ما معنى حد الحرابة
معنى حدّ الحرابة
من الأمور والمسائل التي اشتملت عليها الشّريعة الإسلاميّة الحدود والعقوبات، والحدود هي نوعٌ من العقوبات التي شُرِعت كرادعٍ عن اقتراف الذّنوب والجرائم التي تُفسد نظام الأمن في المُجتمع الإسلاميّ، ومن الحدود التي قرَّرَتها الشّريعة الإسلاميّة حَدّ الحرابة، وسيتمّ فيما يأتي بيان معناه:
- المعنى اللغوي
الحَرابة مأخوذة من الحَرب، وهي ضد السِّلْم.
- المعنى الشرعي
عرّف العلماء الحرابة فقالوا: "هي البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو لإرعابٍ على سبيل المُجاهرة مُكابَرَة، اعتماداً على القوّة مع البعد عن المغوث"، ويعني ذلك قطع الطريق على النّاس بالسلاح لإرعابهم وأخذ أموالهم، وحد الحرابة يعني إقامة الحدّ عليهم كما جاء في القرآن، ويكون ذلك إما بالقتل أو الصلب أو القطع أو الحبس والنفي، وسيتمّ التفصيل في هذه العقوبة لاحقاً.
ويُطلقُ على الحرابة أيضاً قطع الطّريق، وأُطلق على ذلك الحرابة لعدّة أسباب، وأهمّها:
- لأنّ مَن عبّر عنها راعى نَصّ القرآن وتأدّب معه؛ لأنّ الله -تعالى- قال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا...)، فوصفهم بكونهم مُحاربين.
- لأنّ هذه الجريمة لا تكون إلا مع المُحاربة للمسلمين وقطع طريقهم مع إيخافهم وإيذائهم والإضرار بهم.
إذاً فالذين عبّروا بالحَرابة راعوا لفظ القرآن الكريم، أما من عبّر بمصطلح قطع الطّريق فراعى أيضاً ما وصفه لوط -عليه السلام- لقومه في قول الله -تبارك وتعالى-: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ)، وكِلا التّعبيرين صحيح، إلا أنّ مصطلح الحَرابة أعمّ.
رُكن حدّ الحَرابة
إنّ للحَرابة رُكناً واحداً، وهو الخروج على المارّين بالطّريق العام لأخذ المال منهم بشكلٍ مخيف، ويكون القاطعون ذوي قدرة على ذلك، بحيث يكون لهم قوّة وجبروت يُمكِّنهم من هذا الفعل، فركن الحَرابة كما نَصّ الفُقهاء هو الخروج على المارَّة لأخذ المال على سبيل القَسر والإجبار والقهر على وجهٍ يمنع المارّة من المرور بسبب الخوف.
وينطبق ذلك سواء كان قاطع الطريق شخصاً واحداً أم مجموعة من الأشخاص، وسواء كان هجومهم على المارة بسلاحٍ أم بغيره من الحجارة والخشب ونحو ذلك، وسواء كان ذلك بهدف إيذاء جميع المارّة أم جزء منهم دون البقيّة، لأنّ كل ذلك ينطبق عليه قطع الطريق أو الحرابة.
شروط تطبيق حدّ الحَرابة
يُشتَرط في المُحارِب القاطع والمقطوع عليه عددٌ من الشّروط، ومنها ما اتّفق عليه الفقهاء ومنها ما تعدّدت الآراء حوله، وتوضيح ذلك فيما يأتي:
- شروط القاطع:
- أن يكون عاقلاً بالغاً: أما إذا كان صغيراً أو مجنوناً فلا عقوبة عليهما؛ لأن العقوبة لا تكون إلا على مُكَلّف.
- أن يكون ذكراً: وهذا شرط عند الحنفية، أما جمهور الفقهاء فلم يُفرّقوا بين الرجل والمرأة في إقامة حدّ الحرابة.
- شروط المقطوع عليه:
- أن يكون مُسلماً أو ذِميّاً؛ أي من أهل الأديان الأُخرى من البلاد الإسلاميّة، فإذا كان غير مسلم ولكن بينه وبين المسلمين مُعاهدة أو وثيقة أمان فلا عقوبة على القاطع؛ لأنّ عِصمته ليست عصمة مطلقة، إذْ يُحتمل أنّ قاطع الطّريق هاجمه وهو يظنّ أنّه عدو وليس بهدف قطع الطّريق عليه.
- أن يكون ما نُهِبَ وسُرِق منه مُلكَه، بأن يكون مما يملكه أو أمانة عنده؛ فإن لم تكن كذلك وكان سارقاً له لم تجب العقوبة على قاطع الطّريق، لوجود الشُبهة.
- شروط القاطع والمقطوع عليه جميعاً:
يُشترط ألا يكون في قطاع الطّريق ذو رَحم مَحْرَم؛ أي قرابة مباشرة، فإن وُجد في القطاع ذو رحم من المقطوع عليهم فلا تَجب العقوبة عليه حينها دون البقية؛ لأنّه عادة ما يكون بين هذا القريب والمقطوع عليه إذنٌ بالتصرّف بأملاك قريبه وتساهلٌ في ذلك، وخالف الحنفية الجمهور في هذا الشرط.
تطبيق حدّ الحَرابة
يُقام على المُحارِب إذا قُبِض عليه قبل التّوبة حَد الحرابة؛ وهو القتل، أو الصّلب، أو قطع اليد والرّجل من خِلاف؛ أي قطع يَده اليمنى ورجله اليسرى أو العكس، أو الحبس والنفي، وتكون إقامته موكولة للحاكم على التخيير دون ترتيب، وله أن يأمر بقتله وإن كان القاطع لم يَقتُل.
ويدلّ على ذلك قول الله -تعالى-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)، فلم يُشترط أن يكون المحارب قد قتل، ودلّ التخيير بين هذه الحدود على سقوط الترتيب.
وقال الحنفية والشافعية: يكون الحد على الترتيب، ولكن لا يُقام حد القتل على القاطع إذا لم يقتل، فإذا قتَل دون أن يسرق المال قُتل، وإذا سرق المال دون أن يَقتل أُقيم عليه حد القطع، أما إذا أخذ المال وقتل معاً فقال أبو حنيفة: "الإمام مخير إن شاء جمع القتل والقطع، وإن شاء جمع القطع والصلب، ثم قتل بعد الصلب"، وقال الشافعية: "يقتلهم خنقًا ثم يصلبهم".
سقوط حدّ الحَرابة
يسقط حدّ الحَرابة عن المُحاربين بالتّوبة قبل القبض عليهم، وإذا قُبض على أهل الشرك قبل توبتهم ثمّ دخلوا الإسلام فيُعفى عنهم ولا يُقام عليهم الحد، وكذلك إذا أسلموا قبل القبض عليهم.