ما هو الظهار
تعريف الظِّهار
يُعرّف الظِّهار في اللغة والاصطلاح كما يأتي:
- تعريف الظِّهار لغةً: الظِّهار في اللغة مصدرٌ، والفعل منه: ظاهر، فيُقال: ظاهر من امرأته؛ أي قال لها: "أنت عليّ كظَهْر أمي".
- تعريف الظِّهار شرعاً: تشبيه الرجل لزوجته، أو لجزءٍ منها، بإحدى النساء المحرّمات عليه تحريماً مؤبّداً، ومثاله: أن يقول الرجل لزوجته: "أنت عليّ كظَهْرِ أمي"، أو "كظَهْرِ أختي"، أو "نِصفُكِ عليّ كظَهْرِ أمي".
حكم الظِّهار
الظّهار مُحرَّمٌ بإجماع العلماء؛ استناداً لعددٍ من الأدلّة، فيما يأتي بيانها:
- قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّـهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ)، فاعتُبر الظِّهار من قول الزور والمُنكر، الذي يعدّ من كبائر الذنوب التي ورد النهي عنها.
- قال -عزّ وجلّ-: (وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ).
- جاء في السنّة النبويّة، من حديث أوس بن الصامت، أنّ زوجته اشتكت للنبي -عليه الصلاة والسلام- مُظاهرة زوجها لها، فأنزل الله -تعالى- سورة المجادلة.
- حرّمت الشريعة الإسلاميّة الظِّهار، وأبطلته، ورتّبت على من ظَاهَرَ زوجته، وأراد العودة إليها، كفّارةً؛ عقوبةً، وزجراً له عن فعله، إذ إنّ الظِّهار مخالفٌ لحقيقة الأمور، كما أنّ فيه ظلمٌ بالزوجة، وإلحاقٌ للضرر بها.
حكم الظِّهار المؤقّت
الظِّهار المؤقّت؛ هو الظِّهار المحدّد بمدّة زمنيّةٍ معينةٍ، كأن يقول الزوج لزوجته: "أنتِ عليّ كظَهْرِ أمي ليومٍ أو لشهرٍ"، واختلف العلماء فيما يترتّب عليه، وذهبوا في ذلك إلى قولين، بيانهما فيما يأتي:
- القول الأول: ذهب جمهور أهل العلم من الحنفيّة، والحنابلة، والشافعيّة إلى القول بجواز التأقيت في الظِّهار، وزوال أثَرِه بانقضاء المدّة المحدّدة، دون ترتّب الكفّارة على الزوج، إلّا أنّ وطأه لها خلال هذه المدّة يُلزِمه الكفّارة، واستدلّوا بما رُوي عن سلمة بن صخر البياضي، أنّه قال: (ظاهَرْتُ مِن امرأتي حتى يَنْسِلَخَ شهرُ رمضانَ، وأَخْبَرَ النبيَّ أنه أصابَ فيه، فأمَرَه بالكفَّارةِ).
- القول الثاني: خالف المالكية جمهور أهل العلم؛ فقالوا بأنّ الظهار يقع، ولكنّه يقعُ مؤبّداً؛ فيسقط التأقيت، ويثبت الظّهار، ولا تحلّ الزوجة به إلّا بأداء الكفّارة، إذ اللفظ يُحرّم الزوجة، ولا يُحدّد بمدّةٍ، قياساً على الطلاق.
أركان الظِّهار وشروطه
بيّن العلماء أركان وشروط الظِّهار، فيما يأتي بيانها:
- الزوج: ويطلق عليه المُظاهِر، ويشترط فيه أن يكون عاقلاً، بالغاً، مُختاراً، وهي ذات الأمور المشروطة في المُطلِّق ليصحّ وقوع الطلاق منه.
