لولا اشتعال النار فيما جاورت
نص قصيدة: أرأيت أي سوالف وخدود
أرَأَيتَ أَيُّ سَوالِفٍ وَخُدودِ
- عَنَّت لَنا بَينَ اللِوى فَزَرودِ
أَترابُ غافِلَةِ اللَيالي أَلَّفَت
- عُقَدَ الهَوى في يارَقِ وَعُقودِ
بَيضاءُ يَصرَعُها الصِبا عَبَثَ الصَبا
- أُصُلاً بِخوطِ البانَةِ الأُملودِ
وَحشِيَّةٌ تَرمي القُلوبَ إِذا اِغتَدَت
- وَسنى فَما تَصطادُ غَيرَ الصيدِ
لا حَزمَ عِندَ مُجَرِّبٍ فيها وَلا
- جَبّارُ قَومٍ عِندَها بِعَنيدِ
مالي بِرَبعٍ مِنهُمُ مَعهودُ
- إِلّا الأَسى وَعَزيمَةُ المَجلودِ
إِن كانَ مَسعودٌ سَقى أَطلالَهُم
- سَبَلَ الشُؤونِ فَلَستُ مِن مَسعودِ
ظَعَنوا فَكانَ بُكايَ حَولاً بَعدَهُم
- ثُمَّ اِرعَوَيتُ وَذاكَ حُكمُ لَبيدِ
أَجدِر بِجِمرَةِ لَوعَةٍ إِطفاؤُها
- بِالدَمعِ أَن تَزدادَ طولَ وُقودِ
لا أُفقِرُ الطَرَبَ القِلاصَ وَلا أُرى
- مَع زيرِ نِسوانٍ أَشُدُّ قُتودي
شَوقٌ ضَرَحتُ قَذاتَهُ عَن مَشرَبي
- وَهَوىً أَطَرتُ لِحاءَهُ عَن عودي
عامي وَعامُ العيسِ بَينَ وَديقَةٍ
- مَسجورَةٍ وَتَنوفَةٍ صَيخودِ
حَتّى أُغادِرَ كُلَّ يَومٍ بِالفَلا
- لِلطَيرِ عيداً مِن بَناتِ العيدِ
هَيهاتَ مِنها رَوضَةٌ مَحمودَةٌ
- حَتّى تُناخَ بِأَحمَدَ المَحمودِ
بِمُعَرَّسِ العَرَبِ الَّذي وَجَدَت بِهِ
- أَمنَ المَروعِ وَنَجدَةَ المَنجودِ
حَلَّت عُرا أَثقالِها وَهُمومَها
- أَبناءُ إِسماعيلَ فيهِ وَهودِ
أَمَلٌ أَناخَ بِهِم وُفوداً فَاِغتَدَوا
- مِن عِندِهُ وَهُمُ مُناخُ وُفودِ
بَدَأَ النَدى وَأَعادَهُ فيهِم وَكَم
- مِن مُبدِئٍ لِلعُرفِ غَيرُ مُعيدِ
يا أَحمَدَ بنَ أَبي دُوادٍ حُطتَني
- بِحِياطَتي وَلَدَدتَني بِلُدودي
وَمَنَحتَني وُدّاً حَمَيتُ ذِمارَهُ
- وَذِمامَهُ مِن هِجرَةٍ وَصُدودِ
وَلَكَم عَدُوٍّ قالَ لي مُتَمَثِّلاً
- كَم مِن وَدودٍ لَيسَ بِالمَودودِ
أَضجَت إِيادٌ في مَعَدٍّ كُلِّها
- وَهُمُ إِيادُ بِنائِها المَمدودِ
تَنميكَ في قُلَلِ المَكارِمِ وَالعُلى
- زُهرٌ لِزُهرِ أُبُوَّةٍ وَجُدودِ
إِن كُنتُمُ عادِيَّ ذاكَ النَبعِ إِن
- نَسَبوا وَفَلقَةَ ذَلِكَ الجُلمودِ
وَشَرِكتُموهُم دونَنا فَلَأَنتُمُ
- شُرَكاؤُنا مِن دونِهِم في الجودِ
كَعبٌ وَحاتَمٌ اللَذانِ تَقَسَّما
- خُطَطَ العُلى مِن طارِفٍ وَتَليدِ
هَذا الَّذي خَلَفَ السَحابَ وَماتَ ذا
- في المَجدِ ميتَةَ خِضرِمٍ صِنديدِ
إِلّا يَكُن فيها الشَهيدَ فَقَومُهُ
- لا يَسمَحونَ بِهِ بِأَلفِ شَهيدِ
ما قاسَيا في المَجدِ إِلّا دونَ ما
- قاسَيتَهُ في العَدلِ وَالتَوحيدِ
فَاِسمَع مَقالَةَ زائِرٍ لَم تَشتَبِه
- آراؤُهُ عِندَ اِشتِباهِ البيدِ
يَستامُ بَعضَ القَولِ مِنكَ بِفِعلِهِ
- كَمَلاً وَعَفوَ رِضاكَ بِالمَجهودِ
أَسرى طَريداً لِلحَياءِ مِنَ الَّتي
- زَعَموا وَلَيسَ لِرَهبَةٍ بِطَريدِ
كُنتَ الرَبيعَ أَمامَهُ وَوَراءَهُ
- قَمَرُ القَبائِلِ خالِدِ بنِ يَزيدِ
فَالغَيثُ مِن زُهرٍ سَحابَةُ رَأفَةٍ
- وَالرُكنُ مِن شَيبانَ طَودُ حَديدِ
وَغَداً تَبَيَّنُ ما بَراءَةُ ساحَتي
- لَو قَد نَفَضتَ تَهائِمي وَنُجودي
هَذا الوَليدُ رَأى التَثَبُّتَ بَعدَما
- قالوا يَزيدُ بنُ المُهَلَّبِ مودِ
