ما هي الخطبة
الخِطبة لغةً واصطلاحًا
الخِطبة لغةً: من الخطاب وهو الكلام، أو الحديث، أو التلّفظ، وقد تكون من الخَطُب وهو الأمر ذا الشأن والأهمية، أمّا اصطلاحاً: فهي أن يعمد الرجل لطلب الزواج من امرأة ما، أو هي إظهار الرجل لرغبته في الزواج من امرأة ما، وإعلام وليّ أمرها بذلك، وقد ورد لفظ الخِطبة في القرآن الكريم في قول الله -تعالى-: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ).
الخِطبة هي أن يطلب الرجل الإرتباط والزواج من امرأة ما وإعلام وليّ أمرها برغبته بذلك، وقد ذُكر لفظ الخِطبة في القرآن الكريم.
الحكمة من تشريع الخِطبة
يترتب على الزواج العديد من الأمور، وله أهمية بالغة على مستوى الفرد والمجتمع، لذا كان لا بدّ من التمهيد له والتّأني فيه، ولهذا شرع الإسلام الخِطبة كمرحلة تمهيدية للزواج يتمكّن خلالها كلا الطرفين من فهم الآخر، والإحاطة بصفاته وأخلاقه، والاطلاع على ظروفه المادية.
لذا فإن الخطبة تمنع صدمة كُلّ من الزوجين بالآخر أو التّفاجؤ به بعد الزواج،كما أن من شأنها أن تجعل الحياة الزوجية لاحقاً مُستمرّة بين الزوجين بسهولة ويُسر.
ودليل ذلك ما رواه شعبة بن المغيرة -رضي الله عنه- قال: (أتَيتُ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فذَكرتُ لَهُ امرأةً أخطبُها فقالَ اذْهب فانظر إليْها فإنَّهُ أجدرُ أن يؤدمَ بينَكُما)، ومعنى يؤدم بينكما؛ أي أن نظر الخاطبين إلى بعضهما البعض قبل الزواج من الأمور التي تؤدي إلى حصول الألفة والمحبة بينهما.
تُعدّ الخِطبة خطوة ومرحلة مُهمَّة قبل إقدام كُلّ من الرجل والمرأة على الزواج من الطرف الآخر، لِما لها من أهميّة في التّعرف والاطلاع على طبيعة الشخص المُراد الزواج به؛ من صفات وأخلاق ونحو ذلك.
أنواع الخِطبة
للخِطبة نوعين:
- أولاهما: الخِطبة بالتّصريح؛ وذلك بأن يعمد الرجل إلى الإفصاح صراحة عن رغبته بالزواج من امرأة ما، بفلظ صريح لا يحتمل أمراً آخر غير الزواج؛ كقول الخاطب: أريد الزواج من فلانة.
- ثانيهما: الخِطبة بالتّعريض؛ وذلك بأن يعمد الرجل إلى إبداء رغبته بالزواج من امرأة ما، من خلال فهم ذلك ضمناً من كلامه، أو بالتّعريض والقرائن التي تُشير إلى ذلك، كقول الخاطب: إنّ فلانة جديرة بالزواج، أو أنا أبحث عن فتاة مثل فلانة.
يستطيع الخاطب إبداء رغبته بالزواج من امرأة ما من خلال جعل كلامه صريحاً بذلك، أو بالتّعريض الذي يُفهم منه رغبته بالزواج.
شروط الخِطبة
يُشترط لإباحة الخِطبة أمران:
- أوّلهما: أن لا تكون المرأة المُراد خطبتها مخطوبة لرجل آخر؛ وذلك لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ولا يَخْطُبَ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يَأْذَنَ له الخاطِبُ).
- ثانيهما: أن تكون المرأة المُراد خطبتها خالية من الموانع الشرعية التي تحرم نكاحها، والموانع الشرعية كما يأتي:
- أن تكون المراة من محارم الرجل حُرمة مؤبَّدة؛ وذلك كأخته، وعمَّته، وخالته ونحو ذلك.
- أن تكون المرأة من محارم الرجل حُرمة مؤقتة؛ وذلك كأخت الزوجة، وزوجة الغير، والمُعتدَّة.
