هدي النبي عليه الصلاة والسلام في تربية الأطفال
مفهوم التربية على نهج النبوة
جعل الله الإنسان عبداً له وسيداً للكون، وهو خليفة الله في الأرض، فهو مستخلف من الله فيها للعبادة، ومقتضى العبادة أن يسهم الإنسان بإيجابية وفاعلية في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله الذي يرتضيه، ولكي يقوم الإنسان بواجبات الخلافة على نحو رباني وإيجابي وواقعي، فلا بد من تربيته تربية إيمانية.
وتعني التربية في اللغة تنميةُ الشيء، ومن تعاريف التربية في المفهوم الإسلامي هي "أنها تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والقيم التي أتى بها الإسلام، والتي ترسم عددًا من الإجراءات والطرائق العملية يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكًا يتفق مع عقيدة الإسلام".
تعامل النبي مع أحفاده وأطفال المسلمين
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم المربين، فقد قال الله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)، ومن سيرته -صلى الله عليه وسلم- تتجلى أعظم صور التربية وأعظم صور الرحمة بالأطفال، وكان النبي عليه يعامل جميع الأطفال برفق ولطف وسيأتي ذكر بعضٍ من مظاهر الهدي النبوي في تربية الأطفال والتعامل معهم، روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (ما رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمَ بالعِيَالِ مِن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ).
تبريك الأطفال وتحنيكهم والدعاء لهم
من الأمور التي كان يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال المولودون حديثاً؛ تحنيك الأطفال والدعاء لهم بالبركة، وهذا ما فعله النبي مع أول مولود في الإسلام، فعن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-: (أنَّهَا حَمَلَتْ بعَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وأَنَا مُتِمٌّ، فأتَيْتُ المَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بقُبَاءٍ، ثُمَّ أتَيْتُ به النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ في فِيهِ، فَكانَ أوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا له، وبَرَّكَ عليه، وكانَ أوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ في الإسْلَامِ).
ومعنى التحنيك هو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمضغ التمر في فمه حتى يصبح التمر ليناً ثم يخرجه من فمه ويضعه في فم الأطفال، ومن ثم يدعو لهم بالبركة، حتى أصبح الصحابة اذا أنجبت زوجاتهم يأتون بأطفالهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليحنكهم ويدعو لهم، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كانَ يُؤْتَى بالصِّبْيَانِ فيُبَرِّكُ عليهم وَيُحَنِّكُهُمْ).
السلام على الأطفال
كان من عادة النبي -صلى الله عليه وسلم-أن يسلم على الكبار والصغار، روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (كان يزورُ الأنصارَ ويُسَلِّمُ على صبيانِهم، ويمسحُ رؤوسَهم)، وسلام النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأطفال فيه رفع لقيمتهم.
مسح النبي رؤوس الأطفال
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على رؤوس الأطفال ويداعبهم، روي عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنه قال: (صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إلى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ معهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا، أَوْ رِيحًا كَأنَّما أَخْرَجَهَا مِن جُؤْنَةِ عَطَّارٍ).
وعن عبد الله بن هشام -رضي الله عنه-: (كانَ قدْ أدْرَكَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وذَهَبَتْ به أُمُّهُ زَيْنَبُ بنْتُ حُمَيْدٍ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هو صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ، ودَعَا له).
مداعبة النبي وملاطفته الأطفال
كان من عادة النبي كان يهتم بملاطفة الأطفال حتى أثناء صلاته، روي عن شداد بن اللهاد أنه قال: (خرَجَ علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إحدى صلاتَيِ العَشِيِّ، وهو حاملٌ حسَنًا أو حُسَينًا، فتقدَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوضَعَه، ثمَّ كبَّرَ للصلاةِ، فصلَّى، فسجَدَ بينَ ظَهْرانَيْ صلاتِه سَجْدةً أطالَها. قال أبي: فرفَعتُ رَأْسي، وإذا الصبيُّ على ظَهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو ساجدٌ، فرجَعتُ إلى سُجودي، فلمَّا قضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدتَ بينَ ظَهْرانَيْ صلاتِكَ سَجْدةً أطَلتَها، حتى ظنَنَّا أنَّه قد حدَثَ أمرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ؟! قال: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ؛ ولكنَّ ابني ارتَحَلني، فكرِهتُ أنْ أُعجِّلَه حتى يَقْضيَ حاجتَه).
