ما معنى الإيمان بالله
مفهوم الإيمان بالله
يُقصد بالإيمان في اللغة؛ التّصديق، أما في الاصطلاح الشرعي؛ فهو تصديقٌ بالقلب، ونطقٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح والأركان، والإيمان بالله هو التصديق بوجوده، وبما جاء عنه، ويتفرّع منه الإيمان برسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، فهو الذي جاء بالرسالة من عند الله -عز وجل-، ومن الإيمان أيضاً؛ الإيمان باليوم الآخر، وكل ما فيه من الجنة والنار، والحساب والجزاء على الأعمال.
فالله -عزّ وجلّ- هو الذي أخبرنا به، ومن لوازم الإيمان بالله الإيمان بكل أخبر به، ويتضمّن الإيمان بالله -سبحانه- وجوب القيام بأركان الإسلام؛ من الصلاة، والصيام، والزكاة، والحجّ، لأن الله هو الذي أمر بها، وللإيمان ستّة أركان هي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه.
مكانة الإيمان بالله
يعدّ الإيمان بالله -تعالى- الأصل الأعظم من أصول الدين، والمرتكز الذي يقوم عليه الإسلام، وهو أصل القرآن، والموضوع الأساسي الذي يتضمّنه، فنجد في القرآن الكريم الحديث عن الله -تعالى-؛ في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، مثل ما جاء في سورة الإخلاص وآية الكرسي، وفيه دعوة الناس إلى توحيد الله -عزّ وجلّ-، والنّهي عن الإشراك به، والأمر بطاعته، واجتناب معصيته، وكلّ ذلك مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالإيمان.
ويتحدّث أيضاً عن المؤمنين الذين استجابوا لأمر الله، وعن ثوابه العظيم لهم في الدنيا والآخرة، وفيه الحديث عن الكافرين والمشركين وجزاء الله لهم في الدنيا والآخرة، فالقرآن الكريم يتضمّن الحديث عن الإيمان بالله -عز وجل- في معظمه، ونجد ذكر الله -سبحانه- قد تكرّر في كل صفحةٍ من القرآن بمتوسط عشرين مرة بأسمائه أو صفاته، وجميع أركان الإيمان أساسها الإيمان بالله، فالمسلم يؤمن بالله -تعالى-، وبما جاء منه؛ من الملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
محاور الإيمان بالله
الإيمان بوجود الله
يتضمّن الإيمان بالله الإقرار بأنّ الله -سبحانه- موجودٌ بلا مُوجد، وأنّه الربّ الخالق المتحكّم بهذا الكون، وأنّه الإله الذي يُعبد ولا يعبد معه شريك، والإيمان بوجود خالقٍ لهذا الكون يصل إليه الإنسان من خلال الفطرة قبل الأدلة العقليّة، فالإيمان بوجود الله -تعالى- غير مفتقرٍ إلى دليل على الرّغم من أنّ كل شيءٍ في هذا الكون يدلّنا على وجوده -عز وجل-، وقد أُلّفت العديد من الكتب في هذا المجال؛ منها ما ألّفه الشيخ جمال الدين القاسمي بعنوان "دلائل التوحيد"، كما ألّف العديد من علماء الطبيعة والفلك كتاباً سمّوه "الله يتجلى في عصر العلم"، وكذلك كتاب "العلم يدعو للإيمان" الذي يبيّن أنّ الأصل في الإنسان سواء العالِم والعامّي أن يؤمن بوجود الله -سبحانه-.
الإيمان بوحدانية الله
الواحد في اللغة كما قال ابن الأثير؛ هو الفرد الذي كان، وما زال، وسيبقى وحده، ليس معه آخر، والواحد يدلّ على الانفراد كما قال ابن فارس، والتوحيد في الاصطلاح الشرعي؛ إفراد الله -تعالى- بالعبادة، مع اعتقاد وحدته في ذاته وصفاته وأفعاله، وقال الفيروزآبادي: توحيد الله هو الإيمان به وحده.
وعرّفه السفاريني فقال: تصديق النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالقلب واللسان فيما أخبر به عن الله -تعالى- بأنّه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ويظهر ذلك جليّاً في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد أرسل الله -عز وجل- الرّسل -عليهم السلام- لدعوة أقوامهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة وعدم الإشراك به، قال الله -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ).
الإيمان باتّصاف الله بصفات الكمال
أثبت الله -تعالى- لنفسه في كتابه الكريم صفاته، وأثبت له رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- أيضاً بعض الصفات، فينبغي الإيمان والإقرار بها كلّها، من غير تغييرٍ، أو تعطيلٍ، أو تكييفٍ، أو تمثيلٍ، فالله -تعالى- هو الأعلم بنفسه، كما أن رسوله أعلم الخلق به، ومنه ينبغي نفي ما نفاه الله -تعالى- عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله -عليه الصلاة والسلام-، مع الإيمان بكمال ضدّ هذه الصفات.
فمثلاً نفى الله -تعالى- عن نفسه الموت، فينبغي الإيمان بكمال الحياة له، كما أن نفي الظلم عنه -سبحانه- يوجب إثبات كمال العدل له، ويجب التنبّه إلى أن هذه الصفات سواء كانت بالإثبات أو بالنفي؛ موقوفةٌ على ما أخبر به الله -تعالى- عن نفسه، أو أخبر عنه رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-، فالله هو العالم بنفسه، ولا أحد أعلم بخلقه أكثر من رسوله.
