ما هو عذاب قوم صالح
الأمم السابقة
يزخر القرآن الكريم بأخبار وقصص أقوام سابقين وأمم غابرة، حدّثت بها الآيات والسور الكريمة في مواطنٍ كثيرةٍ، وبيّنت شيئاً من أحوالهم ووثّقت موقفهم من دعوة الله -تعالى- لهم بواسطة رسله وأنبيائه -عليهم السلام- وكيفيّة مقابلة الأقوام للدعوة وكيفيّة معاملتهم مع الرّسل والأنبياء عليهم السلام، وبيان جزاء الله -تعالى- لكلّ مَن آمن منهم واستجاب لدعوة الأنبياء والرّسل وكذلك من كفر منهم وكذّب بالدعوة، ومن بين تلك الأقوام قوم نبي الله صالح -عليه الصلاة والسلام- الذين أرسل الله -تعالى- لهم صالح عليه السلام؛ ليدعوهم إلى توحيد الله -تعالى- وإفراده بالعبادة وحده، وأيّد الله -تعالى- نبيّه صالحاً بمعجزةٍ دالّةٍ على صدقه وصحّة دعوته وبعثته من الله تعالى، حتى تكون المعجزة مدعاةً لقومه لأن يصدّقوا دعوته ويؤمنوا بها، لكنّ موقفهم من المعجزة والدعوة برمّتها كانت المعاندة والمعاداة لصالح -عليه الصلاة والسلام- ودعوته، وقد كان الجزاء الإلهي موازٍ لفعلهم ومكافئاً لما كان من قوم صالح من إيذاءٍ وتعدٍّ، وفي هذا المقال تعريف بنبي الله صالح وقومه، وبيان للعقوبة الإلهيّة التي حلّت بهم.
عذاب قوم صالح
حين دعا صالح -عليه السلام- قومه ثمود إلى الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، قابل قومه تلك الدعوة بالإنكار وطلبوا من صالح -عليه السلام- أن يأتي بدليل على صدق دعوته واشترطوا أن يُخرج ناقة وابنها من صخرةٍ صمّاء وبيّنوا له صفاتها، فأخذ صالح يدعو الله -تعالى- أن يخرج له من صُلْب الصخرة ناقةً فاستجاب الله -تعالى- دعوته وخرجت الناقة وابنها من الصخرة، ولم يؤمن رغم المعجزة إلّا قلّة من قوم ثمود، وأوصى صالح -عليه السلام- قومه بأمر من الله -تعالى- بألّا يمسُّوا النّاقة بسوءٍ وأن يتركوها تشرب من مائهم ويشربون هم في اليوم الذي يليه، فتآمروا على قتلها وقتلوها فعلاً، ثمّ حاولوا أن يأتمروا على صالح -عليه السّلام- ليقتلوه، ونجّاه الله -تعالى- منهم، وتوعّدهم صالح بعقاب شديد من الله -تعالى- يأتيتهم بعد أن يمكثوا في ديارهم ثلاثة أيام، ففي اليوم الأول من أيام انتظار العذاب الذي كذّبوا وشكَّكوا بوقوعه اصفرّت وجوههم، وفي اليوم الثّاني أصبحت وجوههم محمرّة، وفي اليوم الثّالث اسودّت وجوههم، وحين أصبحوا بعد أن تمّت الأيام الثلاثة بعث الله -تعالى- عليهم صحيةً من السّماء من فوقهم ورجفةً من تحتهم فزهقت أرواحهم وهمدت جثثهم في مساكنهم، قال الله -تعالى- في عذابهم: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).
وقد حملت قصّة قوم ثمود مع نبيهم صالح -عليه السّلام- والآيات التي تناولت قصتهم عِبراً ودروساً كثيرةً؛ منها: التزام الحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن في مخاطبة الآخرين كما كان جدال وخطاب صالح -عليه السّلام- لقومه، وأنّه بذل كلّ ما بوسعه في دعوة قومه واستعمل وسائل الترغيب والترهيب، كما أنّ على الإنسان إن كان عاقلاً متبصِّراً أن يتّعظ ويعتبر من قصص الأقوام الظالمين وينأون بأنفسهم عن فعل ما فعلوه وتكرار ما عملوه.
