ما هو عقد الزواج
عَقد الزَّواج
إنّ عقد الزواج من العقود التي حضيت بعناية الشريعة الإسلاميّة واهتمامها، وذلك لما له من آثارٍ اجتماعيّة تتمثّل بلُحمة عائلتين ربما تكونان بعديتين نَسَباً عن بعضهما، فإذا حصل الزاوج بين فردين منهما أصبحت العائلتان أقرب إلى بعضهما علاقةً، وأُزيلت الحواجز بينهما، ناهيك أنّ الزواج هو اقتران شابٍ بفتاةٍ مُحرَّمٌ عليه مساسها في الأصل، فإذا ما تمَّ عقد الزواج أصبح جائزاً بينهما ما يجوز بين أي زوجين فعله.
في العادة يتقدَّم عقد الزواج الخِطبة أو يُعرف بقراءة الفاتحة، والخِطبةُ في حقيقتها وعدٌ بالزّواج، حيث في هذه المرحلة وبعد أن يتقدّم شابٌ من خِطبة فتاة فإنّ أهلها يَعِدُونه بتزويجها له، فالخطبة هي مرحلة ما قبل إجراء العقد، وبهذه الفترة تكون المخطوبة أجنَبيَّةً عن خاطِبها، فلا يحلِّ لهما الخلوة ببعضهما، كما لا يحلّ للخاطب الجلوس مع مخطوبته إلا بوجود محرمٍ من أهلها، ولا يحلُّ لها أن تتزيّن له وتظهر مفاتنها، فإذا ما أُجري العقد أصبحت زوجةً له وجاز لهما كلُّ ذلك.
تعريف عقد الزواج
عندما كان فقهاء المذاهب يتكلّمون عن الزواج فإنّهم في الغالب كانوا يُطلِقون عليه لفظة (نكاح)، ونادراً ما لجؤوا لاستعمال لفظة الزواج، وقد عرَّف الفقهاء الزّواج أو النّكاح بتعريفاتٍ مُتباينة، منها:
- أنه عقدٌ يرد على تملُّك المُتعة قصداً.
- عرفه فقهاء الشافعيّة أنّه عقد يتضمّن إباحة وطء باللّفظ الآتي.
- عرَّفه فقهاء المالكية بأنّه: (عقدٌ على مُجرّد مُتعة التلذّذ بآدميّة غير موجبٍ قيمتها ببيّنة قبله، غير عالمٍ عاقده حرمتها إن حرمها الكتاب على المشهور، أو الإجماع على غير المشهور).
أركان عقد الزواج العقد
جعلت الشّريعة الإسلاميّة لعقد الزواج مجموعةً من الأركان التي لا ينعقد إلا بها، فكما هو الأمر في أيّ عقدٍ آخر جاءت به الشّريعة الإسلاميّة، كالبيع والتجارة والإجارة والشراكة وغير ذلك ممّا له أركانٌ مُعتبرةٌ من العقود؛ فإنّ لعقد الزواج كذلك أركاناً يجب اعتبارها لصحّة عقد الزّواج وإتمامه على الوجه الصحيح، وقد اختلف الفقهاء في أركان عقد الزّواج اختلافاً ظاهراً، فيما يرى الحنفيّة أنّ عقد الزّواج واحد وهو الصّيغة، خالفه جمهور العلماء بأنّ للزّواج أركاناً أخرى، وفيما يأتي بيان أركان عقد الزواج واختلاف الفقهاء فيها:
صِيغَة العقد
اتّفق الفقهاء الأربعة والإمام أبو حنيفة على أنّ الصّيغة في عقد الزواج ركنٌ لازم الوجود لصحّة العقد، والصّيغة هي الإيجاب والقَبول؛ فالإيجاب يعني الكلام الذي يَصدر من العاقد الأول، وغالباً ما يكون العاقد الأول هو وليّ الزوجة أو الزوجة ذاتها، وصفة الإيجاب أن يقول ولي الزوجة: (زوَّجتك مُوكّلتي فلانة على مهرٍ مُعجّل مقداره كذا، ومُؤجّل مِقداره كذا)، أو أن تقول الزوجة لخاطبها مُباشرةً: (زوَّجتك نفسي على مهرٍ مُعجّل مقداره كذا، ومُؤجّلٍ مقداره كذا). ويصحُّ أن يكون العاقد الأول هو الزوج، فيقول لوليِّها: (زوِّجني مُوكّلتك فلانة على مهرٍ مُعجّل مقداره كذا، ومُؤجّلٍ مقداره كذا).
