ما معنى العلمانية والليبرالية
معنى الليبرالية ونشأتها
يعود مفهوم الليبرالية إلى اللغة اللاتينية ودخل بحكم التفاعل مع الحضارة الإغريقية إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، حيث ظهرت في فرنسا وإنجلترا وهولندا في القرن السادس عشر، اختلفت تعريفات الليبرالية فمنها ما ركّز على الجانب الإقتصادي وغيره اهتم بالجانب السياسي، ولكن في عمومها هي اتجاه وفكر سياسي واقتصادي يدعو إلى حرية الفرد الكاملة في الحياة والإختيار والإيمان بالمعتقدات وإبداء الرأي بدون التعدي على الآخرين وتخلصه من القيود التي فرضتها عليه مؤسسات الدولة المختلفة بالإضافة إلى التحرر التجاري والإقتصادي وعدم تدخل تلك المؤسسات إلّا في أقل الحدود، أمّا نشأة الليبرالية وتطورها فقد مرّت بعدة تغيرات أثرت في قيمها وتحليل المفكرين لها وعلى ذلك فقد قُسّمت إلى المراحل التالية:
- المرحلة الأولى: التأسيس (1750م-1929م) وفيها كانت الليبرالية عامة وشاملة ومُطلقة لحرية وحقوق الأفراد.
- المرحلة الثانية: النُضج (1929م-1970م) وهنا كانت الليبرالية أكثر تحفظاً وأكثر نُضجاً.
- المرحلة الثالثة: الليبرالية الجديدة (بعد عام 1970م) وفي هذه المرحلة كثرت أعداد المؤيدين والمطالبين بها فأصبحت أقوى وأكثر حضوراً، وبروز رؤية إمكانية التوافق بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع ككل.
أبرز مُفكري الليبرالية
لكل فكر داعمين ودعاة يمثلوا رمز من رموزه، ومن أبرز مفكري الليبرالية على سبيل المثال لا الحصر جون لوك وآدم سميث وتوماس غرين وجون ستيوارت مل فيما كان لكل منهم دور مهم في تطور وانتشار الفكر الليبرالي.
جون لوك
يُعدّ جون لوك من أبرز مُنظري الليبرالية ذلك المفكر الإنجليزي المولود في عام 1632م والمتوفي في عام 1704م، دخل جون لوك معترك السياسة الداخلية في انجلترا وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، فيما بلغ قمة الشُهرة بعد أن أصبح يوصف بالفيلسوف حيث بدأت مُؤلفاته تنتشر وأهمها العمل الّذي صدر تحت عنوان (مقال في الفهم البشري)، من أكثر ما عني جون لوك في فكره الفلسفي هو البحث في شكل الحياة التي يجب على الإنسان أن يسعى من أجل الحصول عليها وربط هذا الهدف الفكري بهدف آخر وهو كيف يمكن للإنسان معرفة أي شيء، وكان كل ذلك يدفع إلى تطور فكر الليبرالية والتي اتسمت في اطروحاته بأن الإنسان مُسالم بطبيعته فله الحق في العيش بحرية شبه مطلقة في السياسة والإقتصاد.
آدم سميث
عند ذكر الفكر الليبرالي والإقتصاد السياسي فلا بد من ذكر الفيلسوف آدم سميث صاحب كتاب (ثروة الأمم) والّذي وضع فيه المبادئ الأولى والأساسية للإقتصاد الليبرالي الحر، ولد المفكر الأسكتلندي آدم سميث في عام 1723م واهتم بالأخلاق والسياسة ورأى في الفلسفة أهمية في تحليل المعرفة إلى جانب المنهج العلمي في البحث، فيما آمن مُبكراً بأهمية حرية الإنسان والمجتمع، توفي سميث في عام 1790م وترك خلفه مبادئ راسخة ذات أهمية كبيرة في توجيه السياسة الإقتصادية لإنجلترا.
معنى العلمانية ونشأتها
يخلط العديد بين العلمانية وعدة مفاهيم أُخرى مثل الليبرالية والإلحاد، لكن العلمانية بفهومها الإصطلاحي تعني فصل المعتقدات الدينية عن الحياة العامة وسياسة إدارة الدول، وعدم إجبار أي إنسان في تبنّي دين أو مُعتقد معيّن، فيما يجب إعتماد البحث العلمي المجرد في التحليل واستبعاد الدين في التفسير، فيما تُؤكد العلمانية على رفض التدخل في حياة الفرد من قبل المؤسسات الدينية، فالدين هنا ينتهي مع الخروج من دور العبادة، في حين أنّه كان للكنيسة ورجالها دور كبير في بروز ونشأة العلمانية في عصر الظلام في أوروبا، فقد تسلّط رجال الدين وقاموا بمحاربة العلم والعلماء ودعموا السلطة ورجال الإقطاع، مما دعم فكرة العلمانية والوقوف في وجه الدين والكنيسة، ومع بزوغ عصر النهضة في أوروبا بدأت الحركة العلمانية بالتطور والنهوض فواجهت رجال الدين والإقطاع ودعمت العلم والقوانين الوضعية كأساس للحياة العامة واستبعاد كل ما يتعلق بالدين والغيب واختصاره بعلاقة خاصة تربط الإنسان وربه ولا تتجاوز ذلك.
أبرز مُفكري العلمانية
هناك بعض النماذج من دعاة العلمانية لم يقبل بفصل الدين عن الدولة بل تجاوز ذلك في الدعوة إلى تشكيل مجتمعات ترفض أي شيء يرتبط بالدين أو الغيبيات فالأخلاق تجريدية لا ترتبط بالإله، فمن أبرز مُفكري العلمانية ميكافيللي والّذي نادى بأبعد من فصل الدين عن الدولة فقد عادى سلطة الكنيسة فلم يطالب بالعلمانية فقط بل طالب أن يكون الدين بيد الأمير بشكل مُطلق فخرج بنظريات تُمجد الدولة والسلطان، فيما ظهر فلاسفة ومفكرون أقل حدة وتطرف وكان لهم أثر كبير في صياغة أفكار ومبادئ العلمانية أبرزهم:
باروخ سبينوزا
ولد باروخ سبينوزا عام 1632م في هولندا وكان ينتمى إلى الطائفة اليهودية ولكنه سُرعان ما بدأت أفكاره تتبلور في العلمانية، فقد انتقد التوراة فلسفياً وأدخل العقل في التفكير الديني والسياسي والفصل بين بدع الإنسان وتعاليم الدين، ومن أشهر كُتبه رسالة موجزة في الله والإنسان وسعادته، ورسالة في إصلاح العقل وكتاب مبادئ فلسفة رينيه ديكارت، توفي سبينوزا في عام 1677م وهو في منتصف الأربعينات من عمره.
شارل مونتسكيو
يُذكر مونتسكيو كأحد أبرز المفكرين والفلاسفة الّذين دعوا إلى الحرية والتسامح والحكم الدستوري في فرنسا، ويُعتبر من أشد أعداء الإستبداد كما دعا للفصل بين السُلطات، وُلد مونتسكيو في عام 1689م وتوفي 1755م، وله عدّة أعمال منها مقالة في سياسة الرومان في الدين وملاحظات حول أسباب عظمة الرومان وانحطاطهم، ومؤلفه الأشهر روح القوانين.