ما هي الدعوة السرية
مفهوم الدعوة السريّة وبدايتها
لقد كان بدء نزول الوحي ونزول آيات من سورة العلق نقطة مهمة في تحوّل تاريخ البشرية؛ لانتقالها من الظلام إلى النور، ومن الاعوجاج إلى الاستقامة، وهدايتها على طريق النجاة، فمجيء الإسلام كان مغايراً لما كان قبله، فهو دين شامل كامل، موافق للطبيعة البشرية، وملائم لواقع الحياة، فكان الميلاد الجديد للإنسانية جمعاء، بطريقة لم يشهدها الزمان قبل ذلك.
ومن هنا أيقن النبي -صلى الله عليه وسلم- بتكليفه بالرسالة، وبما أكّد له ورقة بن نوفل، فازداد يقيناً، وبعدها نزلت عليه آيات من سورة المدثر تدعوه للدعوة والبدء بها، فكانت أولها الأمر بتوحيد الله -سبحانه-، وكان ذلك الفاصل الكبير بين حياة الناس وحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعدها، فهذا التكليف الرباني لم يكن أمراً سهلاً، بل كان مليئاً بالصعوبات والمشقات.
وقد كانت الدعوة في تلك الفترة بالسّرّ والاستخفاء عن أعين المشركين، والاقتصار على دعوة الأقربين لمدة ثلاث سنوات، وهذا ما نعنيه بالدعوة السرية للإسلام، حتى جاء الأمر بإعلانها ونشرها، ودعوة جميع الناس إلى توحيد الله -تعالى-.
مرحلة الجهاد بالدعوة إلى الله سراً
كان حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على الدعوة في هذه المرحلة أن يكون بحذر شديد؛ تجنباً لمفاجئة قريش، وردة فعلها، وتعصبها لدين الآباء من وثنية وشرك، فالإسلام لم يكن منتشراً بعد، ولم يكن أمر الدعوة لعموم الناس.
وإنما خصّ النبي بذلك من كان ذا قرابة ومعرفة تامة، فآمن معه من السابقين والراغبين بالإسلام عدد من الصحابة الكرام، وقد كان الواحد منهم إذا أراد القيام بعبادة معينة، يذهب إلى الشعب؛ ليخفي أمره، ويبعد أنظار القوم عنه.
وبعد أن كثر أعداد المسلمين، قرّر النبي -صلى الله عليه وسلم- اتّخاذ دار الأرقم للتجمع والدعوة والتوجيه ؛ فهي مكان يقصده أبناء مكة دائماً، والاجتماع فيها لا يثير الشكوك نحوهم.
كما أن إسلام الأرقم وهو صغير جعل الأمر مستبعد بأن يجرؤ هذا الشاب على جعل بيته مكاناً للتجمع؛ لأن من عادة العرب الاجتماع في بيوت كبراء القوم، وكونه من بني مخزوم أيضاً استُبعد أن تكون نشأة الدعوة بنبي من بني هاشم في ديار بني مخزوم.
أسباب اللجوء للدعوة السرية
كانت أسباب اللجوء إلى الدعوة بالاستخفاء، والتكتم، والاقتصار على المقرّبين، كله لحكمة أرادها الله -سبحانه-، نلخّصها بما يأتي:
- التمهل إلى حين تكوين مجتمع قوي، متماسك، يقوى على مواجهة الظلم ويصبر على الأذى.
- ضرورة المسالمة؛ لأن مجتمع قريش كان غارقاً بالكفر، والجهل، والضلال، فإن مواجهة مجتمع بهذه العقلية، يعرقل سير الدعوة، أو يهدّد وجودها أصلاً.
- إتاحة الفرصة لاستقبال المسلمين من خارج مكة؛ بسماعهم عن الإسلام في الأسواق والمحافل، فكانوا يتحسّسون أخبار القوم، حتى إذا وصلوا دار الأرقم أعلنوا إسلامهم.
أهداف الدعوة السريّة
لقد بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعداد الحشود منذ بداية الدعوة، وتتابُع نزول الوحي، كما أنه دعا إلى ضرورة توحيد الله -سبحانه- وتطهير النفوس من لوثات الكفر والجاهلية، والحرص على توحيد الصفوف والأهداف، وتغليب مصلحة الجماعة، وتكوين نواة الجيش المسلم.
دروس مستفادة من الدعوة السريّة
إن ما يستفاد من الدعوة السرية، عدد من المصالح العامة والجليلة في نفس الوقت، نذكر منها:
- تكوين الأنصار
فأي دعوة في بدايتها لا يكون لها أنصار، ومن طبع الناس معاداة كل جديد، فيكون هذا أمراً مهماً لنجاح هذه الدعوة.
- الأخذ بالأسباب
فالداعية يحافظ على نفسه وعلى مصلحة دعوته، وإن كان في البداية أن تكون المصلحة بالسريّة.
- نعمة الزوجة الصالحة
بالاستدلال بمواقف أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها-، وما قدمته للنبي من دعم مادي ومعنوي في سبيل نشر الدعوة.