أما القَبول: فهو ما يصدر من العاقد الثّاني للإجابة عما ذكره العاقد الأول، وصفته أن يُجيب الزوج كما هو في الغالب بعد أن يتلفّظ ولي الزوجة بالإيجاب، فيقول له: (وأنا قبلت زواج مُوكّلتك فلانة -ويُسمّيها باسمها ذاته- على المهر المُسمّى بيننا)، ويجوز أن يكون القابل هو الزوجة أو وليّها إذا صدر الإيجاب من الزوج كما سبق، فيُجيبونه: (وأنا قبلت زواج ابنتي فلانة -ويُسمّيها- على المهر الذي ذكرته).
يتحقّق الإيجاب والقبول بأي لفظٍ يُقصَد منه إنشاء عقد الزواج ويُعبِّر عن إرادة العاقد منه، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على عدّة أقوال؛ فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه يَصِحُّ الزَّواج بأي لَفْظٍ دلَّ على تَمليك العَين في الحال، أي تمام الزواج ونفاذه فوراً، ومن تلك الألفاظ عندهما التَّزويج بقول: زوَّجتك، والإنكاح بقول: أنكحتك، والتَّمليك بقول: ملَّكتُك، والجُعْل بقوله: جعلتها لك، والهِبَة بقول: وهبتها لك، والعَطيَّة والصَدَقَة، لكنّهم اشترطوا أن تتحقّق النِيَّة أو ما يُشير إلى أنَّ المُراد بذلك اللّفظ هو الزّواج لا غيره، وأن يَفهم الشّهود المقصود من ذلك اللفظ؛ وحجّتهما في جواز استعمال الألفاظ السّابقة أنّ عقد الزّواج من العقود التي تنشأ بثبوت رضى الطّرفين، فيَصحّ بكل لَفْظٍ يدلّ على رضائهما بإتمام العقد وإرادَتِهِما لذلك.
أما الشافعيّة والحنابلة فقد اشترطا لصحّة عقد الزّواج أن يُستعمَل به ما اشتُقَّ من لفظتي (زَوَجَ أو نَكَحَ) فقط، أمّا من لا يفهم اللّغة العربيّة ولا يتكلّم بها فيُقبَل الزّواج منه بالعبارة التي تُؤدّي إلى مقصود إتمام الزواج؛ وحُجّتهما في ذلك أنَّ عقد الزّواج له خطورةٌ تُميِّزه عن غيره من العقود التي تصحُّ بأي لفظ، وذلك لأنّه يَردّ على المرأة وهي حرّة، كما أنّ الزّواج قد شُرِعَ لأغراض سامية، وأنّ القرآن الكريم لم يَستخدم إلا هذين اللّفظين فقط، وهما النِّكاحُ والتَّزْويج.
الصَّداق (المَهر)
الصَّداقُ هو المهر الذي يفرضه الزوج لزوجته، وهو رُكنٌ من أركان النّكاح عند جمهور الفقهاء وخالفهم الحنفيّة، وقد استدل الفقهاء على أنّ المهر ركنٌ في عقد الزواج من خلال الكتاب والسُّنة والإجماع ، أمّا من الكتاب فما جاء في قول الله تعالى: (وءاتْوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ)؛ فقد ألزم الله سبحانه وتعالى الرجال في هذه الآية وأمرهم بإعطاء النساء مُهورهنّ، وأمّا الدليل عليه من السُنّة فهو قول الرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- في الصحيح: (التَمِسْ ولو خَاتَماً من حديد)؛ فقد جعل الرسول المهر من مُقتضيات إتمام عقد الزواج ولو كان قليلاً بسيطاً، كما قال رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام-: (لا نِكاحَ إلا بِوَلي وصَداق وشاهِدَي عَدل)، وقد انعقد الإجماع على أنّ المهر ركنٌ في عقد الزواج، وأنّه لا يَجوز ولا يُقبل التَّراضي بين العاقدين على إسقاطه من العقد.
