ما العلاقة بين الايمان والعلم
العلاقة بين الإيمان والعلم
العلم والدِّين لا يتعارضان؛ فإنّ الدِّين جاء موافقاً لِما خلق الله عليه الخَلْق من الفطرة والعقل السليم، كما جاء مهتمّاً بإخبار البشر بما يلزمهم من الغيبيات ممّا لا تستطيع عقولهم الوصول إليه، أمّا العلوم الأخرى فترك للعقل المجال لبحثها معتمداً في ذلك على الواقع والحقيقة، إذ قال ابن القيّم -رحمه الله-: "الرُّسل -صلوات الله وسلامه عليهم- لم يخبروا بما تُحيله العقول، وتقطع باستحالته، بل أخبارهم قسمان؛ ما تشهد به العقول والفِطرة، وما لا تُدركه العقول بمجرّدها، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب، ولا يكون خبرهم مُحالاً في العقول أصلاً، وكلّ خبرٍ يظن أنّ العقل يُحيله، فلا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون الخبر كذباً عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسداً".
وتجدر الإشارة إلى أنّ العلم والإيمان يؤدّي كلّاً منهما إلى الآخر، فالعلم يمثّل الدليل الذي يُوصل الإنسان إلى الدِّين، لذلك كان العالم الأقدر على معرفة التناسق والترابط بين كلّ ما يجري في الكون، ويعلم ما في النِّفس البشريّة، والعقل، كما أنّه الأقدر على معرفة نظام خَلْق السماوات والأرض، والاختلاف في الليل والنهار، وما أنزل الله -تعالى- من الماء فأحيا به الأرض بعد موتها، ولذلك فإنّ العلماء من أعمدة الدِّين والإيمان على مرّ العصور، كما أنّ الدِّين من أسباب تحقيق الراحة والأمان والسكينة، فالمؤمن يعلم بأنّ هناك أموراً تقع ولا سبيل له ولا قوّة لديه إلّا الإيمان والتسليم بوجودها، وأنّ الله وحده القادر على تدبير تلك الأمور، وليس القصد من ذلك عدم الأخذ بالعلم؛ بل لا بدّ من العلم والبحث فيما يتوافق مع الدِّين، فالعلم والإيمان مع بعضهما يؤدّيان إلى التقدّم، وقد عُطف الإيمان على العلم في عدّة مواضع في القرآن الكريم؛ منها: قَوْله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَـذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، وذلك إظهاراً لمكانة العلم، وأهميّته في تحقيق الإيمان في القلوب، فالإيمان دون علمٍ لا يحقّق العقيدة السليمة في النَّفس، التي تحقّق الفوز بالآخرة.
اهتمام الإسلام بالعلم
اهتمّ الإسلام بالعلم والعلماء، وقد حثّ الإسلام المسلمين على طلب العلم، وأكّد على أهمية التعلّم والتعليم، ومما يدلّ على ذلك أنّ أوّل الآيات نزولاً كانت قَوْله -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، فقد أراد الله من ذلك بيان الدستور الإلهيّ، الذي نزل باسمّ المربّي، أي الله -عزّ وجلّ-، فالدستور يتمثّل بالتربية، بأسلوبٍ مُحكمٍ كاملٍ من جميع المجالات، فقد دعا الله -تعالى- وحثّ على الثقافة والعلم، والبحث في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في الكون، وجعل الله -تعالى- بذلك اللِّبنة الأساسيّة للمجتمع، ليكون قارئاً مُتعلّماً، ومن الأحاديث التي حثت على طلب العلم؛ قَوْله -صلّى الله عليه وسلّم: (مَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ له به طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ)، وقد ميّز الله الإنسان عن غيره من المخلوقات؛ إذ جعل لديه الاستعداد للتعلّم؛ فأخضع الله له جميع المخلوقات لتميّزه عنهم بالعلم، واختاره ليكون خليفةُ في الأرض؛ تكريماً ورفعةً من شأن العلم والإنسان.
وممّا يدلّ على اهتمام الإسلام بالعلم؛ ما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ)، وقال أيضاً -عليه الصلاة والسلام-: (العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ، لم يُوَرِّثوا دينارًا، ولا درهمًا، إنما وَرّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ)، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحثّ على طلب العلم لا يقتصر على تعلّم العلم الشرعيّ؛ بل يشمل تعلّم كلّ علمٍ يعود بالفائدة والخير على المُسلمين، أو يكون سبباً في إبعاد الشرّ، كما دلّ الحديث السابق على مكانة العلماء الرفيعة، ودورهم في توجيه المسلمين، حيث اعتبر الله -تعالى- العلماء المُنصفين شهداء له -سبحانه وتعالى- بألوهيته ووحدانيته، وخصّهم بأنّهم أهل الخشية منه؛ لعلمهم بعجيب قُدرة الله -تعالى-، وعظيم صُنعه، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، وقد جعل الله العلم معياراً من معايير اختيار العباد بالحكم، إذ يقول -تعالى- عن حكمة اصطفائه لطالوت ملكاً على بني إسرائيل: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ).
تعريف الإيمان والعلم
الإيمان
الإيمان لفظٌ واسع الاستخدام، إلّا أنّ دلالته تختلف باختلاف موضعه، وإن تقاربت تلك الدلالات، والدلالة الأكثر انشاراً ارتباطها بالدِّين، وإن اختلفت العقائد ، كما أنّ الإيمان يرتبط بالعلم، فلا يُمكن نَفْي العلاقة بينهما، إذ إنّ كلّاً منهما يتحدّث عن الخالق، والكون، والإنسان، ولكلٍّ من ذلك دليلاً يؤيّده.
العلم
ورد العلم في القرآن بمعانٍ عدّةٍ؛ الأوّل: العلم المكتسب؛ وهو: العلم الذي يقوم على الفِطرة التي خُلق عليها الإنسان، مثل: اليقين الجازم بوجودٍ خالقٍ واحدٍ للكون، والثاني: العلم القائم على التجارب الحسيّة، ممّا يراه الإنسان ويتفكّر فيه من الطبيعة والكون والمخلوقات، والثالث: العلم عن طريق الوحي للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، فلا علاقة له بالعقل أو الحواس الخمس؛ بل هو من علم الله -تعالى- يرسله بواسطة الوحي إلى قلب أنبيائه، بالعديد من الحقائق، منها: الغيبية، كأحداث يوم القيامة، والحساب، والحشر، والجنّة، والنّار، وأخبار الأُمم السابقة، وأخبار المستقبل، وبذلك فإنّ الدِّين السليم هو العلم، إذ بعث الله الأنبياء -عليهم السلام- لإخبار الناس بوجود خالقٍ، وتعليمهم الأُمور التي توصل إلى الطريق الصحيح، وإخبارهم أنّ الحياة الدُّنيا زائلةٌ، وأنّ كلّ عبدٍ سُيحاسب على ما قدّم من أعمالٍ.