ما هو جهاد النفس؟
ما هو جهاد النفس؟
إنّ جهاد النفس يكون بإصلاحها، وإنّ كل إنسان مكلف عاقل مسؤول عن تهذيب نفسه وترويضها، وذلك هو سبيل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وإنّ إهمالها يعني بالضرورة خسارته وخيبته؛ لقول الله تعالى في سورة الشمس : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.
متطلبات جهاد النفس
إنّ جهاد النفس لإصلاحها يتطلب أمرين اثنين نبينهما آتيًا:
أولًا: كبت الشهوة وإخمادها قدر المستطاع
والمقصود ضبطها عن الشهوات والميول إلى ما قد يتجاوز ما أحلّه الله تعالى، وليس المقصود كبتها نهائيًا؛ إذ إنّ ذلك مما هو فوق قدرة الإنسان وحدود استطاعته وإنّ الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، وشهوات الإنسان متعددة منها شهوة البطن وشهوة الفرج وغيرها، فإنّ كل عضو في جسم الإنسان له شهوة، وكل شهوة تحقق غرضًا معينًا، وإنّ هذه الشهوات إن أُطلقت كانت مدمرةً لحياة الفرد والمجتمع بما يعود عليه من آثارٍ سلبية جمّة، ثم إنّه من الواجب على الإنسان أن يُروِّض هذه الشهوات ترويضًا يتناسب مع مبادئ الدين وأوامره حتى يتحقق الغرض المطلوب منها فلا تعود بسوء العاقبة، ونذكر آتيًا بعض الأمثلة على كيفية ترويض شهوات الإنسان بما يعود عليه وعلى المجتمع بالنفع:
- فعلى سبيل المثال يكون ترويض شهوة البطن بأن يتحرى في مطعمه فلا يكون إلا حلالًا، وأن يتناول القدر المعتدل دون إسراف ولا تقتير، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
- ولا تُمنع شهوة الفرج وإنّما ترشد صاحبها إلى الأسلوب الأصلح والأنفع بما يتناسب مع شرف الإنسان وكرامته وهو الزواج ، قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، وما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ، فإنَّه له وِجَاءٌ).
- وكذا تروّض شهوة الكلام والبصر والسمع بما هو طيّب، وفلا يقول إلا ما هو جميل، قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وإذا سمع اتبع أمر الله بما هو حسن ونزّه سمعه عما هو محرّم، لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وإذا أبصر نظر إلى ما يحل له النظر فيه، ولم ينظر إلى ما هو محرّم، لقول الله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}.
ثانيًا: التخلُّص من الهوى
والهوى ميلُ النَّفس إِلى الشهوة، وللنّفس أهواء متعددة منها ما أسلفنا القول عنه، ومنها ما هو أخطر من ذلك كشهوى الجاه والشهرة وغيرها، ومتى قوي الهوى على الإنسان قاده لكل ما فيه شرّ وفساد وصدّها عما فيه خير وصلاح، وهوى النّفس أمر طبيعي لا يقوى الإنسان على التخلص منه بالكليّة، وإنّما يمكنه حصره في دائرة ما أحله الله، ومراقبتها وتوجيهها لما هو أصلح لها، وقد يكون الهوى في الشبهات وهو أخطر لما فيه تعلق بأمور العقيدة والأصول، وقد يؤدي الهوى بالإنسان للكفر والعياذ بالله.