ما كفارة الحلف بالله
ما كفارة الحلف بالله
الحلف بالله -تعالى-: هو ذكر اسم الله على أمرٍ ما لإثباته أو للتأكيد على فعلٍ ما أو ترك، والحلف بالله مشروع بدليل قوله -تعالى-: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ).
ودليل ما رواه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: (أَتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ، فَوَافَقْتُهُ وهو غَضْبَانُ، فَاسْتَحْمَلْنَاهُ، فَحَلَفَ أنْ لا يَحْمِلَنَا، ثُمَّ قَالَ: واللَّهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، لا أحْلِفُ علَى يَمِينٍ، فأرَى غَيْرَهَا خَيْرًا منها، إلَّا أتَيْتُ الذي هو خَيْرٌ، وتَحَلَّلْتُهَا).
و الحنث باليمين وعدم إتيانه يستوجب على العبد كفارة، قال -تعالى-: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،وتفصيل الكفارات على الترتيب فيما يأتي:
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم
يكون الإطعام مما يُطعم الإنسان أهله ويجوز صُنع الطعام ودعوة عشرة مساكين إليه، وقد تعددت أقوال الفقهاء بكمية الإطعام على ما يأتي:
- القول الأول، ذهب الأحناف إلى أنَّ كفارة الإطعام تُقدَّر بمُديَّن من الطعام.
- القول الثاني، ذهب أصحاب المذاهب من المالكية والشافعية إلى أنَّ مقدار إطعام المسكين يُقدَّر بمُد من الطعام، والمُد قدّره الفقهاء برطل وثلث عند الحجازيين، ورطلان عند العراقيين.
- القول الثالث، ذهب الحنابلة إلى أنَّ مقدار الإطعام هو مُد من البر ومُديّن من التمر أو الشعير لكل مسكين.
- القول الرابع، ذهب الإمام مالك والظاهرية إلى أنَّ كفارة الإطعام تُقدَّر بحسب حال مؤديها.
أجمع الفقهاء على التخيير ببين الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة ، وفي حال قرر العبد كسوة عشرة مساكين فعليه أن يكسو كل مسكين كسوة تصلح أن يسترعوته بها فيصلي بها، فللرجل ثوب، وللمرأة جلباب وخمار.
تحرير رقبة مؤمنة
يُخير العبد بالبداية في حال حنثه لليمين بين الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة المؤمنة، "وقد ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة أنَّ صفة العتق تكون؛ بعتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المُضرة بالعمل".
صيام ثلاثة أيام
يلجأ العبد في حال حنثه لليمين للصيام إن عجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير الرقبة المؤمنة، فيصوم ثلاثة أيام كفارةً لحنثه لليمين المنعقدة، ولا يُجزئ إخراج الكفارة نقوداً، ولا يُجزي أن تُخرج نقوداً بدل الصيام .
شروط ترتّب كفارة اليمين
إنَّ لوجوب كفارة اليمين على المكلف عدة شروط، وهي كما يأتي:
- تكون اليمين منعقدة من مكلف بالغ عاقل على أمرٍ مستقبل ممكن، مثل من يحلف على أن لا يأكل ويشرب.
- تكون اليمين منعقدة إن حلف الشخص مختاراً، دون إكراه.
- تكون اليمين منعقدة إن قصد العبد اليمين، فلا تنعقد اليمين بلا قصد، مثل الألفاظ التي تجري على اللسان دون قصد مثل: "لا والله".
- تكون اليمين منعقدة في حال العزم على حنث اليمين ، أو حنث اليمين.
أنواع اليمين
لليمين أنواع وهي كما يأتي:
- اليمين المنعقدة
هي اليمين التي يعقدها الشخص ويؤكد من خلالها على عزمه القيام بعمل ما، ورد ذكر كفّارة الحنث بها في القرآن الكريم؛ حيث قال الله -تعالى-: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
- اليمين الغموس
وهي أن يحلف الإنسان كاذباً على أمر حصل معه ولم يحصل معه في الحقيقة بل حلف كاذباً؛ من أجل أن يصدقه الناس، وسُمّيت بالغموس لأنّها تغمس صاحبها في نار جهنم يوم القيامة ، حيث قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (الكبائرُ: الإشراكُ باللهِ، وعقوقُ الوالديْنِ، أو قال: اليمينُ الغَموسُ).
ذكر العلماء أنّ اليمين الغموس ليس لها كفّارة؛ لأنَّها من الكبائر ، وعلى المسلم المسارعة في التوبة منها وعدم العودة لها في المستقبل ورد المظالم إلى أهلها.
- يمين اللغو
تُطلق على ما درج على لسان الإنسان من قول لا والله عند فعل أي فعل، أو قول أي شيء فيتعود عليها اللسان فلا بُدَّ من ضبط اللسان فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: (أُنزِلَتْ هذه الآية: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ، في قولِ الرجلِ: لا واللهِ، وبَلَى واللهِ).
متى يُخرج الحالف كفارة اليمين
تُخرج كفارة حنث اليمين قبل الحنث باليمين، وذلك لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها).
يدلُّ ذلك على أنَّ الكفارة يجب تقديمها على الحنث وليس بعد الحنث، ولكن إذا لم يستطع تقديم الكفارة قبل الحنث، فيجوز له الحنث وتقديم الكفارة وقت استطاعته مباشرة دون تأخير، وتبقى الكفارة ديناً في ذمته يجب أن يخرجها قبل موته.