تحليل رواية قصة مدينتين (رواية تاريخية)
التحليل الموضوعي لرواية قصة مدينتين
تبدأ قصة مدينتين في لندن مع لوسي مانيت التي تعرف بعد ثماني عشرة عامًا أنّ والدها التي كانت تظنه ميتًا مسجونٌ؛ إذ يُخبرها لوري صديق والدها والوصيّ عليها، ويأخذها لتقابله إثر خروجه، ويكون حينها قد فقد الذاكرة جزئيًا بسبب الحياة المظلمة في السجن.
وفي طريقهم للعودة يتعرفون على الشاب دارني الذي يقع في غرام لوسي، ويُتهم لاحقًا بالخيانة ولكن تتم تبرئته لأنّ الشاهد فشل في التمييز بينه وبين المحامي كارتون، ويقع كارتون في حبّ لوسي ويبوح لها بمشاعره، متمنيًا لها التوفيق مع دارني، وواعدًا إياها أنّه سيحرص على سعادتها.
وفي باريس، يقتل الفلاحون الماركيز ايفرموند الذي طالما عاملهم باحتقار لتتفجر بعدها الثورة ويتم الهجوم على سجن باستيل، وهنا يعترف دارني للوسي ووالدها بأنّه ابن الماركيز، الذي كان سببًا في سجنه طوال هذه الأعوام، لكنّه يتلقى الدعم منهما كونه غير مذنب بذلك.
يُستدرج دارني إلى العودة لباريس، فتذهب معه لوسي ووالدها، وهناك يُقبض عليه بتهمة الخيانة كونه ابن ايفرموند، ويُحكم عليه بالإعدام خلال 24 ساعة، ليتدخل المحامي كارتون بعدها ويقرر التضحية بنفسه والدخول إلى سجن دارني وتلقّي عقوبة الإعدام بدلًا منه، ليفرح قلب لوسي التي وعدته بإنجاب صبيّ وتسميته باسمه.
التحليل الأسلوبي لرواية قصة مدينتين
كتب تشارلز ديكينز هذه الرواية بأسلوب مختلف عن رواياته الأخرى ، التي يكثر فيها الانتقاد الساخر، فقد كان ديكنز أكثر جدية هنا في طرح فكرة العنف، والانتقام، والمحبة، بسبب الصبغة التاريخية التي تصطبغ بها الرواية،
وقد اتبع الكاتب أسلوبًا غير مباشرٍ في ذكره لبعض الحوارات، والأحداث، محاولًا بذلك إثارة الفضول لدى القارئ، ليتضح كل ما هو ضبابيّ مع التقدم في الأحداث.
الاستعارة والصور الفنية في رواية قصة مدينتين
استخدم تشارلز ديكنز الصور الفنية المعبّرة ليعطي مجالًا للتعليق على الشخصيات، فمثلًا وصف الجمهور الجشع الذي حضر لمشاهدة المحاكمة بـ"الذباب الأزرق الذي يطنّ حول قاعة المحكمة".
وعمد ديكنز إلى الاستعارات والتصاوير الأكثر جدية في هذه الرواية، تحديدًا لاستحضار الحقائق التاريخية، إذ يصف لوري وهو في طريقه إلى إعادة رجل سُجن ظلمًا إلى زنزانته "بمن يتخيل نفسه ينقّب عن رجل دفن حيًّا".
الحوار والسرد في رواية قصة مدينتين
يُمكن الحكم على الراوي في هذه الرواية بأنه كليّ المعرفة في الماضي والمستقبل، ليُعطي تلميحًا حول الطبيعة البشرية وما قد يحصل في المستقبل، على سبيل المثال عندما قتل الماركيز ابن الفلاح يصف الراوي "جريان النهر السّريع، ودخول المساء بالنّهار، وتدفق الماء من النافورة، وسقطت الكثير من الحياة داخل المدينة".
إذ إن صورة الماء والتدفق تخلق إحساسًا بالكارثة القريبة، واستخدم الكاتب أسلوب إعادة سرد التاريخ؛ إذ إنّ كل حدث فرديّ يؤثر في التحولات الاجتماعية.