وعن الحارث بن ربعي أنه قال: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بنْتَ زَيْنَبَ بنْتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولِأَبِي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وضَعَهَا، وإذَا قَامَ حَمَلَهَا).
حتى أن النبي جعل العطف على الأطفال وتقبيلهم من خصال الرحمة، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ؟ فَقالوا: نَعَمْ، فَقالوا: لَكِنَّا وَاللَّهِ ما نُقَبِّلُ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: وَأَمْلِكُ إنْ كانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَة).
أساليب اتبعها النبي في تربية الأطفال
لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعنف الأطفال أو يخبرهم بأمور لا يستطيعون فهمها، بل كان -صلى الله عليه وسلم- يفهم الأطفال ويعلم حاجاتهم، إن التربية الحقيقية هي التي تحاول أن تجعل من العلم سلوكاً حقيقيّاً، ومن الأفكار مواقف، والرسول -صلّى الله عليه وسلّم- يصور هذا فيما يروى عنه.
استخدام النبي أسلوب التكنية للطفل الصغير
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكني الأطفال من صغرهم، وفي هذا المعنى إشعار للطفلِ بأنه ذا قيمة، روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه (كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له: أبو عُمَيْرٍ -قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ)، أبا عمير هو ليس اسم الطفل، انما هي كنية أطلقها النبي على الطفل، والنغير هو عصفور له، ومن عادة النبي انه كان يلاطف الأطفال ويداعبهم ويكنيهم بالألقاب التي يحبيونها ومن فوائد التكنية للأطفال، أنها توقرالطفل وترفع من شأنه.
نزول النبي للمستوى العقلي للطفل
كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يشعر بالأطفال ولا يتجاهل أحاسيسهم، روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَدخُلُ على أُمِّ سُلَيمٍ ولها ابنٌ مِن أبي طَلْحةَ يُكْنى أبا عُمَيرٍ، وكان يُمازِحُه، فدَخَلَ عليه فرآه حَزينًا، فقال: ما لي أرَى أبا عُمَيرٍ حَزينًا؟ فقالوا: مات نُغَرُه الذي كان يَلعَبُ به، قال: فجَعَلَ يقول: أبا عُمَيرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيرُ؟).
ومن هذا الحديث نعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالرغم من مكانته بين الخلائق، فقد تواضع مع الطفل الصغير، وسأله عن عصفوره وواساه به، وسأل عن حاله، وتعامله بشكل عام مع الأطفال إذا كان يداعبهم ويمزح معهم ويدخل السرور إلى قلوبهم، ومعلوم لدى التربويين أن الاهتمام والسؤال عن الصغار، ومعرفة أخبارهم، يولد عندهم الاعتداد بالنفس، ويساعد ذلك في تكوين شخصيتهم، وبلورتها وصقلها، وكذلك يدخل السرور والحب في نفس الطفل وأهله، ويعتبر ذلك سلوكاً تربوياً ودعوياً.
استخدام الجمل سهلة الاستيعاب
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أرحم المعليمن، وكان يخاطب الأطفال باللغة التي يفهمونها، وكان إذا حدث الناس بأمرٍ يعيده عيلهم حتى يعقلوا قوله، وهذا ظاهر في تعليمه للأطفال، وفيما يأتي ذلك:
- قال ابن عباس -رضي الله عنه-: (كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، ومن هذا الحديث نرى رفقه ورحمته بالأطفال؛ إذ أجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس وهو غلام خلفه، وقدّم له نصائح بإسلوب سلس وجمل سهلة الاستيعاب.
- قال عمر بن أبي سلمة: (قال لي رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: سَمِّ اللهَ، وكُلْ بيَمينِكَ، وكُلْ ممَّا يَليكَ).
خلاصة المقال: عرض المقال مواقف من تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال، سواء من أحفاده أو أطفال المسلمين عموماً.