراً، بحيث يتألف الشهر الواحد من 30 يوماً، وبذلك كان التقويم السومري يقل عن التقويم الشمسي بأسبوع تقريباً، وقد وضعت حضارات أخرى كالحضارة المصرية تقويماً سنوياً يعتمد على الأشهر القمرية، والذي يُعرف باسم التقويم القمري، حيث ينقسم إلى فترات مؤلفة من 29.5 يوماً، وقد عانت الحضارات التي تعتمد على التقويم القمري في حساباتها والمؤلف من 354 يوماً من انعدام التوافق مع الوقت.
تبنّت الحضارة المصرية في وقت لاحق التقويم السومري المؤلّف من 360 يوماً بالإضافة إلى خمسة أيام أخرى أُضيفت إلى نهاية السنة تمّ تكريسها للاحتفالات الخاصة بهم، وقد خلقت هذه الإضافة تقويماً مكوّناً من 365 يوماً، ومن هنا طوّرت الحضارة المصرية مفهوم السنة الكبيسة في محاولة للتخلّص من الفرق الزمني بين التقويم الخاص بها والسنة الفلكية، لذا يُمكن القول بأنّ مفهوم السنة الكبيسة قد جاء على أيدي المصريين القدماء.
في جزء آخر من العالم، كانت الحضارة الرومانية لا تزال تتبع التقويم القمري، وقد كانت تعتمد على إضافة أيام أو أشهر بشكل دائم وبطريقة عشوائية للحفاظ على التوافق الزمني بين الفصول الأربعة والتقويم الخاص بهم، ولكن عندما تولّى يوليوس قيصر مقاليد الحكم الروماني، كانت الفجوة الزمنية بين الفصول والتقويم تبلغ ثلاثة أشهر، ممّا دفع الرومان إلى التفكير في حل لهذه المشكلة الزمنية، الأمر الذي أدّى في نهاية المطاف إلى اعتماد يوليوس قيصر التقويم المصري بما في ذلك السنة الكبيسة.
قرّر يوليوس قيصر أن تكون مدّة السنة الأولى بعد تصحيح مسار التقويم الروماني 445 يوماً للتخلّص من الانحراف الزمني، وقد سُمّيت هذه السنة سنة الالتباس (بالإنجليزية: The Year of Confusion) والتي وقعت سنة 46 قبل الميلاد، وبعد انتهائها بدأ اتباع التقويم الجديد متضمناً السنة الكبيسة؛ لضمان الحصول على 365.25 يوماً في السنة الواحدة، وقد كان الرومان هم أول من اعتمد يوم 29 شباط ليكون اليوم الإضافي في السنة الرابعة.
التقويم الميلادي أو الغريغوري
تمّ العمل بمبدأ السنة الكبيسة لأول مرّة على يد يوليوس قيصر منذ أكثر من 2000 عام، وبحسب التقويم اليولياني فإنّ هناك قاعدة واحدة فقط لاعتماد السنة الكبيسة، وهي أنّ السنة التي تقبل القسمة بالتساوي على العدد 4 هي سنة كبيسة، والحقيقة أنّ هذه الطريقة أنتجت عدداً كبيراً من السنوات الكبيسة، ففي حين أنّ متوسط طول السنة بحسب التقويم اليولياني تساوي 365.25 يوماً، إلّا أنّ السنة الشمسية -وهي دورة الأرض مرّةً واحدةً حول الشمس- كانت تتألّف من 365.242216 يوماً، الأمر الذي يعني بأنّ السنة الميلادية أطول من السنة الشمسية بمقدار 0.0078 يوم أيّ 11دقيقةً و14 ثانيةً.
ظهر الأثر التراكمي للفجوة الزمنية الحاصلة بين التقويم اليولياني والسنة الشمسية في القرن السادس عشر عندما وقع الاعتدال الربيعي في 11 من شهر آذار بدلاً من 21 من الشهر نفسه، لذا قرّر غريغوريوس الثالث عشر عام 1582م تقديم التاريخ بمقدار 11 يوماً، ومن هنا أُضيفت قاعدة جديدة لحساب السنة الكبيسة والتي تنص على أنّ السنة الأولى من كلّ عقد والتي تقبل القسمة على 400 هي سنة كبيسة، وقد كانت هذه القاعدة هي ما يُميّز التقويم الغريغوري عن التقويم اليولياني، وبحسب التقويم الغريغوري فإنّ متوسط طول السنة الواحدة يبلغ 365.2425 يوماً، وهو تقريباً الأقرب لطول السنة الشمسية، وبهذا المعدل فإنّ الأمر سيستغرق 3000 سنة حتّى يحدث انحراف زمني في التقويم الغريغوري بمقدار يوم واحد.
حساب السنة الكبيسة
يوجد معياران أساسيّان يجب أخذهما بعين الاعتبار لتحديد السنة الكبيسة حسب التقويم الغريغوري، وهما كالآتي:
- أن يكون الرقم الذي يُمثّل قيمة السنة قابلاً للقسمة على 4.
- إذا كان الرقم الذي يُمثّل قيمة السنة قابلاً للقسمة على 100 فإنّ هذه السنة لا تُعدّ كبيسة، ويُستثنى من ذلك الأرقام التي تقبل القسمة على 400.
