ما حكم التصوير
الأحكام الشرعيّة
يطلق الحكم الشرعي في الاصطلاح على ما خاطب الله تعالى به ممّا يتعلق بأفعال المكلفين، بحيث يدلّ على الطلب أو التخيير أو الوضع، وينقسم الحكم الشرعيّ إلى: حكمٍ تكليفي وحكمٍ وضعي، فالحكم التكليفي؛ هو ما كان على وجه العبادة لله تعالى، بحيث يمكن للعبد القيام به، وكان مقصوداً لذاته، وينقسم إلى: الواجب، والحرام، والمباح، والمكروه، والمندوب، فأمّا الواجب؛ فهو ما أمر به الله تعالى على وجه الحتم واللزوم، ويسمى أيضاً بالفرض، ويترتب على المسلم من الأمر الواجب أن يلزمه القيام به؛ ليثاب عليه وإلا عوقب على تركه، أمّا الأوامر التي لم يأمر بها الله تعالى على وجه اللزوم فهي المندوبات؛ وهي ما يؤجر فاعلها ولا يعاقب تاركها، وقد يطلق عليها سننٌ أو مستحبّاتٌ أو نوافل ، وما يقابل الواجب من الأحكام التكليفية: الحرام؛ وهو ما أمر الله تعالى بتركه بحتمٍ وإلزام، وهو المحظور والممنوع، ويترتّب عليه أن يثاب تاركه ويعاقب فاعله، أمّا ما نهى الله تعالى عن تركه دون حتمٍ وإلزامٍ؛ فيسمى المكروه، بحيث يثاب تاركه ولا يعاقب تاركه، وآخر الأحكام التكليفية هو المباح، وهي الأوامر التي يكون العبد مخيّراً بين الإتيان بها أو تركها، بحيث لا يتعلّق بها أمرٌ أو نهي، ولا يترتب عليها أيّ ثوابٍ أو عقابٍ، ويطلق عليه لفظيّ: الحلال والجائز.
حكم التصوير
اختلف الفقهاء في تحديد المقصود من التصوير، وذهبوا في ذلك إلى عدّة أقوالٍ، ممّا أدى إلى الاختلاف في الحكم الشرعي، وفيما يأتي بيان ذلك:
- ذهب بعض العلماء إلى أنّ المقصود بالتصوير؛ هو صناعة التماثيل، وصناعة التماثيل قضيةٌ مرتبطةٌ بالعقيدة ، فالله تعالى هو الخالق للبشر والمنفرد في تصوير الخلق وجعلهم في أحسن صورةٍ وهيئةٍ، وبناءً على التعريف السابق فالتصوير محرّم؛ لأنّ فيه مضاهاةً لخلق الله تعالى، كما أنّ فيه تشبّهاً بالكفار، ويعدّ وسيلةً لتعظيم التماثيل، ممّا يؤدي إلى الوقوع في الشرك .
- ذهب البعض الآخر من العلماء إلى أنّ المقصود من التصوير؛ هو ما يسمى بالفنون التشكيلية والرسوم، إلا أنّ حكمها يختلف باختلاف حقيقتها، فإن كان في الرسم ذوات أرواحٍ؛ فهو محرّم ومن الكبائر ، من غير أن يكون فيه شركٌ بالله تعالى، إلا أنّه قد يكون وسيلةً للشرك، كما حصل مع قوم نوحٍ عليه السلام؛ حيث اتخذوا أشكال الرجال الصالحين للدعاء لهم، إلا أنّ ذلك أوصلهم إلى الشرك بالله، وعبادة تلك الأشكال، ودليلهم في ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الَّذينَ يصنَعونَ هذِه الصُّوَرَ يعذَّبونَ يومَ القيامةِ، يقالُ لَهم: أحيوا ما خلقتُمْ).
