ما هو الحق
الحَقّ
يُعرَّف الحَقّ لغة بأنّه الشيء الثابت دون أدنى شكّ، ويُجمَع على حُقوق، وحِقاق، والحَقّ هو اسم من أسماء الله الحُسنى، ويُعرّف الحَقّ أيضاً بأنّه ما يناقِضُ الباطل، وهو الأمر الثابت الذي لا يمكن إنكارُه، وقد وردَ عن الجرجانيّ أنّ الحَقّ يُستخدَم للشيء الصواب، فيُقال: (قول حَقٍّ وصواب)، ولذا يمكن القول بأنّ الحَقّ في اللغة يدورُ حول العديد من المعاني كالوجوب، والصدق ، والصواب، والموافقة للواقع، والثبوت، ويأتي الحَقّ بمعنى اليقين، إذا جاء بصيغته المُضارعة بضَمِّ الحاء، أي حَقَّ، يَحُقُّ.
أمّا تعريف الحَقّ اصطلاحاً، فقد اختُلِف عليه، حيث ذَكَر أهل الأصول أنّ له أكثر من معنىً واحدٍ، حيث قد يعني الحُكْم الذي يُطابِق الواقع، وعادة ما يُطلَق على العقائد، والمذاهب، والأديان؛ وذلك لشموليّتها، وقد يكون بمعنى الشيء الواجب الثابت، وكلمة الحَقّ عند الفُقَهاء تُطلَق على العديد من الأمور، فمن الممكن مثلاً أن تُطلَق على مختلف الحقوق الشخصيّة المُرتبِطة بالعلاقات الأُسريّة، مثل: حَقّ الزوج على زوجته، وحَقّ الزوجة على زوجها ، وحقوق الأولاد، وما إلى ذلك، كما يُطلَق على الأمور المُتعلِّقة بالالتزام تِجاه الأشخاص، مثل حَقّ الراعي على الرعيّة، وغيرها من الحقوق العامّة، وتُستخدَم لَفْظة الحَقّ أيضاً فيما يتعلَّق بالحقوق الماليّة، والحقوق المُجرَّدة المُختلفة، مثل: حَقّ الحضانة، وحَقّ الانتفاع، وغيرها، بالإضافة إلى استخدامه في ما يتعلَّق بالعقار، مثل: حَقّ الطريق، وحقوق الجِوار، والالتزام بالعقود المُختلفة، كما قد يتعلَّق الحَقّ بأمورٍ أخلاقيّة، أو إنسانيّة.
الحَقّ في الفِقه الإسلاميّ المُعاصر
صدرت عن الفُقَهاء المسلمين المعاصرين تعاريف عديدة ومُتنوِّعة للحَقّ تِبعاً لتنوُّع، وتعدُّد اتّجاهاتهم، فمنهم من عَرَّف الحَقّ بأنّه المصلحة، ومنهم من عَرّفه بأنّه الشيء الثابت، ومنهم من عَرّفه بالاختصاص، وكان من أشهر هذه التعاريف، تعريف الدكتور فتحي الدرينيّ، حيث قال في الحَقّ إنّه: (اختصاصٌ يُقِرّ به الشارع سُلطةً على شيءٍ، أو اقتِضاءُ أداءٍ من آخَر تحقيقاً لمصلحة مُعيَّنة)، ولشرح هذا التعريف يجب التطرُّق إلى معنى (الاختصاص)، حيث يُقصَد به الانفراد بشيء ما، أو الاستئثار به، إذ تنشأ بذلك علاقة بين المُختَصّ والمُختَصّ به، والمُختَصّ إمّا أن يكون شخصاً له حَقّ، أو أن يكون الله سبحانه وتعالى، وقد يكون شخصاً معنويّاً، كالدولة مثلاً، وعندما يُذكَر الاختصاص تخرج بذلك جميع الأمور التي لا اختصاص فيها من دائرة التعريف، وهي الأمور المُتاحة والمسموحة للجميع، كالصيد مثلاً.
أمّا ما (يُقِرّ به الشارع)، فيقصَد به خروج أيّ اختصاص واقعيّ وغير شرعيّ، مثل: السارق، أو الغاصب، فاختصاص الغاصِب بالمغصوب يُعتبَر أمراً واقعيّاً، لكنّه غير شرعيّ؛ حيث إنّ الشارع لا يُقِرُّ سُلطة الغاصِب على المغصوب، بل يجب أن يَردَّ الغاصِب ما اغتصبَه منه، أمّا في قوله (سُلطة على شيء، أو اقتضاء أداء من آخر)، فهو يعني أنّ السُّلطة مُلازِمة بشكل دائم للاختصاص الذي أقرَّه الشَّرع، فقد تكون مُختَصّة بأمر مُحدَّد، مثل الحَقّ العينيّ، ومنه حَقّ المُلكيّة، أو أن تكون لشخص ما، وتكون مُنصَبَّة على اقتضاء الأداء من شخص آخر، كالعلاقة بين الدائن والمدين، فهي علاقة التزاميّة، والأداء المقصود في التعريف، إمّا أن يكون إيجابيّاً، كأن يؤدّيَ المرء عملاً مُعيَّناً، أو أن يكون سلبيّاً، كالتوقُّف عن أداء المَرء للعمل المطلوب منه.
