ما تأثير الإسلام في الشعر والشعراء
الشعر والشعراء
الشعر أحد الفنون الأدبيّة التي اشتهر العرب به وبرعوا فيه، ويُقصد بالشعر كفنٍّ أدبيٍّ: الكلامٌ الموزونٌ، المقسَّمٌ إلى أبياتٍ تكون على قافيةٍ واحدةٍ؛ أي ينتهي كلّ بيتٍ بالحرف ذاته، وتتنوّع موضوعاته وأغراضه، ويمتاز الشعر باستخدام الأساليب الفنيّة المختلفة من الكناية والتشبيه والاستعارة وضرب الأمثلة وغيرها، وقد اهتمّ العرب بالشعر قبل الإسلام، وبرز فيهم شعراء كثرٌ، وكانوا يتفاخرون بينهم في نظم الشعر وقوله، وجاء الإسلام فوضع ضوابط للشعر من حيث مضمونه وأغراضه، فذمّه في أحوالٍ، وحثّ عليه ورغّب فيه في مواطن وأحوالٍ، واشتهر في الإسلام من الصحابة -رضي الله عنهم- شعراء، نُقل إلينا من شعرهم.
تأثير الإسلام في الشعر والشعراء
وردت نصوصٌ شرعيَّةٌ من القرآن الكريم والسنّة النبويَّة في الشعر ونظمه؛ وبيّنت هذه النصوص موقف الإسلام من الشعر والشعراء، وانعكست هذه النصوص الشرعيّة على طبيعة الشعر؛ فهذّبت مضمونه، بوضع ضوابط تحكم الشعر، كما تنوّعت الأغراض الشعريّة ومقاصدها، وفيما يأتي مزيد إيضاحٍ لذلك:
- عدّ الإسلام الشعر في أصله مباحًا بوجهٍ عامٍّ؛ فقد قاله الصحابة -رضي الله عنهم-، كما أنّ الشعر ممّا يُحتاج إليه؛ لمعرفة اللغة العربية، والاستشهاد به لإيضاح معانٍ أو التمثيل لمواقف، وهو وسيلةٌ من وسائل معرفة تاريخ العرب وأنسابهم.
- وردت نصوصٌ شرعيَّةٌ بعضها في ذمّ الشعر والشعراء فسّرها العلماء وبيّنوا مقصودها، وبعضها تمدحه وتزكّيه، ومن ذلك:
- قول الله تعالى: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)؛ فقد ذهب العلماء إلى أنّ الذمّ الوارد في الآيات الكريمة ليس للشعر والشعراء بالمطلق، وإنّما للكذّابين منهم، الذين يعتمدون في شعرهم على الكذب، أو القدح في الناس وقذفهم، أو الكلام البذيء الفاحش، أمّا الشعر ذو المضمون الحسن فهو مندوبٌ، بدليل قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "إنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً".
- قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِن أنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا"؛ والمراد هنا الذمّ لمن قال الشعر وحفظه بالمطلق، وإنّما لمن أسرف وأكثر من ذلك حتّى شُغل به عن القرآن الكريم والذكر وأداء العبادات.
- الروايات الواردة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في أنّه سمع الشعر من بعض الشعراء، فاستحسنه وأثنى عليه، كسماعه لشعر كعب بن زهير.
- حثّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لبعض أصحابه على قول الشعر في مواطن، ومن ذلك حثّه لحسان بن ثابت -رضي الله عنه- على قول الشعر؛ ليردّ على المشركين الذين هجوا الرسول -عليه الصلاة والسلام- فقال له رسول الله: "يا حَسَّانُ، أجِبْ عن رَسولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ أيِّدْهُ برُوحِ القُدُسِ"، وفي روايةٍ أخرى: "اهْجُهُمْ - أوْ هَاجِهِمْ وجِبْرِيلُ معكَ".
من الشعراء في الإسلام
حسان بن ثابت
حسان بن ثابت -رضي الله عنه- الملقّب بشاعر الرسول، من قبيلة الخزرج، عُرفت واشتهرت له أشعارٌ في الدفاع عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ومدحه، ومن شعر حسان -رضي الله عنه- ما يأتي:
هجوت محمدًا فأجبت عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدًا برًّا تقيًّا *** رسول الله شيمته الوفاء
فإنّ أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء
كعب بن زهير
وهو شاعرٌ جاهليٌّ مخضرمٌ، هجا النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بداية الإسلام؛ فأهدر دمه، ثمّ جاء إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يطلب الأمان ودخل في الإسلام، ونظم قصيدته المشهورة التي مطلعها: بانت سُعاد فقلبي اليوم متبول، فعفا النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عنه وأهداه بُردته.
بشر بن ربيعة
وهو من الشعراء الذين شهدوا المعارك والفتوحات زمن الخلفاء الراشدين، وممّا قاله في معركة القادسيّة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:
تذكّر هداك اللَّه وقع سيوفنا ... بباب قديس والقلوب تطير
إذا ما فرغنا من قراع كتيبة ... دلفنا لأخرى كالجبال تسير
وعند أمير المؤمنين نوافل ... وعند المثنّى فضّة وحرير