ما هو الحديث الصحيح
الحديث الصحيح
يُعرف الحديث الصحيح المُتّفق على صحّته عند جميع المُحدّثين بأنّه الحديث مُتّصل السند، بنقل العدل الضابط عن مثله من أول السند إلى آخره من غير شُذوذٍ ولا علّة، ففي حال توفّرت هذه الشُّروط في الحديث يُسمّى عندها بالصحيح أو الصحيح لذاته، وإن تخلّف شيءٌ من الشروط الموجودة بالتّعريف؛ فإنّ الحديث لا يكونُ عندها حديثاً صحيحاً.
أقسام الحديث الصحيح
يُقسم الحديث الصحيح إلى قسمين، وبيانُهما فيما يأتي:
- القسم الأول: الصحيح لذاته: وهو الحديث الذي توفّرت فيه جميع شُروط الحديث الصحيح الواردة في التّعريف، وسيأتي بيانُ الشُّروط في المبحث اللّاحق.
- القسم الثاني: الصحيح لغيره: وهو الحديث الذي يوجد فيه قُصورٌ في بعض الشُروط الواجبة في الحديث الصحيح؛ كالضبط مثلاً، ولكنّ هذا القُصور يُجبر بتعدّد طُرقه، وقيل: هو الحديث الحسن عند تعدُّدِ طُرقه، فمثلاً إذا جاء حديثٌ له أكثر من إسناد، وكل إسنادٍ منه فيه راوٍ خفيف الضّبط، فيُسمّى عندها حديثاً صحيحاً لغيره، حيثُ إنّ أسباب القوة والصحة فيه جاءت من خارجه.
شروط الحديث الصحيح
توجد العديد من الشُروط الواجب توفرها في الحديث حتى يكون صحيحاً، وإن تخلّف شرطٌ منها فلا يوصف بالصحة عندها، وهذه الشروط هي:
- الاتّصال: وهو أن يكون كُلّ راوٍ قد تلقّاه عمّن هو فوقه من الرّواة إلى أن يبلُغ الحديث قائله، وذلك بصيغةٍ من صيغ التحمُّل الصّريحة بالسماع، كقوله: سمعتُ فلاناً، أو الألفاظ الصّريحة بالاتصال دون السماع، أو المُكاتبة، أو الألفاظ المُحتملة للسماع احتمالاً راجحاً؛ كالعنعنة، فيخرُج بذلك الحديث المُرسل ، والمُنقطع بأيّ نوعٍ من أنواع الانقطاع؛ كالمُعضل، والمُدلّس، والمُعلّق.
- العدالة في جميع الرواة: وهي ملكةٌ تحثُّ صاحبها على التقوى والطّاعة، وتُبعدهُ عن المعاصي وكُلّ ما يخلُّ بالمروءة، فتخرُج بذلك رواية الفاسق المعهود عنه الكذب بالحديث، أو الفسق بالمعاصي التي لا يدخُلها تأويل؛ كشُرب الخمر ، وكذلك مَن يدّعي سماع ما لم يسمعه، ورواية غير المسلم. وممّا لا يقدح في شرط العدالة؛ فعل المُباحات المُجرّدة عن المُخالفات، وما جرى العرف على العيب فيها، وفعل الصغائر من الذُنوب؛ لانتفاء العصمة، وفعل المعاصي بالتّأويل منه؛ لاعتقاده إباحتها، وكذلك البدعة غير المُكفّرة لصاحبها؛ لاعتقاده الحقّ في ذلك.
- الضبط التام في جميع الرّواة: وذلك من خلال حفظ الراوي للحديث إمّا في صدره أو كتابه، وأن يكون قادراً على استحضاره عند الأداء، ويخرُج بذلك من يكون غافلاً، وقد ذهب ابنُ حِبّان إلى اشتراط الفقه في الراوي، وأمّا باقي المُحدثين فلا يعتبرون الفقه شرطاً فيه.
- عدم الشُذوذ: والشذوذ هو مُخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق وأحفظ منه؛ لأنّه إذا خالفه من هو أولى منه بقوة حفظه كان مقدّماً عليه، فيكون الراوي مجروحاً، ويُحكم على الحديث بِالشُذوذ.
- عدم العلّة: وقد ذهب بعضُ المُحدثين إلى جعل هذا الشرط وشرط عدم الشُذوذ شرطاً واحداً، ومعنى هذا الشرط: أن يكون الحديث سالماً من العِلل القادحة فيه، وهي وصفٌ خفيّ يقدح في الحديث مع أنّ الظاهر السلامة منها، ويخرُج بذلك الحديث المُعلّل، وتظهر العلّة في الحديث من خلال تتبّع رواياته وطُرقه.
حجيّة الحديث الصحيح
اتفق الفُقهاء والمُحدثين والأُصوليين على حُجيّة الحديث الصحيح ووجوب العمل به، سواءً كان مُتواتراً أو رواه راوٍ واحد، وهذا من الأُمور البديهيّة الفطريّة، حيثُ يُعوِّل الإنسان في شؤونه على ما يصله من أخبار من إنسانٍ واحدٍ موثوق بصدقه، واتفق العُلماء على وُجوب العمل بالحديث الصحيح إن كان آحاداً في الحلال والحرام، وتعدّدت آراؤهم في العمل به في العقائد، والأصل العمل به؛ لأنّه حديثٌ صحيحٌ يُفيد العلم القطعيّ فيوجب الاعتقاد، وهو قول أهل السُّنة.
ومما يدُلّ على وُجوب العمل به قوله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وكذلك قول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-: (عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدِينَ الهادِينَ عَضُّوا عليها بالنواجِذِ)، كما استدلّ العلماء بالآيات والأحاديث التي توجب طاعة النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، ووجوب اتّباع سُنته، والعمل بها، والأخذ بها.