القوى العاملة والهجرة
القوى العاملة والهجرة
أصبحت ظاهرة الهجرة إحدى السمات المرتبطة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية لمختلف بلدان العالم، وهي تمتاز بتنوّع مصادرها وأسبابها، وتُعدّ الهجرة العائلية والإنسانية إحدى الأمثلة المهمة على مصادر الهجرة، وتجدر الإشارة إلى أن للهجرة أيّاً كان مصدرها تأثيرٌ مهم على جميع البلدان وبما فيه التأثير الاقتصاديّ لها؛ حيث يّشكّل المهاجرون جزءاً رئيسياً من القوى العاملة العالمية؛ إذ بلغ عدد العمال المهاجرون في مختلف مناطق العالم ما يُقارب 190 مليون عامل، أي ما يُقدَّر بنحو 3% من سكان العالم هم من العمال المهاجرين.
أسباب هجرة العمالة
يعتقد معظم الأفراد أنّ البحث عن وظيفة مميّزة وبدخلٍ مرتفع يُعدُّ من أهم الأسباب التي تدفعهم للهجرة؛ إذ تُعدّ قلّة الفرص الاقتصادية الموجودة في البلد الأم الدافع الرئيسي للهجرة، إضافةً إلى عدم المساواة في توزيع الدخل؛ فعند مقارنة الدخل في دول العالم النامي مع الدول المتطوّرة يلاحظ أنّ الدخل في الدول المتطوّرة يعدُّ أعلى بنحو 70 مرةً ممّا هو عليه في البلدان النامية منخفضة الدخل، علماً بأنّ غالبية العمال المهاجرين يعملون عادةً ضمن وظائف في مستوى أدنى من مستوى مهاراتهم؛ حيث بينت الدراسات أن حوالي 32% من المهاجرين الذين يحملون شهاداتٍ جامعية يضطرون للعمل ضمن وظائف تحتاج إلى مستوى متوسط إلى منخفض من المهارة، وتُعدُّ قطاعات البناء والتصنيع والخدمات من أكثر القطاعات التي تستقبل القوة العاملة من فئة الشباب.
أقرَّت منظمة العمل الدولية بأنّه من المتوقّع ارتفاع نسبة البطالة ضمن فئة الشباب؛ الذين تقل أعمارهم عن 24 عاماً على مدى السنوات المقبلة، وقد تمّ إطلاق اسم جيل الأزمة على تلك الفئة من العمال، بالإضافة إلى ذلك فإن العديد من الأفراد يضطرون للهجرة من الريف إلى المدينة ومن مختلف الأعمار لعدّة أسباب منها ما يأتي:
- تدهور الأراضي الزراعية.
- نقص المياه المستمر.
- المشاكل الزراعية المرتبطة بالمناخ أو الطقس.
- انعدام الأمن الغذائي.
- انعدام الأمن السكني.
- الأجور المنخفضة.
تأثير هجرة القوى العاملة على البلد المضيف
تأثير الهجرة على الابتكار والإبداع
يمكن ملاحظة وجود أثر واضح للهجرة على الابتكار والإبداع ، ويظهر ذلك من خلال قدرة المهاجرين على تنمية الأعمال وتطويرها نتيجة توظيفهم في الوظائف المتعلّقة بتلك الأعمال، وخصوصاً في المناطق التي يوجد بها مستويات متدنية من المهارات؛ فعادةً ما يملك العمال المهاجرون وجهات نظرٍ جديدة وأفكار متميّزة للأعمال التجارية؛ ممّا يساهم في توسعة دائرة المعارف والاتصالات الدولية لأرباب العمل، كما أنّ تنوّع ثقافات القوة العاملة يساهم في إثراء ثقافات العمال في مكان العمل؛ الأمر الذي بدوره يساهم في تنمية وتطوير الأعمال.
يجلب المهاجرون معهم في معظم الأحيان مهاراتٍ تكون في الأصل غير موجودة في الاقتصاد المحلي للدول المُضيفة؛ ممّا يُعزّز من الإبداع والابتكار في تلك الدول وبالتالي تنميتها، وقد بيّنت الدراسات دور المهاجرين في تأسيس بعض أكبر الشركات المختصَّة بصناعة التكنولوجيا بشكلٍ جزئيّ، كمّا بيّنت المؤسسة الوطنية للسياسة الأمريكية ضمن أحد أبحاثها لعام 2016م أنّ أكثر من نصف الشركات الناشئة الأمريكية؛ التي تصل قيمتها إلى ما يُقارب مليار دولار وأكثر تمّ تأسيسها من قِبل مهاجر واحد على الأقل، كما أنّ 70% من تلك الشركات الناشئة يعمل بها المهاجرون؛ كأعضاء أساسيين ضمن فريق الإدارة والإنتاج، ويشغلون مناصب مهمة فيها، ويجدر بالذكر أنّ توفير بيئة مريحة للمهاجرين يُساهم بشكلٍ واضح في تنمية الدول؛ فعلى سبيل المثال يوجد هناك 25 دولةً من الدول؛ التي تُعدُّ من أغنى الدول وأكثرها تطوّراً في العالم يشكّل المهاجرون فيها نحو 22.5٪ من عدد سكانها.
تأثير الهجرة على التوظيف
يوجد للهجرة تأثيرٌ واضحٌ على اقتصاد الدولة المُضيفة والتوظيف فيها، ويعتمد ذلك التأثير بشكلٍ أساسي على كلٍّ من المهارات التي يتمتّع بها عمّال الدولة الحاليين ومهارات المهاجرين، إضافةً إلى خصائص الاقتصاد في تلك الدول، وقدرة الدولة على التكيّف مع الزيادة في عرض العمالة؛ فالهجرة قد تؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة؛ وذلك بسبب مساهمة المهاجرين في توسيع طلب المستهلكين على سلعٍ وخدماتٍ معينة؛ لِذا فإن الهجرة قد تزيد من المنافسة على بعض الوظائف المِهنيّة الحالية، كما أنّها قد تُساهم في خلق وظائف جديدة.
