ما هي أركان الحج
ما هي أركان الحج
إنّ للحجّ أركاناً لا يصحّ إلّا بالإتيان بها، وقد بيَّنَ علماء المذاهب الفقهيّة الأربعة أركان الحَجّ وواجباته وعددها، وتجدر الإشارة إلى أنّ تَرك الحاجّ لأيّ رُكنٍ من أركان الحَجّ يُبطِل حَجَّه، وتفصيل ما ذهب إليه كلّ مذهبٍ فيما يأتي:
أركان الحَجّ عند الحنفيّة
قالوا إنّ للحجّ رُكنَين، وهما كما يأتي:
- الوقوف بعرفة.
- معظم طواف الزيارة؛ إذ إنّ الطواف سبعة أشواطٍ، فإن أتمّ الحاجّ أربعة أشواط منها فقد جاء بالرُّكن، وتلزمه الفِدية لجَبْر الباقي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الوقوف بعرفة يُعَدّ رُكن الحَجّ الأعظم، لا سيّما أنّ الله -تعالى- أتمّ نعمته على أمّة الإسلام فيه، فقد نزل فيه قَوْله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر التاسع من ذي الحِجّة إلى طلوع فجر يوم النحر ، ويصحّ الوقوف بعرفة سواءً في الليل أو النهار.
وقدّر أهل العلم فترة الوقوف المُجزِئ من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحِجّة حتى غروبها، كيفما كان الوقوف، ويُستحَبّ الاغتسال، والاجتهاد بالدعاء، وغيره من العبادات، أمّا موقع الوقوف فيشمل كلّ عرفاتٍ؛ لقَوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عرَفَةُ كُلُّها مَوقِفٌ، وارتَفِعُوا عن بطْنِ عُرَنَةَ).
وممّا يدلّ على أنّ الوقوف بعرفة رُكنٌ قَوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الحجُّ عرفةُ، من جاءَ ليلةَ جمعِ قبلَ طلوعِ الفجرِ فقد أدركَ الحجَّ)، والمقصود بليلة الجَمْع؛ ليلة مزدلفة؛ فالوقوف ولو للحظةٍ واحدةٍ في عرفة خلال الوقت المُحدَّد يُحقّق رُكن الوقوف، أمّا الطواف فقد دلّ على أنّه رُكنٌ قَوْلُ الله -تعالى-: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
أركان الحَجّ عند المالكيّة
إنّ أركان الحج عند المالكية كما يأتي:
- الإحرام.
- الوقوف بعرفة.
- طواف الإفاضة.
- السَّعي بين الصفا والمروة.
وبيَّنوا أنّ الحجّ لا يصحّ ويفوت بعدم أداء رُكنَين، وهما: الإحرام، والوقوف بعرفة، أمّا طواف الإفاضة، والسَّعي بين الصفا والمروة، فلا يَبطلُ الحجّ بفواتهما، ويجوز أداؤهما ولو بعد عامٍ.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الإحرام يُراد به: نيّة الدخول في النُّسك، والالتزام بحُرمات مخصوصةٍ لا يجوز الإتيان بها، ويتمّ الدخول في الإحرام بالنيّة، والتجرُّد من المخيط عند الإحرام، مع ترتُّب الفِدية بسبب تَرْك التلبية، وتكون التلبية بقَوْل: "لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والمُلْك، لا شريك لك".
وأمّا السَّعي بين الصفا والمروة فيُعرَّف اصطلاحاً بأنّه: قَطْع المسافة الواقعة بين الصفا والمروة سبع مرّاتٍ، وهو من نُسك الحَجّ والعُمرة، وقد ورد ذِكر السَّعي في قَوْل الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
أركان الحجّ عند الشافعيّة
قالوا إنّ أركان الحجّ خمسةٌ، وهي كما يأتي:
- الإحرام.
- الوقوف بعرفة.
- طواف الإفاضة.
- السَّعي بين الصفا والمروة.
- الحَلْق.
والإحرام عند الشافعيّة يكون بعَقْد النيّة على الحَجّ، ولا تُشترَط التلبية فيها، ولا ينعقد الإحرام بالتلبية وحدها دون نيّةٍ، كما لا يُشترَط قَرْن التلبية مع النيّة؛ باعتبارها ذِكْراً من الأذكار، والحَلْق يكون بأخذ جميع شَعْر الرأس، والرُّبع منه يكفي إلّا أنّه يُكرَه، ويُجزئ التقصير منه بقَصّ جزءٍ من جميع أطراف الشَّعْر، وقد استدلّوا على ذلك بِقَوْل الله -تعالى-: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ).
وقد أجمع العلماء على عدم جواز الجَمْع بين الحَلْق والتقصير، وقالوا بأنّ الحَلْق أفضل؛ لِما ثبت في صحيح الإمام مسلم عن أمّ الحُصين الأحمسيّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (سَمِعَتِ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً)،
أركان الحَجّ عند الحنابلة
قالوا إنّ الحاجّ لا يكون مُتمتِّعاً إلّا إن أدّى العُمرة والحجّ في عامٍ واحدٍ ، و قالوا إنّ للحجّ أربعة أركانٍ، وهي كما يأتي:
- الإحرام
إذ لا يصحّ العمل من غير نيّةٍ؛ لِما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى)، والنيّة في الحَجّ تكون بالإحرام.