العاقِدان
يُقصَد بالعاقدان الزَّوج والزّوجة، ويجوز أن يَحلَّ مكان الزوجة وليُّها، ولا ينعقد الزّواج دون وجود أحد العاقدين أو رضائه الصريح، ويُشتَرَطُ في الزّوجة لجواز وقوع العقد عليها أن تكون خاليةً من مَوانِع النّكاح، ومن بين تلك المَوانِع مثلاً ألا تَكون الزوجة المعقود عليها مُتزوجةً بغيره من الرجال، أو مُطلقةً لم تنقضِ عدّتها الشرعيّة من مُطلِّقها الأول، أو أنّها مُطلَّقة من العاقد نفسه ثلاث طلقات لم تُحَلَّل له بالزّواج من غيره ودخوله بها ثم تطليق الثاني لها، أو أن تكون مُرتَدةً عن الإسلام، أو مَجوسيّةً، أو وثَنِيَّةً، أو تكون الزوجة أَمَة (عَبْدَةً) والنَّاكِحُ حُر، أو تَكونَ من محارم العاقد، كأخته أو أمه أو من يحرم له الزواج بها، أو أن يَكونُ العاقد مُتَزوِّجاً بأخِتها أو من يَحرم عليه الجمع بينهما، كخالتها أو عمتها، أو أن تكون الزوجة المعقود عليها مُحرِمةً بحجِّ أو عُمرة.
الشُّهود
جعل جمهور الفقهاء من أركان عقد الزَّواج وجود شاهدين مسلمين عَدلين ذَكرين بالغين عاقلين فاهمين للإيجاب والقبول، سامعَين لهما، حُرّين ليسا مملوكين، وأنّه لا يَنْعَقِدُ النِّكاح إلا بِحُضُورهما على ذلك الوصف، وقيل: إنّ عقد الزواج يصحّ بالشهود الأعميين، ونقل الإمام أبو الحسن العبادي -رحمه الله- أنَّ الزواج يَنْعَقِدُ بالشّهود الذين لا يعرفون لسان العاقدين إلا أنّهم فهموا المقصود منه؛ لكونهما يمكن أن ينقلاه إلى القاضي.
الوَلِيّ
لَا يَصح إتمام النِّكاح إِلَّا بحضور ولي الزّوجة؛ والدها أو شقيقها إذا غاب والدها أو كان مُتوفّى، وذلك لقَوْل الله تَعَالَى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ)، فاشتراط الولي ظاهرٌ في هذه الآية بأمر الله للأولياء ألا يمنعوا بناتهم من الزواج بالأكفياء من الرجال، وقد نزلت هذه الآية فِي الصحابيّ الجليل معقل بن يسَار -رضي الله عنه- حِين حلف أَلَّا يُزَوّج شقيقته من مُطلِّقهَا. وَعَن عَائِشَة -رَضِي الله عَنْهَا- أَن النَّبِي -عليه الصّلاة والسّلام- قَالَ: (أَيّمَا امْرَأَة نَكَحَت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ثَلَاثاً). ولا تَصِحُّ عبارَة الزوجة لعاقدها مُباشرةً فِي النِّكَاح سواء كان ذلك إيجاباً أو قبولاً، ولا يجوز لها أن تُزوّج نَفسهَا من العاقد حتى بِإِذن وليها وَلَا بِغَيْر إِذْنه، ولا يجوز لغير وليّها أن يُزوّجها لا بوكالةٍ ولا بغيرها.
شُروط عقد الزواج
يُشتَرط في العاقِدين الزوج والزوجة عدداً من الشروط حتى يكون عقدهما صحيحاً، ومن تلك الشروط وأهمها العَقْلُ؛ فلا يَنْعَقِدُ نِكاح الصبيّ الذي لا يُميّز بين الأشياء، أو المَجْنون؛ لأنّ العقل من شروط الأهليّة باتّفاق الفقهاء. كما يُشتَرط أن يصدر الإيجاب والقبول في نفس مجلس العقد، وألّا يفصل بينهما فاصلٌ في الكلام بتغيير الموضوع بعد صدور الإيجاب من العاقد، أو يفصل بينهما فاصلٌ في المكان بأن ينتقل العاقد الثاني من المجلس بعد صدور الإيجاب من العاقد الأول، فإذا اختَلَفَ المَجْلس لم يَنْعَقد النِّكاح .
ويُشتَرط كذلك أن يكون العاقِد بالِغاً؛ فنِكاح الصَّبي العاقِل المُميِّز وإن كان صحيحاً منعقداً إلا أنّه لا ينفذ إلا بإجازَة وَليِّه، ولا يُنتظر لأجل ذلك إلى البلوغ ، حتى إن بلغ وأجاز ذلك لم يجز العقد إلا بإجازة وليه.