- على سبيل المثال فإنّ السنوات 2000، 2400 تُعدّ سنوات كبيسة، في حين أنّ السنوات 1800، 1900، 2100، 2200، 2300، 2500 لا تُعدّ سنوات كبيسة، وبناءً على القواعد المُتبعة، فإنّ السنوات الآتية تُعدّ سنوات كبيسة: 2020، 2024، 2028، 2032، 2036، وهكذا.
مشكلة السنة الكبيسة
وُجدت السنة الكبيسة كحل لمشكلة التوافق الزمني بين التقويم والدورة الفلكية للأرض حول الشمس، ومع ذلك لا تُعدّ السنة الكبيسة حلاً مثالياً؛ لأنّ المبدأ الذي تقوم عليه السنة الكبيسة بإضافة 24 ساعةً مرّةً كلّ أربع سنوات يعني أن تتجاوز السنة التقويمية السنة الشمسية بمقدار 11 دقيقة و14 ثانية كل عام، ولتفسير الأمر بشكل أدق، فإنّ السنة الشمسية أطول من السنة التقويمية بمقدار 5 ساعات و48 دقيقةً و46 ثانيةً، وعند إضافة 24 ساعةً كلّ أربع سنوات، فإنّ السنة التقويمية ستتجاوز السنة الشمسية بمقدار 11 دقيقةً و14 ثانيةً، وسينتج عن تراكم هذه المدد الزمنية بعد 128 عاماً سنة تقويمية بيوم إضافي جديد.
جاء التقويم الغريغوري بمعيار جديد لاعتماد السنة الكبيسة لحل المشكلة السابقة، إذ ينص هذا المعيار على إلغاء سنة كبيسة واحدة كلّ 400 سنة، الأمر الذي يُساعد على التخلّص من المدّة الزمنية -11 دقيقةً و14 ثانيةً-، وقد يبدو هذا التقليص الزمني الأخير حلاً مثالياً للفارق الزمني الذي قد ينتج بين السنة الشمسية والتقويمية، إلّا أنّ هذه الخطوة سينتج عنها فارق زمني بمقدار نصف دقيقة لصالح السنة التقويمية، أيّ أنّ السنة الشمسية ستتأخّر عن السنة التقويمية بمقدار يوم كامل بعد 3300 سنة، وقد لا يُسبب هذا الأمر حالياً أيّة مشاكل محتملة، ليظل الأمر على عاتق الأجيال القادمة لاكتشاف الحل الأفضل للفارق الزمني الذي سينتج في المستقبل.
القرن والسنة الكبيسة
لا تُعد السنوات الأولى من كلّ قرن سنوات كبيسة؛ وذلك لأنّ وجود سنة كبيسة يعني إضافة يوم واحد على التقويم الشمسي كلّ أربع سنين، ممّا يعني عدداً كبيراً من الأيام كلّ 100 سنة، لذا كان الإجماع على إلغاء سنة كبيسة واحدة مرّة كلّ 100 عام، وتُعدّ هذه الاسترتيجية المتبعة خطوة نحو التصحيح في الاتجاه المعاكس، لأنّ عملية إلغاء يوم واحد كلّ قرن تعني إلغاء فترة زمنية قليلة جداً من طول السنة الواحدة، حيث إنّ تراكم هذه الفترات الزمنية على مدى 400 عام يُسبّب يوماً إضافياً على التقويم الميلادي .
أعياد الميلاد في السنة الكبيسة
يوجد فرصة لولادة شخص واحد من بين 1500 شخص في اليوم الموافق لتاريخ 29 من شهر شباط، وفي العالم أجمع هناك 4 ملايين حالة ولادة مسجلة في ذلك اليوم، منها 187,000 حالة ولادة مُسجّلة في الولايات المتحدة فقط، ويُطلق على الأطفال الذي يولدون في هذا اليوم ألقاباً مميزةً تختلف من دولة إلى أخرى للدلالة على ولادتهم في هذا اليوم، ويواجه مواليد 29 شباط مشكلةً في الاحتفال في يوم ميلادهم سنوياً، فذكرى أعياد ميلادهم تحدث مرّةً واحدةً كلّ أربع سنوات، لذا فإنّهم عادةً ما يختارون 28 من شباط أو 1 من آذار للاحتفال بأعياد ميلادهم، وينتظرون قدوم ذكرى ميلادهم مرّةً كلّ 4 سنوات كيوم مميز.
تقويمات بديلة
لا يتبع العالم أجمع التقويم الشمسي الذي يتبنّى فكرة السنة الكبيسة، ففي بعض مناطق العالم يتبع الناس تقاويم زمنيةً خاصةً بهم، فمثلاً يتبع العالم الإسلامي تقويماً خاصاً يُعرف بالتقويم الإسلامي والذي يتألّف من 354 يوماً موزّعةً على 12 شهراً قمرياً، أيّ أنّ السنة تبعاً للتقويم الإسلامي أقصر ب 11 يوماً من التقويم الشمسي؛ لذا يعمد التقويم الإسلامي أحياناً إلى إضافة يوم إلى عدد أيام السنة الواحدة، أمّا في الصين فإنّ الدولة تعتمد النظام الغريغوري في المعاملات الرسمية، أمّا في الحياة اليومية فيُعتبر النظام القمري-الشمسي هو النظام المتبع شعبياً، والذي يقوم على تتبّع مراحل القمر ويعتمد على إضافة شهر إلى التقويم مرّةً كلّ ثلاث سنوات.