ما معنى زواج عرفي
معنى الزواج العُرفيّ
العُرفيّ لغةً هو: اسمٌ منسوبٌ إلى لفظ (العُرف)، والعُرفُ عند العرب هو: العِلم بالشيء، أو الشيء المعروف؛ فيُقال: عرفَه يعرفُه معرفةً وعرفاناً واعترافاً فهو معروفٌ؛ ويُقال: عرّفه الخبر؛ أي أعلمه به أو خبّره إيّاه؛ فالتعريف عكس الإنكار؛ فالشيء المعروف هو الشيء الذي ترتاح إليه النفسُ، أمّا في الاصطلاح؛ فهو: ما تعارف الناسُ عليه وألِفوه وعرفوه، من قولٍ أو فعلٍ أو تركٍ، وذلك في زمنٍ ما من الأزمان، أو عصرٍ معيّنٍ من العصور؛ ويُسمّى في اصطلاح العلماء العادة؛ وقد يكون العُرف مشروعاً أو غير مشروعٍ، وقد جاءت تسمية الزواج العُرفيّ بهذا الاسم؛ لأنّ النّاس اعتادوا عليه وألِفه المجتمع، وذلك من عصر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وأصحابه -رضي الله عنهم-، إلى ما يليه من عصورٍ متتابعةٍ؛ فلم يكن وقتئذٍ المسلمون يهتمون بتوثيق عقود الزّواج، وإنّما كان عُرفاً أقرّه الشّرع، واعتادت الناس عليه، وسكنت النُّفوس إليه؛ إلّا أنّه مع تغيّر الحال وتبدُّل المآل أصبحت الحاجة إلى توثيق العقود ماسّةً؛ بكتابته رسميّاً، وبطبيعة حال البشر من عدم الالتزام بالأوامر واجتناب النواهي بقيَ ذلك الشكل من الزواج سائداً من غير توثيقٍ ولا كتابةٍ، إلّا أنّه غير ذلك في بعضٍ من صُوره، وعليه فإنّ الزّواج العُرفيّ له صورتان، وهما:
- الصّورة الأولى: الزواج العُرفيّ هو: مصطلحٌ حديثٌ أُطلق على عقد الزواج الغير موثقٍ بوثائق رسميّةٍ معيّنةٍ، سواءً كانت مكتوبةً أو غير مكتوبةٍ، أو هو عقد الزواج الذي كمُلت شروطه، ولم يوثَّق بصورةٍ شرعيّةٍ، أو بوثيقةٍ رسميّةٍ.
- الصّورة الثانية: الزواج العُرفيّ هو: الزواج الذي يتمّ بين الزّوج والزّوجة، بإيجابٍ وقبولٍ وبحضور شاهدَيْن مستأجرَيْن أو بعدم حضورهما، ومن ثمّ يُوقّعان باسمَيْهما على ورقةٍ عرفيّةٍ فحسب، دون إشهارٍ ولا إعلانٍ عن الزّواج، وبسريّةٍ تامّةٍ، فلا يعلم به إلّا الزّوجين أو الشّاهدَيْن المستأجرَيْن إن وُجدا؛ دون علمٍ من الأهل والأصدقاء، أي دون إشهارٍ له.
حكم الزواج العُرفيّ
يختلف حكم الزواج العُرفيّ بحسب صورته، وبيان ذلك آتياً:
- حكم الصّورة الأولى: زواجٌ صحيحٌ ؛ وذلك لاستكماله الأركان والشّروط المعتبرة في صحّة العقد، وتترتّب عليه أحكام الزواج، وآثاره الشّرعيّة، وتثبت به جميع الحقوق؛ إلّا أنّه من الأفضل توثيقه لحفظ تلك الحقوق.
- حكم الصّورة الثانية: زواجٌ باطلٌ باتّفاق أهل العلم؛ لكونه غير مستكمل الأركان والشّروط؛ من وليٍّ وشهودٍ، وإعلانٍ وإشهارٍ، وهو من جنس السِّفاح كما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فقد قال الله -تعالى-: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ).
سمات الزواج العُرفيّ
يتسمّ الزواج العرفيّ بعدّة سماتٍ يُعرَف ويتميّز بها، يُذكر أنّ الزواج العُرفيّ:
- يتمّ في شتّى أحواله دون كتابة وثيقةٍ موثوقةٍ رسميّةٍ، فتوثيق العقود أمرٌ نظاميٌّ يحفظ الحقوق، ويحمي العباد والبلاد من شرّ الفِتن، ولعقد الزواج أهميّته في دفع المخاطر، ودَرء الشُّبهات، والدعاوى الكاذبة.
- يتمّ في الغالب بالخفاء والإسرار؛ تلبيةً لأعراضٍ شخصيّةٍ، أو لأمورٍ غير مشروعةٍ سواءً في الشّرع أو في القانون، أو كليهما معاً.
- يتمّ دون وليٍّ ودون علمه، ممّا في ذلك فَرطٌ للحقوق وإخلالٌ بها، وهدمٌ للبناء الأُسريّ؛ الذي يعدّ أساس الحياة، وقد أقرّت الشريعة على أهميّته، وفيه مضيعةٌ للكثير من الأخلاق الحميدة، وسلبٌ للعادات والأعراف السامية في المجتمعات.