وجُملة (تحقيقاً لمصلحة معينة) تعني أنّ الحَقّ مُقيّدٌ بما يُقرُّه الشَّرع، أي أنّ الحَقّ يكون للاختصاص المشروع؛ ويكون ذلك لتحقيق مصلحة مُحدَّدةٍ يُطلَب تحقيقُها شَرعاً، وتنتهي صِفة المشروعيّة عن الاختصاص الشرعيّ في حال استخدَمَ المَرء حَقّه لتحقيق غاية غير مشروعة، مثل محاولة تحليل الربا من خلال بَيع السِّلعة بثمن آجل، ثمّ شرائها بأقلّ من ذلك الثمن في الحال، ويُلاحَظ أنّ هذا التعريف شامل لمختلف الحقوق الدينيّة، مثل حَقّ الله تعالى على عباده، كالصلاة، والصيام ، وغيرها من العبادات المختلفة، بالإضافة إلى الحقوق الأخرى الأدبيّة، والأسريّة، وحقوق الدولة على الرعايا، والحقوق الماليّة، وغير الماليّة أيضاً.
الحَقّ في القانون
ظهرت آراء عديدة للفُقَهاء حول تعريف الحَقّ القانونيّ، ولم يتّفقوا على تعريف واحد واضح يُحدِّد ماهيّة الحَقّ في القانون، حيث ظهرَت عِدّة اتّجاهات ومذاهب في تعريفه، وفيما يأتي نبذة عن كلٍّ منها:
المذهب الشخصيّ
ويتمثّل هذا المذهب في الإرادة، وقد جاء به المُؤرِّخ والفقيه سافيني (بالإنجليزيّة: Savigny)، حيث عَرّف الحَقّ بأنّه: قدرة أو سلطة إراديّة تثبت للشخص، يكتسبها من القانون ، وفيه يُنظَر إلى الحَقّ على أنّه أمر شخصيّ يُلازِم صاحبَه، والجدير بالذِّكر أنّ هذا المذهب تمّ انتقادُه بشكل كبير؛ إذ إنّه يَربطُ الحَقّ بالإرادة، وبذلك فهو يعطيه للشخص العاقل صاحب الإرادة ، إلّا أنّ الحَقّ ليس مُقتصِراً عليه، فللمجنون حَقّ، وللصبيّ حَقّ، حتى أنّ الجنين له حَقّ، كما أنّ الحَقّ قد يَثبُت للشخص وهو غائب، مثل حَقّ الإرث.
المذهب الموضوعيّ
ويَرتبطُ الحَقّ بالمصلحة بناءً على هذا المذهب، والذي جاء بهذا المذهب هو الفقيه الألمانيّ أهريج (بالإنجليزيّة: Jhering)، حيث عَرّف الحَقّ بأنّه المصلحة التي يحميها القانون، والحَقّ في هذا المذهب يتشكّل من عنصرين: أحدهما موضوعيّ، والآخر شكليّ، فالعنصر الموضوعيّ يعني: أنّ المصلحة ترجع دائماً لصاحب الحَقّ، سواء كانت ماديّة، أم معنويّة، أمّا العنصر الشكليّ: فيظهر في الحماية القانونيّة التي يدافع من خلالها صاحب الحَقّ عن حَقِّه.
أمّا انتقاد هذا المذهب فقد كان بسبب اعتِبار المصلحة المعيارَ الذي يُوجَد الحَقّ على أساسه، كما بَيَّن أنّ المصلحة هي الغاية من الحقّ، حتى وإن كان الناتج عن الحَقّ مصلحة، فالعكس ليس صحيحاً، أي أنّوجود مصلحة لا يعني بالضرورة وجود حَقّ، ومن الأمثلة على ذلك أنّه قد تُوجَد مصلحة من فَرْض رسوم جُمركيّة على البضائع الأجنبيّة الواردة إلى بلدٍ ما، وتتمثّل المصلحة لصاحبها في الحدِّ من المُنافَسة التي تُسبِّبها البضائع الأجنبيّة لبضائعه في حال دخولها دون رسوم، إلّا أنّ ذلك لا يَمنحُه الحَقّ في فَرْض الرسوم عليها بنفسه.
المذهب المُختلط
وفي هذا المذهب تمّ تعريف الحَقّ على أنّه سُلطة إراديّة يَعترفُ بها القانون ، ويتولّى حمايتَها، إلّا أنّ هذا المذهب تمّ انتقاده، كما تمّ انتقاد المذهب الموضوعيّ، والمذهب الشخصيّ.
النظريّة الحديثة
أمّا النظريّة الحديثة في تعريف الحَقّ، فقد جاء بها الفقيه الفرنسيّ دابان (بالإنجليزيّة: Dabin)، وقد أثَّرت على العديد من الفُقَهاء، حيث تمّ تعريف الحَقّ بناءً عليها بأنّه عبارة عن مِيزة يُقِرُّها القانون لصالح شخص مُعيَّن، ويتمّ حماية هذه المِيزة بمُوجب القانون، كما أنّها تمنحُ صاحبَها حرّية التصرُّف بشكل مُتسلِّط في كلّ ما يمكنه أن يستأثرَ به، بموجب مُلكيّته له.