يُشترط لصحة خِطبة الرجل أن لا تكون المرأة مخطوبة لرجل آخر، وأن تكون خالية من الموانع الشرعية التي تمنع من صِحة خطبته؛ كأن تكون المرأة ممّن يَحرم عليه الزواج بها حُرمة مؤبَّدة أو مؤقتة.
الدليل على جواز رؤية الخاطب للمخطوبة
يُستحبّ للخاطب النظر إلى المرأة التي يريد خِطبتها والزواج بها، وقد دلّ على ذلك العديد من الأحاديث النبويّة ومنها ما يأتي:
- ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأتَاهُ رَجُلٌ فأخْبَرَهُ أنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَنَظَرْتَ إلَيْهَا؟ قالَ: لَا، قالَ: فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا، فإنَّ في أَعْيُنِ الأنْصَارِ شيئًا).
- ما ثبت عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: (خُطِبَتِ امرأةٌ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَظَرْتَ إليها؟ قلتُ: لا. قال: فانظرْ إليها؛ فإنه أَجْدَرُ أن يُؤْدَمَ بينكما).
- ما ثبت عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إذا خطب أحدُكم المرأةَ فإن استطاعَ أن يَنظرَ منها إلى ما يَدعوهُ إلى نِكاحِها فليفعلْ. قال: فخطبتُ جاريةً من بنِي سَلمةَ فكُنتُ أتَخَبَّأُ لها حتى رأيتُ منها بعضَ ما دعاني إلى نكاحِها).
أمّا مَوضع النظر وإلى ما ينظر الخاطب من المرأة التي يريد الزواج بها؛ فقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّ النظر يكون إلى وجهها وكفّيها؛ وذلك لأنّ الوجه يدلُّ على جمال المرأة أو ضِِّده، ولأنّ الكفين يدلان على خُصوبة البدن وامتلاءه أو ضِدِّه، ومن العلماء من أجاز النظر إلى قدميها مع وجهها وكفّيها كأبي حنيفة.
يُستحبُّ للرجل أن ينظر إلى المرأة التي يرغب بالزواج بها، وقد دلّ على ذلك العديد من أحاديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- التي أُشير إلى بعض منها، كما وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنّ موضع النظر من المرأة المُراد خِطبتها يقتصر على وجهها وكفّيها.
حكم الخِطبة على الخِطبة
ذهب جمهور العلماء إلى حُرّمة خطبة الرجل على خطبة أخيه المسلم، وذلك في حال تمَّ التصريح للخاطب الأول بالإجابة والموافقة على خطبته، ولم يعمد الخاطب الأول إلى ترك الخِطبة صراحة أو حكماً؛ كأن يغيب عن المخطوبة فترة طويلة يُعرف من خلالها إعراضه عنها، ولم يكن قد أذن لغيره بها وقد دلّ على ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ولا يَخْطُبَ الرَّجُلُ علَى خِطْبَةِ أخِيهِ، حتَّى يَتْرُكَ الخاطِبُ قَبْلَهُ أوْ يَأْذَنَ له الخاطِبُ)،
أمّا حكم الزواج الحاصل من الخِطبة على الخِطبة فقد تعدَّدت آراء العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال بيانها كما يأتي:
- الجمهور: ذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى صِحّة عقد الزواج، إلّا أنّ العاقد المتزوج يَلحقه الإثم؛ لمخالفته نَهي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
- المالكية: قالوا ببطلان عقد الزواج ما لم يَبنِ بها، فإن بنى بها صحَّ العقد.
- الظاهرية: قالوا ببطلان عقد الزواج وفساده، فإن تزوّجها يُفسخ العقد، ويتمّ التفريق بينهما وعلى المتزوِّج مهر المثل.
يَحرم على الرجل الخطبة على خطبة أخيه المسلم، إلّا إذا عمد الخاطب الأول إلى ترك المخطوبة صراحة أو حكماً، أو أذن لغيره بها، وقد ذهب جمهور العلماء إلى صحة عقد الزواج الحاصل من الخطبة على الخطبة مع إثم العاقد المتزوج.