- الزوجة: ويُشترط فيها ما يُشترط لوقوع الطلاق عليها، وإن كانت في العدّة من طلاقٍ رجعيٍ، سواءً كان الظِّهار قبل الدخول، أم بعده، ولا يصحّ الظِّهار من الأجنبيّة، كأن يقول الرجل لأجنبيةٍ عنه: "إن تزوّجتكِ فأنتِ عليّ كظَهْرِ أمي".
- الصيغة: والصيغة في الظِّهار إمّا أن تكون صريحةً، أو كنائيةً، ومن أمثلة الألفاظ الصريحة؛ أن يقول الرجل لزوجته: "أنتِ عليّ كظَهْرِ أمي"، أو يقول: "أنتِ معي، أو عندي، أو لي كظَهْرِ أمي"، ومن الألفاظ الصريحة أيضاً؛ قول الرجل لزوجته: "أنتِ عَلَيّ كبَدَن أو جسم أمي"، وكذلك إن ذكر أي جزءٍ من زوجته، كأن يقول: "نِصفُكِ، أو رُبعُكِ"، ومن الصِيغ الكنائيّة؛ أن يقول الرجل لزوجته: "أنتِ عَلَيّ كرُوح أمي، أو رأسها"؛ فحينئذٍ يُنظر في نيّته؛ فإن أراد الظِّهار وقع ظِهارُه، وإن أراد غير ذلك لم يقع، باعتبار الألفاظ الكنائيّة تُفيد الظِّهار، وغيره، كما قد تُستخدم في العُرف لغير الظِّهار، فكان لازماً تحديد النيّة.
- المُشبّه به: وهو الطرف الذي يقع عليه تشبيه الزوجة به؛ كالأمّ، وغيرها من النساء المحرّمات على الزوج حُرمةً مؤبّدةً، سواءً كان سبب التحريم النسب، أو المُصاهرة، أو الرِّضاعة، ويستثنى من ذلك مَن كنَّ حلالاً للزوج في وقتٍ ما قبل التحريم، مثل: زوجة الابن، والمُرضِعَة.
الآثار المترتّبة على الظِّهار
تترتّب عدّة آثارٍ على الظِّهار بتحقّق شروطه، فيما يأتي بيانها:
تحريم استمتاع الرجل بزوجته بسبب الظِّهار
يُحرّم على الرجل الاستمتاع بزوجته بسبب الظِّهار، قبل أداء الكفّارة المترتّبة عليه، سواءً كان الاستمتاع بالوطء، أو بمقدّماته؛ مثل: اللمس، أو التقبيل، أو المباشرة دون الوطء، وعلى ذلك أجمع العلماء، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، ولِما ورد في السنّة النبويّة أنّ رجلاً ظاهر امرأته، ثمّ جامعها قبل أن يكفّر عن مظاهرته لها، فأعلم النبي بذلك، فأمره بالاستغفار ، وعدم العودة إلى ذلك الفعل حتى يكفّر عن مظاهرته لامرأته؛ يدلّ ذلك على حُرمة الوطء بعد الظِّهار قبل التكفير عنه، ووجوب الاستغفار عن الظِّهار؛ ممّا يدلّ على أنّه ذنبٌ محرّم الارتكاب، كما أنّ مُطلق النهي يدلّ على تحريم الأمر المنهي عنه؛ أي تحريم العودة إلى الوطء بعد الظهار، دون التكفير عنه.
أما دواعي ومقدّمات الوطء؛ فأهل العلم في المسألة على قولين، وبيانهما فيما يأتي:
- القول الأول: قال الحنفيّة، وأكثر المالكيّة، ورواية عن الإمام أحمد؛ بتحريم دواعي ومقدّمات الوطء قبل أداء كفّارة الظِّهار، وقد استدلّوا على ذلك بقول الله -تعالى-: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا)، ووجه الاستدلال من الآية أنّ لفظ (التماس) الوارد فيها يدلّ على اللمس باليد، أو بغيرها من أعضاء الجسم، ولأنّ الوطء مُحرّمٌ قبل الكفّارة، فإنّ الدواعي إليه، كاللمس، والتقبيل، والمباشرة دون الفرج مُحرّمةٌ؛ إذ إنّها تؤدّي إليه، كما نصّت القاعدة الشرعيّة: "ما أدّى إلى الحرام حرامٌ".