وينعكس الإيمان بأسماء الله -تعالى- وصفاته بالنفع والصلاح والسعادة على العبد في دنياه وآخرته، ولا يتوقّف الأمر على الإيمان بهذه الأسماء والصفات فحسب، وإنما ينبغي على العبد معرفة معانيها، وكونها صفاتٌ حقيقيّةٌ كاملةٌ لا نقص فيها، ولهذا الإيمان فوائد كثيرة، فيما يأتي بيانها:
- إبعاد الله -تعالى- عن كل عيبٍ ونقصٍ، وإثبات الكمال له -سبحانه-، والإقرار باختلاف صفاته عن صفات المخلوقات، وهذه من أعظم ثمار الإيمان بأسمائه الحسنى وصفاته.
- انشراح الصدر لرحمة الله -تعالى-، والابتعاد عن اليأس والقنوط من رحمته؛ فالمؤمن باسم الله الغفور يوقن بأنّ الله سييغفر ذنوبه، والمؤمن باسم الله الرحيم يؤمن برحمة الله -تعالى- له ولعباده، والمؤمن باسم الله العفو يؤمن بعفوه عنه وعن عباده، وهكذا في جميع الأسماء والصفات.
- الخشية والابتعاد عن ارتكاب الذنوب والمعاصي، فمن عرف وآمن بأنّ الله -عز وجل- يعاقب من عصاه، ويغضب إذا ارتُكبت المعاصي، وأنّه شديد العذاب، حمَله ذلك على اجتناب المنكرات.
- الإيمان بحفظ الله -تعالى- لعبده، وعدم قدرة العباد على إيذائه دون إرادة الله -تعالى-، فالله هو القويّ والقادر، وهو الحافظ لعباده الذي يدفع الضرّ عنهم، ممّا يدفع المؤمن إلى التوكّل عليه وحده، والثقة بنصره وتأييده.
- استشعار مراقبة الله -تعالى- في السرّ والعلن، فهو البصير بعباده وخلقه جميعاً، يعلم حركاتهم وسكناتهم، وهو الرقيب عليهم، العالِم بما في نفوسهم.
- التوسّل إلى الله -تعالى- بأسمائه وصفاته، والاستعاذة بها من كل ما يخيف العبد، فمن توسّل إلى الله بأسمائه وصفاته، استجاب له دعائه، وأعاذه من كل ما يخاف منه، وأبعد عنه كل ضرر.
شروط الإيمان بالله
هناك العديد من الشروط التي لا يصحّ إيمان العبد إلا بها:
- اليقين الجازم بأركان الإيمان الستّة، وهي:
- الإيمان بالله.
- الإيمان بملائكته.
- الإيمان بكتبه.
- الإيمان برسله.
- الإيمان باليوم الآخر.
- الإيمان بالقدر خيره وشرّه.
- الإقرار بالقلب، والتصديق باللسان والجوارح، وبيان ذلك فيما يأتي:
- الإقرار بالقلب: ويكون بتصديق القلب ويقينه بربوبية الله -تعالى-، واستحقاقه للعبادة، وهناك الكثير من الأعمال التي تدخل في أعمال القلوب، منها: الإخلاص، والمحبّة، والخشية، والنية، وغيرها.
- التصديق باللسان: فلا بدّ أن يكون الإيمان إقراراً في القلب ويتبعه العمل، ويكون الإقرار بالقول بنطق الشهادتين، وهي قول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله".
- التصديق بالجوارح والأركان: ويكون من خلال أداء الطاعات والعبادات التي فرضها الله على عباده؛ كأداء الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، والحجّ للمستطيع، وغير ذلك.
- حبّ الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقد أجمع العلماء على أنّ ذلك من الفروض الواجبة على كلّ مؤمن، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
ثمرات الإيمان بالله
إن للإيمان بالله -سبحانه- العديد من الثمرات والفوائد، وفيما يأتي ذكر بعضها:
- تعظيم الله وتقديسه؛ ممّا يدفع المؤمن إلى فعل ما أمر به الله -تعالى-، واجتناب ما نهى عنه، وبذلك ينال العبد رضا الله -تعالى- السعادة في الدنيا والآخرة.
- الثقة بالله، والإيمان بأنّه خالق الكون والمتصرّف فيه، فلا يقع شيءٍ من النفع أو الضرر دون إرادته، فيدفع ذلك الإيمان الخوف مما سوى الله، ويجلب الاتّكال عليه -سبحانه- والتوجّه إليه بالدعاء.
- التواضع أمام الخلق، لأنه يعلم أنّ النعمة مصدرها الله، فلا يتكبّر على العباد، ولا يرى نفسه أفضل منهم، ولا يتّبع وساوس الشيطان وغروره.
- الإكثار من الأعمال الصالحة التي يرضى الله عنها، حتى يكون العبد من الفائزين يوم القيامة.
- تربية النفس على جميع معاني الأخلاق والصفات الفاضلة، من الصبر، والثبات، والشجاعة، والتوكّل، وغيرها، واستشعار المؤمن بالقوة بمعيّة الله -عز وجل-.
ملخّص المقال: الإيمان بالله يعني التصديق بوجوده وما شرعه، والإقرار بذلك بالقلب واللسان والجوارح، والإيمان بالله هو الأساس الذي يقوم عليه الدين، وهو سبب دخول المؤمن الجنة، وأهمّ محاور الإيمان أن يؤمن العبد بوجود الله، ووحدانيّته، وأسمائه، وصفاته، وينعكس الإيمان على العبد بالسعادة والصلاح والخير والفلاح في الدنيا والآخر، وأهمّ شروطه: الإيمان الجازم بالأركان الستّة، ويكون ذلك بالإقرار والتصديق بالقلب واللسان والعمل.