- يتمّ في أغلب أحواله دون شهودٍ؛ وبعبارة الزّوج والزّوجة فحسب، أو بحضور عددٍ معيّنٍ، وقد يُقصد منه المتعة فقط.
- يتمّ دون الإعلان والإشهار؛ فقد حثّت الشّريعة الإسلاميّة عليه، وذلك ما يُميّز النكاح في الشريعة.
أضرار الزواج العُرفيّ
تتعدّد الأضرار الناجمة عن الزواج العُرفيّ؛ ومن أهمّها:
- تداخل الأنساب واختلاطها؛ ممّا يؤدي إلى ضياع الأطفال وشتاتهم؛ بحيث لا يتم توثيق العقد بصورةٍ رسميّةٍ تضمن حفظ الحقوق والأنساب؛ فضياع الورقة العرفيّة تجعل الزواج كأنّه لم يكن، فلا يُعترَف به أبداً.
- الفَقْد والإخلال في حقوق الزّوجة؛ كنفقة الاستمتاع، والنفقة الدائمة، والنفقة المعيشيّة، والميراث ، وغيرها من الحقوق.
- الفساد في الأرض؛ وذلك لأنّ أساس الزواج العُرفيّ قائمٌ الخفاء والسريّة، وعدم توافر شرط الإشهار والإعلان فيه.
الحكمة من كتابة عقد الزواج
كان يُكتفى قديماً بتوثيق عقد الزواج بألفاظٍ مُعيّنةٍ، ومن ثمّ توثيقه بالشّهادة، إذ لم يكونوا يروَا ضرورةً لتوثيقه بالكتابة، وما أن تغيرت الأحوال وتطوّرت سُبُل الحياة، وتحقّقت الخشية من أن يُعرِض عارضٌ كالغفلة أو الّنسيان أو الموت مثلاً؛ وممّا اقتضى التّماشي مع تغيّر أحوال تدوين العقود؛ غدت الحاجة لتوثيقه بالكتابة أمراً مُلحّاً، وأُلزمت بالعقود بالتوثيق، وبالتنظيم وفق سَيرٍ معيّنٍ؛ حيثُ بدأت كتابة عقود الزواج بالتزامن مع تأخير المهور في كثيرٍ من الأحيان، واعتُبرت هذه العقود التي يُوثِّقون فيها مُؤخّر المهور وثيقةً لصحّة وإثبات عقود الزواج، ثمّ تمّ الإلزام بتوثيق عقود الزواج، وشُرِع توثيق العقود عموماً لمصالح كثيرةٍ في حفظ المجتمع وأمنه، وقد أقرّه الله -عزّ وجلّ-؛ حِفظاً لحقوق العباد، ومصلحةً لشؤونهم المعيشيّة، وصَوناً لعوائلهم من زوجةٍ وأبناء؛ وذلك تأسيّاً بالرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، واتّباعاً لنهجه في التوثيق؛ فقد وثّق كتاباته ومُراسلاته إلى الملوك، وكتب الصّلح مع المشركين، وتوالت الكتابات موثّقةً منذ عهده -صلّى الله عليه وسلّم-.
أمّا فيما يخصّ عقد الزواج فقد جاءت نصوص السّنّة تؤكّد على وجوبِه لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-:(لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ وشاهدَيْ عَدلٍ)؛ فأخذ العلماء عليه أنّ عقدَ الزواج لا يتمّ إلّا بوجود شاهدَيْن، وسبب العلّة في وجوب الإشهاد واضحةٌ؛ للإشهار والإعلان؛ فتنتقل إلى مسامع النّاس ممّا يُزيل الشّكوك، ويحفظ الحقوق للزوجة والأولاد، ودرءاً لمزاعم الإنكار، وذلك ما يدلّ على أهميّة التوثيق بالشهود أوالكتابة وحرص الشريعة الإسلاميّة على حفظ الحقوق وصيانتها، فعقد الزواج بالشّهود يكون سبباً للإشهاروالإعلان، كذلك توثيقه بالكتابة سبباً لإشهاره وإعلانه، ومع تقدّم الزّمن استلزم التوثيق بالكتابة؛ حفظاً للمدّة الأطول للعقد المكتوب، وسهولةً في العودة إليه عند ورود أيّ خلافٍ أو نزاعٍ، ومن المصالح أيضاً؛ إدراك الأمّة لتاريخها ومعرفته، وتسلّسله عبر الأجيال، وحفظ الأنساب، إلى أن عُدّ التوثيق لعقود الزواج وغيرها من العقود من باب السياسة الشّرعيّة؛ التي تُمكّن لولي الأمر من إلزام رعيته بتوثيق ما يراه مناسباً من مصالحهم ومنافعهم؛ فالتوثيق عند مأذونٍ، أو عند مختصٍّ، أوعند نظامٍ أوجبته المحاكم الشرعيّة، خشيةً من جحود الحقوق وعدم حفظها، ودعت إلى عدم المخالفة فيه؛ لما يعقُبه من نتائج سلبيّةٍ.