ما هو جزاء الظالم
تعريف الظلم وتحذير الإسلام منه
جاء الإسلام متمّماً لمكارم الأخلاق، التي تعزّز بدورها المودة والألفة بين الناس، وتُديم العلاقات التي تحقّق الطمأنينة والسكينة بين الناس، وحذّر الإسلام من كلّ ما يُورّث العداوة والبغضاء، أو يتسبّب في الفُرقة بين الناس، وعلى رأس تلك الأفعال ظلم الناس لبعضهم البعض، وأكل الحقوق فيما بينهم، والظلم كما ورد تعريفه في اللغة؛ هو الجَور، وانتهاك الحقوق عدواناً، ويُوصف أيضاً بعدم الإنصاف، فالظلم من الصفات الرذيلة، والأخلاق الدنيئة، ولذلك ذكر الله -تعالى- أنّه نزّه نفسه عن ذلك الخلق الذميم، بل وحرّمه على نفسه أيضاً، وجعله محرّماً بين المؤمنين، وذلك من كمال عدله، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)، وقال أيضاً في الحديث القدسي: (يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّماً، فلا تظَّالموا).
جزاء الظالم
إنّ الظلم سببٌ في خراب العمران والديار، وذلك واحدٌ من عدّة مآلاتٍ سيئةٍ، تُطال الظالمين في حياتهم وآخرتهم، فالله -تعالى- بعدله لا يُمكن أن يغفل عمّن أساء أو اعتدى، ولا يُمكن أن يمضي الظالم في ظلمه دون حسابٍ أو عقابٍ، بل جعل الله -تعالى- العواقب وخيمةٌ، التي تعود على الظالم لسوء فعله، وفيما يأتي بيان بعضها:
- يتعرّض الظالم في حياته إلى كثيرٍ من المحن والفتن، ويقترب من الهلاك، الذي يأتيه بسبب ظلمه واعتدائه، وتلك سنّة الله -تعالى- للظالمين، أفراداً كانوا أم جماعاتٍ، فكثيراً ما أهلك الله -تعالى- أقواماً بأكملها، عندما ظهر الظلم فيهم وانتشر، حيث قال: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ*فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ*لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ*قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ).
- يُقذف الظالم بالكثير من الدعوات ممّن ظلمه، ويستجيب الله تلك الدعوات، ويأخذ بها، حيث يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (اتقِ دعوةَ المظلومِ، فإنها ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ)، فالله -تعالى- تعهّد بتلك الدعوات، بل وتُرفع فوق الغمام، حيث يقول: (وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّك ولو بعد حينٍ). فعلى الظالم أن يحذر من دعوة من ظَلمه، ويخشاها، وينتهي عن ظلمه، ويتوب إذا رغب بالنجاة منها.
- يُعرّض الظالم نفسه إلى عذاب الله -تعالى- وسخطه، ومن ثمّ خسارة آخرته، حين ينقلب إلى الله تعالى، ذلك أنّ الله -تعالى- يرى ويسمع ما يقوم به العباد، حتى يُحاسبهم على ذلك يوم القيامة ، وتوعّد الله -تعالى- الظالم بشديد العقاب في الآخرة، وذكر ذلك في العديد من الآيات، منها قوله: (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ*سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ*لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، وممّا يزيد ذلك الأمر شدّةً أنّ الله -تعالى- من يأخذ الحقوق، ويقتصّ من الظالم للمظلوم، ويقضي بين الناس في الآخرة، فلا سبيل إلى النجاة من سخط الله وعقوبته، حيث قال الله تعالى: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ*الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ).
- يحرِم الظالم نفسه من رحمة الله تعالى، وعنايته، وهدايته، حيث يقول الله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).
- يحرِم الظالم نفسه من الشفاعة يوم القيامة، حيث يقول الله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ).
- يخسر الظالم حسناته، وما عمل من خيرٍ في الدنيا، فأخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الظالم كالمفلس يوم القيامة، ستُؤخذ منه حسناته، وتُعطى لمن كان قد ظلمهم في الحياة الدنيا، ثمّ إذا فنيت حسناته ، ولا يزال عليه حقوقٌ للناس، فيُؤخذ من سيئاتهم، فتُطرح على سيئاته، ثمّ يُطرح في النار معذّباً .
أشكال الظلم وصوره
تتعدّد أشكال الظلم وصوره، لكنّ أعظم أشكال الظلم ؛ هو الشرك بالله تعالى، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وأهمّ سببٍ لجعْل الشرك أعظم الظلم، أنّ الإنسان جعل لله -تعالى- شريكاً وندّاً، فيكون بذلك عمد إلى تشبيه الخالق بالمخلوق، لذلك كان ذلك الفعْل ظُلماً؛ إذ إنّه وضع الشيء في غير موضعه، ولقد توعّد الله -تعالى- المشركين بعدم غفرانه لذنبهم، حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، فكان ذلك عاقبة من اقترف أعظم أنواع الظلم، ورضي به، وأمّا أشكال الظلم الأخرى، فهي كثيرةٌ، وفيما يأتي بيان بعضها:
- اعتداء المالك لمصلحةٍ ما على موظفين عنده؛ كفصلهم جوراً، أو التبخيس من حقوقهم، أو تأخير منحهم إيّاها وقد استحقّوها.
- حلف اليمين الكاذبة، من أجل استحلال حقّ لا يحلّ، أو امتلاكه، أو تحصيل حقوقٍ واجبةٍ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (مَن اقتَطعَ أرضاً ظالماً لَقيَ اللَّهَ وَهوَ علَيهِ غضبانُ).
- أكل مال الناس بغير حقٍّ، والإساءة إليهم؛ كقذف أحدهم، أو التطاول عليهم في الكلام، فكلّ ذلك من أشكال الظلم للناس.
- ظلم الرجل لزوجته، أو من تقع في عصمته، وهضم حقوقها، وأكل مالها؛ كحرمانها من الميراث، أو منعها من الزواج تعسّفاً، أو غير ذلك.
- ظلم الأطفال الصغار، أو الجهّال؛ كإشغالهم بما لا طائل منه، فالعناية بهم من حقّهم، وتنميتهم تنميةً سليمةً قويمةً، تُفيدهم في مستقبلهم.
- الظلم الذي يقع من البائع على المشتري؛ مثل أن يدفع المشتري ما عليه دون نقصٍ، ويُنقِص البائع من السلعة، إن استطاع ذلك، إمّا في الوزن، أو في الكيل، أو غير ذلك.
- ظلم الإنسان لنفسه؛ إذا مكّنها من تناول المسكرات ، والمخدرات ، التي لا توصله إلّا إلى المهانة، والإذلال، وكما يتم بذلك تعريض النفس للموت .