ما هو يوم بعاث
الأوس والخزرج
يرجع نسب الأوس والخزرج إلى أمّهما قيلة، وأبيهما حارثة بن عقل، وقد ثبت ذلك بعّدة أدلّة؛ منها: أنّه عندما هاجر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة مع صاحبه أبي بكر رضي الله عنه؛ وقف أحد اليهود فنادى عند وصولهما المدينة قائلاً: (يا أبناء قيلة؛ هذا الذي تنتظرون)، وقد أطلق الله -تعالى- على الأوس والخزرج اسم الأنصار، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم وفي السّنة النبوية وفي كتب التاريخ الإسلاميّ، وممّا جاء في القرآن الكريم؛ قول الله تعالى: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ)؛ فالمقصودون في الآية الكريمة هم: السّابقون الأوّلون من المهاجرين وكذلك السّابقون الأوّلون من الأنصار، وإنّ للأنصار مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة عند رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وكان يُكثر من الدعاء لهم، فقد جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصارِ، ولو سلك الناسُ وادياً وسلكَتِ الأنصارُ وادياً أو شِعباً، لسلكتُ وادي الأنصارِ أو شعبَ الأنصارِ)، ويعود أصل قبيلتي الأوس والخزرج إلى اليمن؛ حيث إنّهم ذهبوا إلى المدينة المنوّرة بهد انهيار سدّ مأرب، وقد نصروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث آمن منهم عدد كبير قبل هجرة الرّسول إلى المدينة المنوّرة ، وعُرفوا بسخائهم، وشجاعتهم، وصلاحهم، وتقواهم .
يوم بُعاث
تُطلق كلمة بُعاث على موضعٍ يقع بالقرب من المدينة المنوّرة، وفيه كانت آخر الأحداث بين قبيلتي الأوس والخزرج أيّام الجاهليّة، وفي الحقيقة حدثت عدّة وقائع وحروب بين الأوس والخزرج وكان آخرها ما أُطلق عليه: يوم بُعاث، وكان زعيم الخزرج يوم بُعاث هو: عمر بن النّعمان بن صلاءة بن عمرو بن أميّة بن عامر بن بياضة، وساعد الخزرج يومها الأشجع من قبيلة غطفان وجهينة من قبيلة قضاعة، بينما كان زعيم الأوس يوم بُعاث حُضير الكتائب بن سمّاك بن عتيك بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الأشهل، وعاونهم مزينة من أحياء طلحة بن إياس، وتحالفوا أيضاً مع بني قريظة وبني النضير، وانتهت الواقعة بانهزام الخزرج وانتصار الأوس، وتم قتل زعيم الخزرج عمرو بن النّعمان، وقُتل كذلك زعيم الأوس حُضير الكتائب بن سمّاك، وابنه الصحابيّ الذي شهد غزوة بدر وبيعة العقبة أسيد بن حضير رضي الله عنه.
وقد كانت حياة الأوس والخزرج قائمة على العداوة والبغض والقتال بعكس ما كان عليه أهل مكّة المكرّمة من الهدوء والأمان والاستقرار، فكان ذلك سبباً في عدم اشتغالهم بالتجارة بشكلٍ كبير وبالزراعة أيضاً، وبقيت قبيلتا الأوس والخزرج على حالهما حتى هاجر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة وأمرهما بالكفّ عن الشحناء والقتال، وعُرفوا في الإسلام بالأنصار لمناصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يفتخرون بهذا الاسم حتى صار بمثابة النسب.
أسباب حرب بُعاث
إنّ السبب الحقيقيّ لحرب بُعاث بين الأوس والخزرج هو أنّ الظفر كان للخزرج في أكثر الحروب التي كانت قبل بُعاث، ممّا جعل قبيلة الأوس تُطالب بني قريظة بالتحالف معها، فعلمت قبيلة الخزرج بذلك فهدّدت بني قريظة بالحرب، فاستسلم بنو قريظة لمطلب قبيلة الخزرج، وحتى تأمنهم طلبت منهم رهائن، فأعطوهم أربعين رهينة، فقامت قبيلة الأوس بالتحالف مع بني عمرو بن عوف من الخزرج بعد اليأس من التحالف مع بني قريظة، فتقاتلت القبيلتان حتى كثر القتل في قبيلة الأوس، فعزمت قبيلة الأوس على أن تكون حليفة قبيلة الخزرج في المدينة المنوّرة ثمّ تتحالف القبيلتان مع قبيلة قريش في مكّة المكرّمة، فذهبت القبيلتان إلى مكّة المكرّمة مظهرتيَن أنّهما تريدان العمرة أو الحجّ لبيت الله الحرام، فذهبوا إلى مكّة المكرّمة وتحالفوا مع قبيلة قريش، ولكنّ أبا جهل لم يكن حاضراً للحلف فنقض الحلف بعد أن علم به وذلك بإشعاله الفتنة بين القبيلتين، فتكبّرت وتفاخرت قبيلة الخزرج على قبيلة الأوس بأشعارها، فبلغ ذلك بني قريظة وبني النضير ومن في المدينة من قبيلة الأوس، فتحالفت قبيلة الأوس مع بني قريظة وبني النضير على قبيلة الخزرج، وبهذه الأحداث كانت بداية حرب بُعاث.
حروب الأوس والخزرج
إنّ الحروب التي حدثت بين قبيلتي الأوس والخزرج كثيرة بالرغم من القرابة التي بينهما؛ منها: حرب بني وائل بن زيد الأوسيين وبني مازن بن النجار الخزرجيين، وحرب بني ظفر من الأوس وبني مالك من الخزرج، وحرب فارع، وحرب حاطب وغيرها من الحروب، وبيان بعضها فيما يأتي:
- حرب الرحابة: كانت هذه الحرب بين بني جحجبا من قبيلة الأوس وبني مازن بن النجار من الخزرج بسبب امرأة من بني سالم، وانتهت الحرب بانهزام بني جحجبا.
- حرب يوم السرارة: كانت هذه الحرب بسبب مقتل رجل من بني عمرو؛ فحدثت الحرب بين عمرو بن عوف من الأوس وبني الحارث من قبيلة الخزرج، وكان زعيم الأوس في هذه الحرب حضير بن سمّاك، بينما كان زعيم قبيلة الخزرج رأس المنافقين عبد الله بن أُبيّ سلول، وانتهت الحرب بانهزام قبيلة الأوس وانتصار قبيلة الخزرج.
- حرب سمير: وهي أوّل حرب وقعت بين قبيلتي الأوس والخزرج، وسببها أنّ رجلاً اسمه كعب بن العجلان من بني ثعلبة من سعد بن ذيبان حالف زعيم الخزرج مالك بن العجلان وأقام عنده، فقُتل كعب بن العجلان على يد رجل من قبيلة الأوس من بني عمرو، فثارت الحرب بين قبيلتي الأوس والخزرج بسبب قتل كعب بن العجلان وبسبب دفع دية القتل أيضاً.