إنّ امتلاك المهاجرين للمهارات التي من الممكن أن تحلَّ محل مهارات العمال الحاليين أو تكمّلها سينعكس أثره على أجور العمال الحاليين أو توظيفهم، وفي حال تمّ اعتماد المهاجرين كبدائل للعمّال الحاليين؛ فإنّ ذلك سينعكس على زيادة التنافس بين المهاجرين والعمال الحاليين على الوظائف؛ وبالتالي خفض الأجور على المدى القصير، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة البطالة بين العمال الحاليين بسبب عدم استعدادهم للعمل ضمن تلك الأجور المنخفضة؛ أما في حال كانت مهارات المهاجرين مكمّلةً لمهارات العمال الحاليين، سيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاجية؛ التي بدورها قد تؤدي إلى ارتفاع أجور العمال الحاليين.
تشهد المهن التي تتطلّب مستوى منخفض من المهارات منافسةً كبيرة من قِبل المهاجرين؛ وذلك لأنه يكون من السهل الحصول على الوظائف التي تحتاج لتلك المهارات المتدنية، أمّا فيما يتعلّق بتوسيع عرض العمالة؛ فللهجرة دور واضح في توسيع الطلب على العمالة، وبالتالي إيجاد وظائف جديدة؛ إذ إنّ عدد الوظائف في الاقتصاد هو عدد غير ثابت، كما قد يتم زيادة الإنتاج في القطاعات التي تُستخدم فيها العمالة الوافدة من قِبل أصحاب العمل.
تأثير هجرة القوى العاملة على البلد المرسِل
تظهر الفوائد الاقتصادية قصيرة الأجل للهجرة على الدولة المرسِلة من خلال التحويلات المالية؛ وهي تتمثل بالمبالغ المالية التي يحصل عليها المهاجرون نتيجة عملهم في البلدان المُضيفة ويرسلونها إلى بلدانهم الأصلية بهدف تقديم الدعم لأسرهم، ووفقاً للبنك الدولي؛ فقد وصلت قيمة التحويلات التي تمّ إرسالها إلى مختلف دول العالم لعام 2012م إلى نحو 529 مليار دولار، منها حوالي 401 مليار دولار تمّ إرسالها إلى الدول النامية، ويعتقد بأن حجم التحويلات قد تعدَّت تلك الأرقام؛ فهي تمثّل فقط الأموال المرسلة من خلال القنوات الرسمية؛ حيث يمكن أن تُضيف التحويلات المرسلة عبر القنوات غير الرسمية نحو 50% على الأقل إلى التدفُّقات المسجلة عالمياً.
تلعب الهجرة دوراً واضحاً في تحسين الوضع الاقتصادي للأسر على المدى الطويل من خلال التحويلات المالية، وتحسين رفاهية تلك الأسر من خلال قدرتها على توفير الرعاية الصحية والتعليم المناسبين لأفرادها، إلّا أنّها قد تترك أثراً اجتماعيّا سلبياً على أفراد الأسرة ناتجٌ عن غياب أحد أهم أفرادها، علماً بأنه يصعب تحديد تأثير الهجرة على أفراد الأسرة الباقين؛ وذلك بسبب أهمية كلٍّ من التعليم، والصحة، والوضع الاجتماعي لأفراد الأسرة، مقارنةً مع الأثر الاجتماعي الذي تتركه، ومن ناحيةٍ أخرى قد تترك الهجرة أثراً سلبياً على الدول المرسِلة يتمثّل فيما يعرف بهجرة الأدمغة (بالإنجليزية: Human capital flight)؛ الذي يؤدي إلى فقدان الأفراد المتعلمين والخبراء بسبب هجرتهم لدول أخرى.
التحديات التي تواجه المهاجرين في البلد المُضيف
يوجد العديد من التحديات التي تواجه المهاجرين في البلد المُضيف، ويبين الآتي أبرزها:
- غالباً ما يتوجه العمال المهاجرين للقطاعات التي ترسخ عدم المساواة؛ كالتمييز بين الجنسين أو التمييز في الأجور.
- عدم تغطية المهاجرين بقوانين العمل الوطنية أحياناً.
- اضطرار المهاجرين للعمل ضمن ظروف عمل سيئة وغير آمنة، وبأجورٍ منخفضة.
- اضطرار المهاجرين للسكن في مساكن غير مناسبة، والحصول على رعاية صحية غير كافية.
- عدم شمول بعض المهاجرين ضمن قانون الحماية الاجتماعية؛ ممّا يزيد من فرصة تعرّضهم للفقر عند العودة لبلدهم الأصلي، وخاصةً في حال تمّ تعرّضهم لإصابات عمل في الدولة المُضيفة.
- تعرّض بعض المهاجرين وخاصةً غير الشرعيين منهم إلى التمييز والحرمان من الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم.
- عدم تمتّع بعض المهاجرين بحقوق متساوية أو فرص متساوية تُمكّنهم من تحقيق الانصاف القضائي وغير القضائي لانتهاكات الحقوق التي قد يتعرّضون لها؛ كحرمانهم من حرية تكوين الجمعيات، أو عدم المساواة في المعاملة.
ولمعرفة مزيدٍ من المعلومات حول ظاهرة الهجرة، يمكنك قراءة مقال موضوع حول ظاهرة الهجرة .