- اختلف العلماء في حكم التصوير بالكاميرا وتصوير الفيديو، وذهبوا في ذلك إلى قولين؛ فذهب البعض إلى القول بتحريمه؛ لأنّه يدخل ضمن الألفاظ العامة التي وردت في الأحاديث النبويّة ، إلا أنّه يجوز عند الحاجة والضرورة، وذهب الآخرون إلى أنّ التصوير ليس فيه مضاهاةٌ لخلق الله تعالى، ويشترط فيه عدم وجود أيّ أمرٍ من الأمور المحرّمة في التصوير، مثل: صور النساء كاشفات العورة.
- ذهب بعض العلماء إلى أنّ التصوير يختلف باختلاف أحواله، وبيان ذلك فيما يأتي:
- إنّ التصوير يحرم إن كان فيه فتنةٌ وإغراءٌ وفسادٌ وإثارةٌ للغرائز والشهوات؛ لأنّ ذلك يؤدي إلى الوقوع في الأمور المحرّمة، ويحرّم كلّ ما أدّى إلى محرّم.
- إنّ من أخلاق المسلم الورع، وترك التصوير من ذلك؛ حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ).
- إنّ من غير الجائز الإنكار على من اتّخذ أو علّق صورةً ليست كاملةً؛ إلا أنّ من الورع ترك ذلك.
- إنّ من الجائز اتخاذ الصور لأغراض التعليم، مثل: تعليم الأطفال وتعليم الأمور الطبيّة؛ فالتصوير جائزٌ للتعليم، سواءً أكان تصويراً آليّاً أم يدويّاً، ودليل ذلك أنّ الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يصنعون الدمى والألعاب لأطفالهم وهو صائمون ؛ حتى ينشغلوا بها عن الجوع والعطش، كما أنّ السيدة عائشة -رضي الله عنها- كان عندها بعض الألعاب والدمى وهي بحضرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
إباحة التصوير المعاصر
ذهب بعض العلماء إلى أنّ كلّ أنواع التصوير المعاصر مباحٌ ولا حرج فيه، بشرط ألّا يكون فيه أيّ محظورٍ شرعاً أو مفاسد لاحقةٍ له، وبشرط أن يكون غير متضمّنٍ في نصوص النهي عن التصوير، وذلك استناداً إلى عدّة أدلّة، بيان بعضها في ما يأتي:
- إنّ الصورة الناتجة من آلات التصوير ليست صورةً مستقلّةً أضافت شيئاً جديدة للإنسان، كما أنّها لا تختلف عن الإنسان المصوَّر، وحقيقة الصورة تكمن في أنّها انعكاسٌ للصورة الحقيقية، وذلك يشبه تماماً عمل المرآة.
- إنّ الصورة الفوتوغرافيّة؛ هي توثيقٌ للصورة الحقيقيّة، وليست صنع خلقٍ جديدٍ لمضاهاة خلق الله، وبناءً على ذلك فالتصوير الفوتوغرافي لا يترتّب عليه وعيدُ يوم القيامة الذي نصّ عليه الحديث النبويّ.
- إنّ العمل الحقيقي لآلة التصوير هي عكس الصورة الحقيقيّة، ولكنّ من باب التساهل؛ أطلق عليها التصوير، حيث إنّ العرب كانت تتوسّع في إطلاق الكثير من الأسماء التي لا تطابق الألفاظ الاصطلاحية الشرعيّة.
- إنّ التصوير المعاصر خالٍ من مظاهر الشرك بالله تعالى، كما أنّها تختلف عن تصوير قوم نوحٍ للرجال الصالحين، وبناءً على ذلك؛ فالنهي عن التصوير لعلة وجود الشرك فيه، نهيٌ باطلٌ لا أصل له.
- إنّ التصوير المعاصر له عدّة جوانب إيجابيّةٍ، منها: توثيق الأحداث الهامّة، ونشر العلم، وتحقيق الأمن.
- إنّ الاصل في الأشياء الإباحة، فلا يحرّم أيّ عملٍ إلا بدليلٍ شرعيّ صحيحٍ يدلّ دلالةً واضحةً وصريحةً عليه، مع مطابقته للأمور المعاصرة.