كيف كان الرسول يعامل جيرانه
معاملة الرسول لجيرانه
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أحسن النّاس تعاملاً مع جيرانه، وقد كان دائم الوصيّة بالجار، فقد أوصى أبا ذرٍ فقال له: (يا أبا ذَرٍّ، إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ)، كما حذّر من الإساءة إلى الجار فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ)، وقد كان النبيّ يتصدّق على جيرانه المحتاجين ويُهديهم، ففي يومٍ من الأيّام أمر -عليه الصلاة والسلام- أهل بيته بذبح شاة وتوزيعها بين الجيران، وكان أحبّ شيءٍ إليه الذراع، فلمّا قدم سأل عائشة -رضي الله عنها-: (ما بقيَ منْها؟ قلت: ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها، قالَ: بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها)، ويقصد بذلك الثواب والأجر، وكان -عليه الصلاة والسلام- يواسي أصحابه وجيرانه، ويحرص على زيارة المريض منهم، فعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: (عادَني النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مِن وجَعٍ كانَ بعَيني).
وكان النبيّ يصبر على أذى جيرانه في مكّة، حيث جاوَر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الناس على اختلاف دينهم وصفاتهم وأخلاقهم في مكّة المكرمة والمدينة المنورة، أمّا جيرانه في مكّة فقد نال منهم صور متعدّدة من الأذى، ومن ذلك أذى جاره وعمّه أبو لهب، خاصّة عندما بدأ النبيّ بدعوته، وزوجته أم جميل التي كانت لا تتوانى في فعل كل ما يؤذي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ كوضع الشوك والقاذورات في طريقه أو أمام بيته، وكذلك أمرهما لأبنائهما بتطليق بنات النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بسبب دعوته، وأذى جاره عقبة بن أبي معيط الذي حاول خنق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بردائه، فدفعه أبو بكرٍ -رضي الله عنه-.
وأمّا جيرانه -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة ، فقد أحسنوا استقباله فور وصوله إليهم، فما مرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأحد أحياء الأنصار إلّا سارع أهله بدعوته للنزول عندهم حبّاً وطمعاً في جواره، إلى أن بركت ناقته في حيّ أخواله بني النّجار، ونزل في بيت أبي أيوب الأنصاري، لأنّه كان الأقرب، فقد صحّ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (فقالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ بُيُوتِ أهْلِنا أقْرَبُ. فقالَ أبو أيُّوبَ: أنا يا نَبِيَّ اللَّهِ، هذِه دارِي وهذا بابِي، قالَ: فانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لنا مَقِيلًا، قالَ: قُوما علَى بَرَكَةِ اللَّهِ)، وأمّا المهاجرين الذين نالوا شرف مجاورته -صلّى الله عليه وسلّم- فكان منهم أبو بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب، والعباس -رضي الله عنهم-، ولا بدّ من الإشارة إلى حرص رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على التّهادي مع جيرانه، ومن ذلك قدح اللبن الذي قدّمه لِأبي هريرة -رضي الله عنه- عندما جاع، وتشارك فيه مع أهل الصفّة.
مكانة الجيران في الإسلام
أوْلى الإسلام الجار اهتماماً عظيماً، فقد رفع شأنه وحثّ على صَوْن حقوقه ورعايتها، ويظهر ذلك من خلال ثلاثة أمور: أوّلها قَرْن الله -تعالى- الإيمان به وإفراده بالعبادة بالإحسان إلى الجار، كما في قوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ)، ثانيها إشارة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى كثرة توصيته وأمره بالإحسان إلى الجار والاهتمام به حتى حَسِبَ أنّ الله -تعالى- سيقضي بتوريثه؛ أي بجعله ممّن له الحقّ في الميراث، وذلك بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ)، ثالثها قَرْن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الإيمان بالله -تعالى- واليوم الآخر بحقّ الجار من الإكرام والإحسان، وذلك بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ).
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجار ثلاثة أنواع: أوّلها الجار المسلم من ذوي الرحم والقرابة، قال -تعالى-: (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ)، وله ثلاثة حقوق؛ حقّ القرابة، وحقّ الجوار، وحقّ الإسلام، وثانيها الجار المسلم الذي لا يعدّ من ذوي الرحم والقرابة، قال -تعالى-: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ)، وله حقّان؛ حقّ الإسلام، وحقّ الجوار، وثالثها الجار المشرك؛ وله حقّ واحد وهو حقّ الجوار،
آداب الجوار
تتعدّد آداب الجوار التي ينبغي المحافظة والحرص عليها، ومنها ما يأتي:
- تقديم العون والنفع للجار، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في جِدَارِهِ)، فيُستحَب للجار أن يقبل بعد أن يُؤخَذ إذنه بكل ما فيه نفع وفائدة لجاره الآخر؛ كوضع خشبةٍ أو وتدٍ في حائطه ما لم يُلحِق ذلك به الضرر.
- تبادل الهدايا مع الجار، لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ)، ويُقصَد بفرسن الشاة خفّ البعير، حيث إنّ عظمه قليل اللحم.
- مواساة الجار، والتّخفيف من أحزانه، والسؤال عن أحواله، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ليس المؤمنُ بالذي يشبعُ وجارُه جائِعٌ إلى جنبَيْهِ)، والذي يَظهر من الحديث أمرين: أوّلهما أنه يَحرم على الجار الغنيّ أن يترك جاره الفقير بحاجةٍ للطعام أو الكسوة أو غير ذلك من ضروريات الحياة، وثانيهما أنه لا تبرأ ذمّة الغنيّ بإخراج حقّ الزكاة من ماله فحسب، بل هناك العديد من الحقوق التي لا بدّ من القيام بها حتى يُخرِج نفسه من الوعيد الذي أشار إليه الله -تعالى- بقوله: (وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ).
- إعداد الطعام وتقديمه للجار الذي وقعت في بيته حالة وفاة، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (اصنَعوا لآلِ جعفَرٍ طعامًا، فقد أتاهم أمرٌ يشغلُهُم أو أتاهم ما يَشغلُهُم).
- الأولوية للجار بشراء بيت جاره أو أرضه، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانت له أرضٌ فأراد بَيْعَها فَلْيَعْرِضْها على جارِه).
- تفادي إيذاء الجار أو ارتكاب الخطأ في حقّه، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ)، ومن صور إيذاء الجار؛ إطلاق البصر على عوراته ومحارمه، فقد حذّر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من ذلك حتى عدّه من أعظم الذنوب عند الله -تعالى-، لِما صحّ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال: (سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ) فعدّ رسول الله أموراً إلى أن قال: (أنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ جارِكَ)، وقد دعا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى الصبر وتحمّل أذى الجار وعدم ردّ أذاه، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (ثلاثةٌ يُحِبُّهمُ اللهُ)؛ وذكر منهم: (الرَّجلُ يكونُ له الجارُ يُؤْذيهِ جِوارُه، فيَصبِرُ على أَذاهُ حتى يُفرِّقَ بينَهما موتٌ أو ظَعنٌ).
- الإحسان إلى الجار وإكرامه، لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ)، فقد عظّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حقّ الجار حتى كاد أن يجعله بمنزلة الوارث كما أُشير إلى ذلك مُسبقاً.