صالح عليه السلام
هو نبيّ الله صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك في نسبه، وأرسله الله -تعالى- لقوم ثمود الذين ينتسب إليهم، وورد ذكر اسم نبي الله صالح -عليه السلام- في القرآن الكريم تسع مرّات، وأمّا قصّته مع قومه فقد روت عدّة سور من سور القرآن الكريم موقف قومه منه ومن دعوته وجدالهم له، وهذه السور هي: الأعراف ، هود ، الحجر، الشّعراء، النّمل، فصّلت، الذاريات، القمر، الحاقّة، الشّمس، ومن الآيات التي جاءت على ذكر نبي الله صالح -عليه السلام- وقومه: (وَإِلى ثَمودَ أَخاهُم صالِحًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّهَ ما لَكُم مِن إِلهٍ غَيرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرضِ وَاستَعمَرَكُم فيها فَاستَغفِروهُ ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي قَريبٌ مُجيبٌ).
وأيّد الله -تعالى- نبيّه صالحاً كغيره من الأنبياء ورسله -عليهم الصّلاة والسّلام- بمعجزةٍ لتكون دليل صدقه أمام قومه وإثباتاً على صحّة دعوته وأنّه مبعوث ومُرسل من الله تعالى، حيث طلب منه قومه أن يُخرج من صخرة صمّاء ناقةً مع ابنها، تحمل صفاتاً حدّدوها له، فسأل صالح -عليه السلام- الله تعالى ورجاه فاستجاب الله -تعالى- لدعائه وأخرج النّاقة من الصّخرة، ومع تحقّق المعجزة أمام قوم صالح -عليه السّلام- إلّا أنّه لم يؤمن معه من قومه إلّا قلّة قليلة واستكبر وأصرّ على الكفر أكثرهم.
قوم صالح عليه السلام
هم قبيلة ثمود ، وهي قبيلة مشهورة باسم جدّهم ثمود، وكانوا يسكنون في المنطقة التي بين الحجاز وتبوك ، وكانوا عبدة للأوثان واشتهروا بالنّحت في الصخر، ومصداق ذلك قول الله تعالى فيهم: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ)، وقد أرسل فيهم نبيهم صالح عليه السلام؛ حتى يدعوهم إلى الإيمان بالله وحده وترك عبادة الأصنام التي كانوا عليها، فكان ردّهم وموقفهم مشابهاً لمواقف غيرهم من الأمم والأقوام السابقين من أنبيائهم؛ حيث آمن بدعوة صالح -عليه السلام- واستجاب لها قلّة قليلة وعانده واستكبر وأصرّ على الكفر أكثرهم رغم محاولات صالح -عليه السلام- لكنّهم استخفوا فيه وفي دعوته وأنكروا عليه أن يدعوهم لعبادة الله وترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام واستمروا هم من بعد آبائهم يعبدونها، فكان جوابهم لصالح -عليه السّلام- كما جاء في قول الله -تعالى- على لسانهم: (قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، وكثيراً ما كان القرآن الكريم يقرن في الذكر بين قومي عاد وثمود في مواطن كثيرة؛ منها: قول الله تعالى: ( أَلَم يَأتِكُم نَبَأُ الَّذينَ مِن قَبلِكُم قَومِ نوحٍ وَعادٍ وَثَمودَ وَالَّذينَ مِن بَعدِهِم لا يَعلَمُهُم إِلَّا اللَّهُ جاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ فَرَدّوا أَيدِيَهُم في أَفواهِهِم وَقالوا إِنّا كَفَرنا بِما أُرسِلتُم بِهِ وَإِنّا لَفي شَكٍّ مِمّا تَدعونَنا إِلَيهِ مُريبٍ).