- الوقوف بعرفة
إذ يصحّ الحجّ من غير الوقوف بعرفة؛ لِما ورد عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي -رضي الله عنه- أنّه قال: (شَهِدْتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعَرفةَ وأتاهُ ناسٌ من نَجدٍ، فأمَروا رجلًا، فسألَهُ عنِ الحجِّ، فقالَ: الحجُّ عرفةُ).
- طواف الإفاضة
وإن تركه الحاجّ وأتى بغيره من الأركان، وخرج من مكّة مسافةً يجوز فيها قَصْر الصلاة، جاز له الرجوع إلى مكّة مُعتمِراً، فيُؤدّي أعمال العمرة، ثمّ طواف الإفاضة، وتَجب عليه الفِدية.
- السَّعي بين الصفا والمروة
إذ لا يصحّ الحَجّ إلّا بالسَّعي؛ لِما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من أنّه قال: (إنَّ اللهَ كتب عليكم السعيَ فاسْعوا)، بالإضافة إلى ما ثبت في صحيح مسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت عن الصفا والمروة: (قدْ سَنَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ الطَّوَافَ بيْنَهُمَا، فليسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بهِمَا).
الحِكمة من مشروعيّة الحجّ
شرع الله -سبحانه- الحجّ لحِكم عظيمة، ومقاصد سامية، ولعلّ أهم هذه الحِكم ما يأتي:
- إظهار الخضوع والتواضع لله -تعالى-، والابتعاد عن مظاهر التَّرَف، والتزيُّن، وتطهير النفس من الغرور.
- إظهار تذلُّل العبد لله -تعالى-؛ فبأداء الحاجّ لشعائر الحَجّ؛ من سعيٍ، وطوافٍ، ومرورٍ في مزدلفة ومنى، ووقوفٍ بعرفة؛ يدلّل العبد على خضوعه واستجابته لأمر الله -تعالى-.
- تعليم النفس وتدريبها، وتعويدها على التخلُّق بخُلق الصبر؛ للوصول إلى أعلى مراتب الإيمان بالله -تعالى-.
- شكر نعم الله الكثيرة على العباد، ولا سيّما الصحّة، والمال، وهما من أعظم النِّعم التي أنعم بهما الله -تعالى- على عباده.
- تحقيق اجتماع المسلمين على كلمةٍ واحدةٍ؛ فبالحجّ يجتمع المسلمون شكلاً ومضموناً على الإسلام، وطاعة الله -تعالى-، ولعلّ الله -تعالى- شرع الحَجّ مُتمِّماً شعائرَ الإسلام التي يجتمع فيها المسلمون، كصلوات الجماعة، والعيد، والجُمعة، وغير ذلك من الشعائر.
- إظهار قوة أمّة الإسلام، حيث يجتمع المسلمون في مشهد مهيب من كلّ أقطار العالم على اختلاف أعراقهم، وأجناسهم، وألوانهم، وباجتماعهم تتحقّق كثير من الغايات الدينيّة والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.
- تحقيق معاني المساواة بين الناس جميعهم في أعظم صورها؛ فلا فرق في الحَجّ بين غنيٍّ وفقيرٍ، أو بين أبيض وأسود؛ فالجميع سواسيةٌ، يجمعهم نداءٌ واحد، وهدفٍ واحدٍ، ولا فَضْل لأحدٍ فيهم على آخر إلا بالتّقوى.
- تحقيق معنى التقوى؛ فالحاجّ يمتثل أوامرَ الله -تعالى-.
- تحقيق معنى الإخلاص؛ فالحاجّ يُخلص طاعته لله -تعالى-، ويبتغي بها وجهه دون سواه.
- الاقتداء بالنبيّ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث دعا -عليه السلام- الناس لأداء الحَجّ، وأدّى مناسك الحَجّ وشعائره كلّها كما أمره الله -سبحانه وتعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
حُكم الحَجّ
تنبع أهمية أركان الحج ممّا يترتب على ترك شيء منها، فإنّه لا يصح ترك أي ركن منها ولا يقوم مقامها غيرها، و مَن ترك نية الإحرام بالحج؛ لم ينعقد نسكه أصلاً، ومن فاته الوقوف بعرفة؛ فقد فاته الحج، ومن ترك طواف الإفاضة أو السعي بين الصفا والمروة؛ لم يتم حجه حتى يطوف ويسعى،
واشترط علماء الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة الترتيبَ بين أركان الحجّ؛ لتحقيق كمال صحّتها، أمّا الشافعيّة فاعتبروا الترتيب رُكناً من أركان الحجّ، وترتيب الأركان عند جمهور العلماء يبدأ بالإحرام، ثمّ الوقوف بعرفة، ثمّ الطواف، ثمّ السَّعي، دون اشتراط تقديم الطواف على الحَلْق والتقصير.
والحجّ رُكنٌ من أركان الإسلام كما ثبت في صحيح الإمام البخاريّ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ).
والحَجّ فرضٌ على كلّ مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ قادرٍ مرّةً واحدةً في العُمر؛ استدلالاً بنصوص القرآن الكريم، والسنّة النبويّة، وإجماع العلماء؛ فالدليل من القرآن الكريم قَوْل الله -تعالى-: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).