ما هو القدر
مفهوم القضاء والقدر والفرق بينهما
يُعرّف القضاء في اللغة بأنّه: إحكام الشيء وإتمام الأمر، وله معانٍ كثيرة، كلّها ترجع إلى المعنى ذاته، فمنها معنى الأمر، والأداء، والإنهاء، والقدر في اللغة هو: الحكم والقضاء، ويأتي بمعنى الاستخارة، وفيه من معنى الطاقة والتضييق وغيرها من المعاني، والمعنى الاصطلاحي للقضاء والقدر، هو: تقدير الله عزّ وجلّ للأشياء في القدم، وعلمه أنّها ستقع في أوقات معلومة وعلى صفات مخصوصة، وكتابته ومشيئته لها، ووقوعها على حسب ما قدّرها وخلقها، والفرق بين القضاء والقدر انقسم فيه العلماء إلى قسمين، فالفريق الأول قالوا بعدم وجود الفرق بين القضاء والقدر، فكلٌّ منهما في معنى الآخر وإذا أطلق أحدهما شمل المعنى اللفظ الآخر، فإذا أطلق القضاء كان بمعنى القدر والعكس صحيح، والفريق الثاني قالوا بوجود الفرق بين القضاء والقدر، فأبو حامد الغزالي قال بأنّ الحكم هو التدبير الأوّل الكليّ والأمر الأزلي، والقدر هو توجيه الأسباب الكليّة بحركاتها المُقدّرة المحسوبة إلى مسبّباتها المحدودة المعدومة، بقدرٍ محدّد لا يمكن أن يزيد أو ينقص، والبعض قال بأنّ القدر هو الحكم بالكليات في الأزل، والقدر هو التفصيل لهذه الكليات على سبيل التفصيل، ومنهم الذي قال أنّ القدر هو التقدير، والقضاء هو التفصيل، وعليه فإنّ القضاء أخصّ من القدر، إلى غير ذلك من التفصيلات والفوارق ما بين القضاء والقدر.
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر
للإيمان بالقدر مراتب ينبغي على المسلم الإيمان بها جميعها حتى يتحصل عنده الإيمان بالقضاء والقدر، وتسمى هذه المراتب بالأركان أيضاً، وفيما يأتي بيان لهذه المراتب والأركان بشكلٍ مفصّل:
- الإيمان بعلم الله الذي يشمل كل شيء؛ وقد ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية بكثرة، فالله عزّ وجل يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو العالم بأحوال عباده من أرزاقهم، وآجالهم، وأحوالهم، وما سيكون من سعادتهم وشقائهم، وما يتعلق بمصيرهم فيما إن كانوا من أهل الجنة أو من أهل النار، وكلّ ذلك نابعٌ من كونه مُتّصفاً بالعلم، فهو العليم الخبير البصير السميع، قال تعالى: (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)، ومن علمه أيضاً أنّه يعلم أنّ الذين كفروا حين يتمنّون العودة إلى الدنيا، لو ردّهم لعادوا لما نهاهم عنه، فقال: (وَلَو رُدّوا لَعادوا لِما نُهوا عَنهُ).
- الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ ؛ فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: (كتَبَ اللهُ مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يخلقَ السَّماواتِ والأرضَ بخمسينَ ألفَ سنةٍ، قال: وعرشُه على الماءِ)،وقد سمّى الله اللوح المحفوظ في القرآن الكريم بأسماء عديدة، منها الكتاب، والكتاب المبين، والإمام المبين، وأمّ الكتاب، وكل ما جرى ويجري وما سيجري مكتوب فيه، قال تعالى: (ما فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ).
- الإيمان بمشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة؛ فإنّ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ حركةٍ وسَكَنةٍ في السماوات والأرض لا تحصل إلا بمشيئته وقدرته، وإنّ ما يحدث لن يحدث إلا بمشيئة الله وقدرته، وما لم يحدث فإنه بمشيئة الله تعالى، وليس ذلك أنّه غير قادر، قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).
- الإيمان بأن الله خالق كل شيء؛ فالله عزّ وجلّ هو الذي خلق كل شيء في هذا الكون، وما سواه مخلوق مربوب، قال تعالى: (اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر
يُعدّ الإيمان بالقضاء والقدر من عقيدة أهل السنة والجماعة، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، وللإيمان بالقدر فوائد عديدة، وفيما يأتي بيان لهذه الفوائد بشكل مفصّل:
- الرضا واليقين بما هو مقدّر؛ فما يصيب المسلم من مصيبة إلّا صبر عليها واحتسب أجرها عند الله، ويعوّضه الله عما أخذ منه يقيناً في قلبه وصدقاً في إيمانه، وما يصيبه من السراء كان شكوراً لله على ما أصابه.
- حصول الانشراح في الصدر، والسعادة في القلب، وطمأنية النفس، وراحة البال، قال تعالى: (قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا هُوَ مَولانا وَعَلَى اللَّـهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ)،كما يحصل المسلم بصبره على المصائب على الأجر الكبير.
- غنى النفس؛ فمن يرضى بما قسمه الله -تعالى- له يكن من أغنى الناس.
- عدم الخوف من أذى الناس؛ فمن تمكّن الإيمان بقدر الله في قلبه يكن له يقينٌ بأنّ الأمة كلّها لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلّا بشيءٍ كتبه الله له، ولن يضرّوه إلّا بما كتبه الله عليه.
- الشجاعة والإقدام؛ حيث يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن أجله مُقدّرٌ له لن يزيد عليه ولن ينقص منه، فلا يحرص على الحياة، وبالمقابل لا يكرهها كل الكره.
- عدم الندم على ما فات، والتحسر على الماضي، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللَّهِ منَ المؤمنِ الضَّعيفِ، وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ، وإن أصابَكَ شيءٌ، فلا تقُل: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وَكَذا، ولَكِن قل: قدَّرَ اللَّهُ، وما شاءَ فعلَ، فإنَّ لو تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ).
- الإيمان بأنّ الخيرة فيما اختاره الله، فالله وحده هو الذي يعلم كم صرف من المصائب.
- النجاة من النار ، وذهاب الغم والهم والحزن.