ويبرز هذا الأسلوب في السرد في خاتمة الرواية أيضًا عندما وصف الراوي رؤية كارتون التنبؤية للمستقبل، وإنه قادر على النظر إلى ما وراء عنف الثورة فقال: "أرى شر هذا الوقت، تدريجيًا يكفّر عن نفسه ويتلاشى".
تحليل شخصيات رواية قصة مدينتين
تعد الشخصيات من أهم عناصر الرواية ، ومن أبرز الشخصيات التي أثرت في أحداث رواية ديكينز وأفكارها ما يأتي:
- الدكتور ألكساندر مانيت
طبيب من فرنسا سُجِن ظلمًا لمدة 18 عامًا، ويعاني من بعض الصعوبات الفكرية بسبب تجربته المظلمة في السجن، ويستعيد ذاكرته تدريجيًا بعد خروجه.
- لوسي
امرأة شابة وجميلة معترف بلطفها وحنانها، بعد الإفراج عن والدها تبقى بجانبه لتعتني به حتى بعد زواجها من دارني.
- دارني
أرستقراطي فرنسي يتخلّى عن اسم عائلته بسبب ظلمهم وينتقل إلى إنجلترا، حيث يعمل مدرسًا ويتزوج لوسي، ولقد اتهم بالخيانة بسبب سُمعة أهله.
- كارتون
محامي شاب يشبه دارني في الشكل إلى حدّ بعيد، يعيش في جوّ من اللامبالاة وإدمان الكحول، حبّه للوسي يدفعه للتضحية بأن يحلّ مكان دارني على مقصلة الإعدام.
- لوري
مصرفيٌّ من إنجلترا، وصديق مخلص لعائلة مانيت، إذ إنه يتولى الوصاية على لوسي طوال فترة سجن والدها.
- السيد ديفارج
صاحب محل نبيذ في أحد ضواحي باريس، وزعيم عصابة الفلاحين في أثناء الثورة الفرنسية.
- مدام ديفارج
امرأة قاسية ومنتقمة أعدّت قائمة بأسماء الأرستقراطيين الذين تُدينهم، وقادت الثّوار لاحقّا للقتل والانتقام.
- الآنسة بروس
خادمة إنجليزية مخلصة اعتنت بلوسي دائمًا وأخلصت لها.
- السيد كرنشر
حارس لوري وأمين أسراره وهو شخصية خطيرة.
- السيدة كرنشر
امرأة تقية وكثيرًا ما يضربها زوجها بسبب الصلاة.
آراء نقدية حول رواية قصة مدينتين
تناول النقّاد رواية قصة مدينتين التي صدرت في سلسلة نصوص إلى أن جمّعت في كتاب واحد من ناحية النقد التاريخ والتشكيلي والأسلوب، ونوضح بعض هذه الانتقادات في ما يأتي:
- تكثر في الرواية الأوصاف الطويلة التي يشتهر بها ديكنز، وهي تخدم القارئ من جهة جعله قادرًا على بناء صورة كاملة للشخصية، لكنّها من جهة أخرى تعد استفاضة ملحوظة.
- يقفز الكاتب في تطورات الحبكة من حدثٍ إلى آخر دون إعطاء القارئ مقدمةً حيوية، ممّا قد يثير تشتيت القارئ.
- يشتبه على القارئ أحيانًا التمييز بين من هي الشخصية المعنية في الحديث، أو ما الذي تحاول الشخصيات القيام به.
- كُتبت الرواية بأسلوب قد يوصف بغير المباشر، إذ أراد الكاتب بذلك إثارة فضول القارئ بجعله يفكر في المقصود.
تُروى هذه الرواية الواقعية السياسية بطريقة تدمج تاريخ الثورة الفرنسية مع الأزمات الاجتماعية التي كانت حيّة في تلك الفترة من المجتمعات الأرستقراطية، وما تحمله من فساد وسعي جائر للثروة على حساب الفلاحين المضطهدين ماديًا واجتماعيًا، بأسلوب تصبغ عليه الجدية مع الدقة في التوصيف والحوادث التاريخية، أخرجَها ديكنز بصورة إبداعية لتكون من أشهر الروايات في العالم أجمع.