بحث عن غزوة الأحزاب
سبب الغزوة وتاريخها
اتّفق العُلماء على أن السبب المُباشر لحدوث غزوة الخندق؛ هو الحقد والحسد الذي أضمره يهود بني النضير بعد إجلاء النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم من المدينة، فبدأوا ينتظرون الفُرص للتشفّي والانتقام منه، وكان سبب إجلائهم ما فعلوه من التّحريض على المُسلمين، وذلك بعد أن قدِم بعض أشراف يهود بني النضير الذين أجلاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى خيبر؛ كحُييّ بن أخطب، وسلام بن مشكم، وغيرهم، فاجتمعوا بأشراف قُريش، وحرّضوهم على حرب المُسلمين والرسول -صلى الله عليه وسلم-، ووعدوهم بإعانتهم ونُصرتهم، فقالوا: "إِنَّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُ"، فوافقت قُريش على ذلك، وقالت لهم: يا معشر اليهود، إنكم أهل كتاب، أفدينُنا خيرٌ أم دينه؟ فقالوا: دينكم أفضل، فنزل قول الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا)، ثُم ذهب اليهود إلى تحريض غطفان على المُسلمين، فاستجابوا لهم أيضاً وخرجوا معهم، وقد كانت هذه الغزوة في شوّال من السنةِ الخامسةِ للهجرة.
سبب تسمية غزوة الأحزاب ومسمياتها
سبب تسمية غزوة الأحزاب
سُمّيت غزوة الأحزاب بهذا الاسم؛ بسبب استجابة المشركين لدعوة أشراف بني النضير في الحرب على الإسلام، فقد خاب المشركون من القضاء على الإسلام والمُسلمين في غزوة أُحد، وكذلك بسبب استجابة غطفان معهم، فقال الله -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، وأمّا تسمية الغزوة بالخندق؛ فهو لأن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أخذ برأي سلمان الفارسي في حفر خندقٍ حول المدينة، حتى يكون بينهم وبين المُشركين، لعدم قُدرة المُسلمين على قِتالهم لكثرة أعدادهم.
الأحزاب المشاركة في غزوة الأحزاب
كانت الأطراف المُحاربة للنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق تتكوّن من خمسة أصناف، وهم: مُشركو أهل مكّة، ومُشركو القبائل العربيّة، واليهود من خارج المدينة، وبنو قُريظة، والمُنافقون.
أعداد المسلمين وشُهدائهم و المشركين وقتلاهم
يمكن بيان وتوضيح أعداد المسلمين والشهداء، وأعداد المشركين والقتلى منهم في غزوة الأحزاب فيما يأتي:
- أعداد المسلمين: بلغ عدد المُسلمين الذين خرجوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- قُرابة ثلاثة آلاف مُقاتل، وبلغ عدد الصحابة الذين استُشهدوا فيها ثمانية، وكان منهم زعيم الأوس سعد بن مُعاذ -رضي الله عنه-، حيث أُصيب في أكحله، وبنى له المُسلمون خيمةً في المسجد، ومات بسبب جُرحه.
- أعداد المشركين: بلغ عدد المُشركين قُرابة عشرة آلاف مُقاتل، وكان أربعةُ آلافٍ منهم من قُريش وأحابيشها، ومن تبعهم من عرب كِنانة وأهل تِهامة، وقادوا معهم ثلاثمئة فرسٍ، وألفاً وخمسمئة بعيرٍ، وسبعمئة مُقاتلٍ من بني سليم، وألف مُقاتلٍ من قبائل غطفان، وأربعمئة مُقاتلٍ من بني مُرّة، وأربعمئة مقاتلٍ من بني أشجع، وخرج معهم قومٌ آخرون، وقُتل من المُشركين ثلاثة رجال، وهم: عمرو بن عبد ودّ العامريّ، وابنه حسل، ونوفل بن عبد الله المخزوميّ.
مجريات غزوة الأحزاب
تآمر المُشركون ومن كان معهم على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابِه، واتّجهوا نحو المدينة ، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأخذ مشورة سلمان بحفر الخندق من جهة الشمال؛ وذلك لأن الجبال والبساتين تُحيط بها من جميع جوانبها ما عدا جهة الشمال، وهجوم المُشركين عليها يكون من هذه الجهة، ولمّا وصل الأعداء إلى المدينة، فُوجِئُوا بوجود الخندق، فذهب زعيمهم حُييّ بن أخطب إلى الجهة الجنوبية التي لم يكن فيها الخندق، وكان يسكُنها بنو قريظة، فحرّض بني قُريظة على نقض عهدهم مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فرفض زعيمهم ذلك في البداية، لكنه وافق في النهاية بعد أن أغراه بقوة الأحزاب وعددهم والأسلحة التي معهم، وطمْأَنه بأنّ النصر سيكون معهم، فأشار النبي -عليه الصلاة والسلام- مُصالحتهم على ثُلث ثمار المدينة، لكن الأنصار رفضوا ذلك؛ لِعزّة الإسلام وأهله، وبدأ القتال بدخول بعض المُشركين من زوايا الخندق الضيّقة، وقتلهم المُسلمون.
وجاء نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بإسلامه، وأخفاه عن قومه، فقال له النبيّ أن يُخذِّل عنهم ويحميهم بقدر ما يستطيع، فإن الحرب خدعة، ففرّق بين المُشركين وحُلفائهم وبين بني قُريظة، وأوقع الشكّ بينهم، فسأل قريش هل يسمعوا كلامه ويقبلوا بنصيحته لثقتهم به، فأجابوه بالقبول، فقال لهم إن اليهود ندموا على نقض العهد الذي كان بينهم وبين النبيّ والمسلمين، وأنّهم تواصلوا معه لأخذ رهائن من قريش عوضاً عن ذلك، ثمّ يجدّدوا العهد معهم، وطلب نعيم من قريش ألا يستجيبوا لهم ويعطوهم الرهان، ثم ذهب إلى غطفان، فقال لهم مثل ذلك، فأرسل الله -تعالى- عليهم ريحاً شديدةً وباردةً، فقُلِبت قُدورهم وخيامهم، وشعر المُشركون بالرُّعب، وارتحلوا من مكانهم، وقد قال الله -تعالى- واصفاً هذا المشهد في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا).
نتائج غزوة الأحزاب
انتهت غزوة الأحزاب بنصر الله -تعالى- للمؤمنين بالرغم من قلّة عددهم، وأيّدهم بِجُندٍ من عنده، وأمدّهم بالثبات والطّمأنينة، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)، وكانت غزوة الأحزاب عبارةً عن معركة أعصاب ولم تكن معركة خسائر؛ لأنه لم يجري فيها قتالٌ كبيرٌ، فانتهت بتخاذل المُشركين، وقَويت شوكة المُسلمين، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (الآنَ نَغْزُوهُمْ ولَا يَغْزُونَنَا، نَحْنُ نَسِيرُ إليهِم).