ما هي الدعوة الجهرية
ما هي الدعوة الجهرية؟
بعد أن تشربت عُقول الصَّحابة الإسلام، وتمكّنِ من حياتهم ودخل في كافة تفاصيلاها، وبعد أن أدركوا أهميَّة الصِّلة بالله -تعالى-، وظُهر ذلك في أعمالهم خاطبهم الله -تعالى- بقوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)، ليجمع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعدها أربعين رجُلاً من قومه عبد المُطلب، وبدأ يُحدثهم عن الدَّعوة إلى الله -تعالى- ، وأشار إلى أنَّه واحدٌ منهم، وأنَّه جاءهم بخير الدُّنيا والآخرة.
لتبدأ بذلك الدَّعوة الجهريَّة في مكَّة في بداية السَّنة الرَّابعة للنبوَّة، وامتدَّت إلى أواخر السَّنة العاشرة للنبوَّة، وبدأت الدَّعوة الجهريَّة في قُريش، وأقرباء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ امتدَّت إلى خارج مكَّة؛ قال -تعالى- مُخاطباً النبيَّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ).
وقد كانت الدَّعوة الجهريَّة عبارة عن إبلاغ الدَّعوة والدِّين لجميع النَّاس؛ الأمر الذي سيلتزم الإعراض عن المُشركين وعدم قتالهم؛ وتجدر الإشارة إلى أن الدعوة كانت قبل ذلك سريَّةً وفي الخفاء لمدَّة ثلاث سنواتٍ إلى أن جاء الأمر من الله -تعالى- لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم بالجهر بها وإعلانها.
مرحلة الدعوة الجهرية
بدأت الدَّعوة الجهريَّة بانتهاء المرحلة السريَّة؛ وذلك عندما أمر الله -تعالى- نبيَّه محمد -عليه الصلاة والسلام- بدعوة عشيرته وأقربائه، وجاء عن البيضاويِّ أنَّ الدَّعوة السريَّة استمرَّت لمدَّة ثلاث سنواتٍ، ثُمَّ بدأ بعدها الجهر بالدَّعوة في مكَّة في بداية السَّنة الرَّابعة واستمرَّت إلى السَّنة العاشرة من البعثة.
أول من بدأ الرسول في الدعوة الجهرية
بدأ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالجهر بدعوته لأقربائه ، وعلَّل بعض العلماء ذلك بقولهم أنَّ قيام الحُجَّة عليهم تتعدَّى إلى غيرهم، لقوله -تعالى-: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، ثُمَّ انتقلت الدعوة إلى أهل مكَّة ومن حولها، وبعدها إنتقلت إلى جميع النَّاس، فكانت هذه المراحل من باب التدرُّج في التربية والإعداد للمراحل التي بعدها.
واتَّصفت هذه المرحلة بِمُصارحة المُشركين بالإسلام والتباحث معهم بشأن الدَّعوة، ومن أجل ذلك قام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بجمع أربعين رجُلاً من أقربائه على طعامٍ أعدَّه ابن عمِّه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعرض عليهم الإسلام.
وقد علَّل بعض العُلماء حكمة البدء بالدَّعوة الجهريَّة بأقرباء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ بوجود مشاعر المحبة التي تربط بين الدَّاعية وأقربائه، وأنَّ ذلك سبب في جعلهم الأسرع في الاستجابة إلى الدعوة من غيرهم، كما أنَّ دعوة الأقارب جزء من أداء المسؤوليَّة التي تكون مُلقاة على عاتق الدَّاعية تجاه أقربائه، وفي هذا دلالة على أنَّ دعوة المُقرَّبين هي المُقدَّمة في أيِّ زمانٍ.
ردة فعل قريش من الجهر بالدعوة
لمَّا بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجهر بالدعوة بدأ قومه بعداوته ومُخالفته، وسبِّه وشتمه، والتعرُّض له ومن معه بالتَّعذيب والإيذاء، وطلبوا من عمه أبو طالب أن يمنعه عن الإكمال في الدعوة، كما قامت قُريش بإظهار العداوة والتعذيب لمن أسلم مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودخل في الإسلام.
كما لجأ بعض المُشركين إلى مُقاطعة من أسلم من الناحية الماديَّة ، وذلك لما كان في الجهر بالدَّعوة من نقضٍ لعقائدهم الباطلة وتعطيلٍ لمصالحهم الدنيوية، ولما نزلت سورة المسد جاءت امرأة أبي لهب وجاهرت بعصيان النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، كما قام بعض المُشركين بإلقاء فرث الجزور -الإبل- ودمها على كتف الرسول-صلى الله عليه وسلم- وهو يُصلِّي، وقام عُقبة بن أبي مُعيط بالأخذ بمنكب النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام- ولوى ثوبه في عُنقه وخنقه، فما كان من الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أن ثبت وصبر على كل ذلك الأذى .