- القول الثاني: قال الشافعيّة، وبعض المالكيّة، والإمام أحمد بن حنبل في رواية عنه؛ بإباحة دواعي ومقدّمات الوطء، وعدم تحريمها قبل أداء كفّارة الظِّهار، وقد استدلّوا على ذلك بأنّ المقصود من التماس المحرّم قبل التكفير عن الظِّهار هو: الجِماع بين الرجل وزوجته، ودليلهم في ذلك قول الله -تعالى- في الآية الأخرى: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ)، فقالوا إنّ المقصود باللمس في الآية: الجِماع، كما استدلّوا على إباحة دواعي الوطء قبل التكفير عن الظِّهار بإباحتها أثناء الحيض والنفاس ، مع تحريم الوطء في مدّتهما؛ بالنظر إلى أنّ الوطء مُحرّمٌ في الحيض والظِّهار.
أداء كفّارة الظِّهار
يلزم الزوج الذي ظاهر زوجته أداء كفّارةٍ واحدةٍ ؛ للتكفير عن ذنبه، قال الله -سبحانه-: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الكفّارة لا تسقط عن المُظاهر بأيّ حالٍ، وإن وَطِئ زوجته قبل أدائها، كما استدلّوا بما رُوي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: (أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، قَد ظاهرَ منَ امرأتِهِ فوقعَ علَيها، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، إنِّي ظاهَرتُ منَ امرأتي فوَقعتُ قبلَ أن أُكَفِّرَ، قالَ: وما حَملَكَ على ذلِكَ يرحَمُكَ اللَّهُ؟ قالَ: رأيتُ خُلخالَها في ضوءِ القمرِ، فقالَ: لا تَقرَبْها حتَّى تفعلَ ما أمرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ)، فالمرأة التي ظاهرها زوجها تبقى مُحرّمةٌ عليه، وإن وقع الوطء قبل التكفير، ولا تُرفَع الحُرمة عنه إلّا بأداء الكفّارة.
مشروعيّة كفّارة الظِّهار
ثبتت مشروعيّة الكفّارة من الظِّهار في القرآن الكريم، والسنّة النبويّة المُطهّرة، وفيما يأتي ذِكر الأدلّة:
- قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
- ما جاء في السنّة النبويّة من قول خولة بنت ثعلبة: (ظاهرَ منِّي زَوجي أوسُ بنُ الصَّامتِ فَجِئْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أشكو إِليهِ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يجادِلُني فيهِ ويقولُ اتَّقي اللَّهَ فإنَّهُ ابنُ عمِّكِ فما بَرِحْتُ حتَّى نزلَ القرآنُ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا إلى الفَرضِ فقالَ يُعتِقُ رقَبةً قالَت لا يَجِدُ قالَ فيَصومُ شَهْرينِ مُتَتابِعَينِ قالَتْ يا رسولَ اللَّهِ إنَّهُ شيخٌ كبيرٌ ما بهِ مِن صيامٍ قالَ فَليُطعِمْ ستِّينَ مِسكينًا قالَتْ ما عندَهُ مِن شيءٍ يتَصدَّقُ بهِ قالَت فأُتِيَ ساعتَئذٍ بعَرَقٍ من تَمرٍ قُلتُ يا رسولَ اللَّهِ فإنِّي أعينُهُ بِعَرَقٍ آخرَ قالَ قد أحسَنتِ اذهَبي فأطعِمي بِها عنهُ ستِّينَ مسكينًا وارجِعي إلى ابنِ عمِّكِ قالَ والعَرَقُ ستُّونَ صاعًا).
