ما هو مذهب ابن تيمية
مذهب الإمام ابن تيمية
يُعدُّ الإمامُ ابنُ تيمية من المُجتهدين المُطلقين، ولكنّه مُنتسبٌ لِمذهب الحنابلة، وأما تعريف المجتهد المطلق فهو: "الذي لا يتقيد بأيّ مذهبٍ من المذاهب ، وإنّما ينظر في الكِتاب، والسُّنة، واللُّغة، ويجتهدُ وينظر برأيه"، وفتاويه التي أفتى بها على خلاف مذهب الحنابلة؛ فهي دليلٌ على أنّه من المُجتهدين المُطلَقين، أو أنّهُ مُجتهدٌ مُقيّدٌ من الدّرجة الأولى، وذكر العُلماء أنّ أُصول الإمام ابن تيمية التي بنى عليها فقههُ حنبليّةٌ في مُجملها، ولكنّهُ لم يتعصّب للمذهب الحنلبيّ، بدليل أنّه لم يلتزم به في جميع فُروعه ومسائله.
كما أنّ فتاوي الإمام ابن تيميّة تُمثّلُ خلاصة فقهه واجتهاده الذي اتّفق في غالبه مع مذهب الحنابلة، ولكنّهُ كان يُخالفه أحياناً، وقد اعتمد في بعضِ آرائه على أقوال المذاهب الأُخرى، وخُصوصاً المذهب المالكيّ، إلا أنّهُ قد يُخالفُ في فتواه واجتهاده الأئمّة الأربعة، فيعتمد حينها على أقوال الصّحابة أو التّابعين، وهذه المُخالفة لم تكُن أبداً عن هوىً عنده، بل كانت قائمةً لديه على الدّليل.
منهج ابن تيمية في الفتوى والاجتهاد
جمع الإمامُ ابن تيمية في فتواه واجتهاده بين مذهب الإمام أحمد وأُصوله العامّة؛ لأنّها أصحّ الأُصول من وجهةِ نظره، كما أنّه استفادَ من مذهب أهل المدينة، وعلى رأسهم مذهب الإمام مالك وأُصول مذهبه؛ كونها تتشابه مع أُصول مذهب الإمام أحمد، فقد قال عنه ابن تيمية: "إنّ من يعرف مذهب الإمام أحمد، وكان عالماً بالأدلّةِ الشّرعيّة، فقد عرف الشّرع والراجح منه؛ حيثُ كان الإمامُ أحمد برأيه أعلم من غيره بالكتاب، والسُّنة، وأقوال الصّحابة الكرام، وأقوال التّابعين"، فهو يُرجّح قول الإمام أحمد وكذلك الإمام مالك ؛ لأنّهما يعتمدان في مذهبهما واجتهادهما على قاعدة سدّ الذّرائع، وإبطال الحِيَل التي تؤدّي إلى هدم المقاصد الشّرعيّة.
كما أنّ الإمام أحمد والإمام مالك يَعتبران المقاصد في العُقود ولا يركّزان على الألفاظ، بالإضافة إلى إعمالهما للسّياسة الشّرعيّة عند تنفيذ الحُدود والزّجر عن الجرائم، واعتبارهما للعُرف في الشُّروط وألفاظ العُقود بشرطِ عدم تناقضها مع الشّرع. وقد كتب ابن تيمية -رحمه الله- ما يُقارب المئة صفحة في أُصول أهل المدينة وصحّتها؛ وذلك الاهتمام نابعٌ من أنّ المدينة كانت داراً للهجرة والسُّنة، وكان أهلها تبعاً للصّحابة والتّابعين، والذين اقتدوا بالنّبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-، وقد ذكر أيضاً بعض مسائلهم وما استدلّوا به من الحُجّة والدّليل عليها.
وتأثّر ابن تيميّة بالمذهب الحنبليّ، وانتسب إليه، وبلغ رُتبة المُجتهد المُطلق، وكان في بعض أحيانهِ يميلُ إلى المذهب الشّافعيّ. فهو لا يتقيّد بمذهبٍ ويفتي باجتهاده، وهذا النّظر والرّأي يكون بالتّأكيد بعد العلم بالكتاب والسُّنة، وأقوال الصّحابة، وقد كان ابن تيمية -رحمه الله- يجتهدُ في المسائل المُعاصرة له، ويُبيّن رأي الشّرع في النّوازل، مُستنداً إلى الأدلّة الشّرعيّة.
مسائل انفرد فيها ابن تيمية عن المذاهب الأربعة
ذُكِر سابقاً أنّ ابن تيمية كان مُجتهداً مُطلقاً؛ ولذلك ظهرت بعض المسائل التي خالف بها الفُقهاء، وقال بها في رأيه، حيث خالف إجماع العلماء أو الأقوال المشهورة في خمسة عشر قولاً، وذلك كما جاء عن صاحب كتاب "الكواكب الدُّريّة"، وهذه المسائل هي:
- قوله بوجوب الكفّارة فقط في الحلف بالطّلاق، وعدم وقوعهِ طلاقاً، وكوْن الطلاق لا يقع ثلاثاً بلفظٍ واحد ثلاث مرات في نفس المجلس، وإنّما يقع طلقةً واحدةً فقط.
- قولهُ بقصر الصّلاة دون النّظر إلى المسافة؛ سواءً كان السّفر طويلاً أو قصيراً، وهذا الرّأي موجودٌ عند بعض الصّحابة .
- قوله بعدم اشتراط الوضوء لسجدة التّلاوة.
- قوله بعدم الإفطار لمن أكل مُعتقداً بقاء اللّيل في رمضان، ثُمّ تبيّن له أنّه أكل في النّهار، ولا يقضي ذلك اليوم، كما ورد عن عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- وبعض التّابعين.
- القول بأنّ السّعي بين الصّفا والمروة للحاجّ المُتمتّع يكفي أن يكون سعياً واحداً، وذلك كالحاجّ القارن والحاجّ المفرد.
- القول بجواز بيع الأصل بالعصير، وذلك مثل بيع الزّيتون بالزّيت.
- القول بعدم نجاسة الموائع بمجرد وقوع النّجاسة فيها، إلا في حال تغيرها، سواءً كانت كمية هذا المائع قليلة أم كثيرةً.
- القول بأنّ الزّكاة لا تُعطى لمن يُعلَمُ أنّه لا يستعملها في طاعة الله -تعالى-، أو أنّه لا يستعينُ بها على ذلك؛ وذلك لأنّ المقصود من فرض الزّكاة هو إعانة الشّخص على طاعة الله، فمن كان فقيراً مُحتاجاً ولكنّه لا يلتزم بالصّلاة، فلا يُعطى حتى يلتزم بها ويُصلّيها في أوقاتها.
- القول بعدم اشتراط الطّهارة والوضوء للطّواف، حيثُ إنّه خالف في هذه المسألة قول الجُمهور، وقد أخذ برأي الحنفيّة فيها.
- القول بجواز أخذ قرض المنافع، وقد خالف في ذلك مذهب الحنابلة الذين يقولون بعدم جواز قرض المنافع.