صفات كفّارة الظِّهار
بيّن العلماء صفات كفّارة الظِّهار كما حُدّدت في كتاب الله ، وسُنّة نبيّه بثلاثة أنواعٍ تُؤدّى وِفق الترتيب، بحيث لا يتمّ الانتقال إلى الأخرى إلى حين العجز عن أداء التي قبلها، وبذلك تُؤدّى كفّارة الظِّهار المُتوجّبة في حقّ من ظاهر زوجته باتّفاق العلماء، وهي على الترتيب:
- تحرير رقبةٍ.
- صيام شهرَين متتابعَين.
- للمزيد من التفاصيل عن كفارة صيام شهرين متتابعين الاطّلاع على مقالة: (( صيام شهرين متتابعين )).
- إطعام ستّين مسكيناً إن تحقّق العجز عن الصيام.
وقت كفّارة الظِّهار
لا تجب كفّارة الظِّهار قبل العودة عنه؛ فإن مات أحد الزوجين المتظاهرَين، أو وقعت الفُرقة بينهما فلا كفّارةٌ؛ إذ إنّها متعلّقةٌ بالعودة؛ استدلالاً بقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، وبقياس الظِّهار على اليمين، فكما أنّ اليمين لا تترتّب الكفّارة عليها إلّا بالمخالفة، فإنّ كفّارة الظِّهار لا تتحقّق إلّا بالعودة عنه، وتجدر الإشارة إلى أنّ العلماء اختلفوا في تفسير العودة عن الظِّهار؛ وبيان أقوالهم في ذلك آتياً:
- القول الأول: قال الحنفيّة، والمالكيّة بأنّ العودة عن الظِّهار تكون بالعزم على الجِماع ، أو إرادته.
- القول الثاني: قال الشافعيّة بأنّ المقصود بالعودة عن الظِّهار إمساك الزوجة مدّةً من الزمن يُمكن وقوع الطلاق فيها؛ لأنّ الظِّهار يجعل الزوجة بائنةً من زوجها، فترجع بإمساكها، إذ إنّه شبّه زوجته بأمّه؛ ممّا يعني أنّه غير مُمسكٍ لها، فيُراجعها بإمساكها.
- القول الثالث: قال الحنابلة بأنّ العودة عن الظِّهار تكون بالوطء؛ إذ إنّ مَن ظاهر زوجته كأنّه حلف يميناً على عدم جِماع زوجته، فيُراجعها بفعل ما حلف عليه، ولا تتحقّق العودة بالكلام؛ لأنّها ستُناقض حينها ألفاظ الظِّهار.
منع الزوجة زوجها من الوطء قبل أداء كفّارة الظِّهار
يحقّ للزوجة منع زوجها من وطئها قبل أداء كفّارة الظِّهار، كما يثبت حقّها في المطالبة بالوطء؛ باعتباره من حقوقها الزوجيّة الواجبة على الزوج؛ بأن يُؤدّي الزوج الكفّارة، فإن امتنع، فإنّه يحقّ للزوجة رفع أمرها للقاضي؛ بسبب وقوع الضرر عليها؛ بامتناع زوجها عن أداء الكفّارة، وبالتالي فوات حقٍّ من حقوقها.
انتهاء حكم الظِّهار
ينتهي الظِّهار، وينحلّ بتحقّق ثلاثة أمورٍ، بيانها فيما يأتي:
- أداء كفّارة الظِّهار التي حُدّدت بنصوص القرآن، والسنة ، والتي تمّ بيانها سابقاً.
- انتهاء مدة الظِّهار إن كان مؤقّتاً، وذلك بالنسبة لمن قال بجوازه، وصحّته، وانتهائه بانتهاء المدّة.
- وفاة أحد الزوجين، أو كليهما؛ لأنّ الظِّهار مُتعلّقٌ بكليهما، ولا يُتصوَّر وجوده بغياب أحدهما.