فَتَزَعزَعَ الزورُ المُؤَسَّسُ عِندَهُ
- وَبِناءُ هَذا الإِفكِ غَيرُ مَشيدِ
وَتَمَكَّنَ اِبنُ أَبي سَعيدٍ مِن حِجا
- مَلِكٍ بِشُكرِ بَني المُلوكِ سَعيدِ
ما خالِدٌ لي دونَ أَيّوبٍ وَلا
- عَبدُ العَزيزِ وَلَستُ دونَ وَليدِ
نَفسي فِداؤُكَ أَيَّ بابٍ مُلِمَّةٍ
- لَم يُرمَ فيهِ إِلَيكَ بِالإِقليدِ
لِمُقارِفِ البُهتانِ غَيرُ مُقارِفٍ
- وَمِنَ البَعيدِ الرَهطِ غَيرُ بَعيدِ
لَمّا أَظَلَّتني غَمامُكَ أَصبَحَت
- تِلكَ الشُهودُ عَلَيَّ وَهِيَ شُهودي
مِن بَعدِ أَن ظَنّوا بِأَن سَيَكونُ لي
- يَومٌ بِبَغيِِهِم كَيَومِ عَبيدِ
أُمنِيَّةٌ ما صادَفوا شَيطانَها
- فيها بِعِفريتٍ وَلا بِمَريدِ
نَزَعوا بِسَهمِ قَطيعَةٍ يَهفو بِهِ
- ريشُ العُقوقِ فَكانَ غَيرَ سَديدِ
وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ
- طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
لَولا اِشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَت
- ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ
لَولا التَخَوُّفَ لِلعَواقِبِ لَم تَزَل
- لِلحاسِدِ النُعمى عَلى المَحسودِ
خُذها مُثَقَّفَةَ القَوافي رَبُّها
- لِسَوابِغِ النَعماءِ غَيرُ كَنودِ
حَذّاءُ تَملَأُ كُلَّ أُذنٍ حِكمَةً
- وَبَلاغَةً وَتُدَرُّ كُلَّ وَريدِ
كَالطَعنَةِ النَجلاءِ مِن يَدِ ثائِرٍ
- بِأَخيهِ أَو كَالضَربَةِ الأُخدودِ
كَالدُرِّ وَالمَرجانِ أُلِّفَ نَظمُهُ
- بِالشَذرِ في عُنُقِ الفَتاةِ الرودِ
كَشَقيقَةِ البُردِ المُنَمنَمِ وَشيُهُ
- في أَرضِ مَهرَةَ أَو بِلادِ تَزيدِ
يُعطي بِها البُشرى الكَريمُ وَيَحتَبي
- بِرِدائِها في المَحفَلِ المَشهودِ
بُشرى الغَنِيِّ أَبي البَناتِ تَتابَعَت
- بُشَراؤُهُ بِالفارِسِ المَولودِ
كَرُقى الأَساوِدِ وَالأَراقِمِ طالَما
- نَزَعَت حُماتَ سَخائِمٍ وَحُقودِ
معاني مقطع لولا اشتعال النار فيما جاورت
وَإِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ
- طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
لَولا اِشتِعالُ النارِ فيما جاوَرَت
- ما كانَ يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ
- فضيلة: الدَّرجة الرفيعة في حسن الخلق.
- طويَت: أخفِيَت.
- طيب: عطر الرائحة.
- العود: ضربٌ من الطيب يُتَبَخَّرُ به.
شرح مقطع لولا اشتعال النار فيما جاورت
يشبه الشاعر الإنسان الحليم وطيب الخلق في الحياة بالعود الذي يخرج منه أطيب الروائح عند احراقه؛ وكذلك الإنسان كلما اشتدّت أزمته وضاقت الدنيا عليه يظهر طيب أصله وخلقه وحلمه فيزداد حلمًا وجمالًا ورفعة. فالله -سبحانه وتعالى- يسبب الأسباب ليميز الخبيث من الطيب.
والقصد أن الأخلاق الفضيلة وطيب الأصل لكرام القوم يظهرُها الله على ألسنة حسادهم ومن يكرهوهم، وبذلك يكونون سببًا في نشر فضائلهم وأداة لإذاعتها، ومثل ذلك كالنار التي تشتعل في العود فتنبعث منه أطيب الروائح الزّكية؛ وبذلك فألسنة الحسّاد وشرهم يكون سببًا به تعرَف فضائل الناس كالنار التي يعرَف بها طيب العود.
فكل فضيلة لا بد أن يقوم الحسّاد بمحاربتها ومهاجمة أصحابها غير أن أهل الحق يتمسكون بها أكثر ويضحون من أجلها، وبذلك يسارعون الناس في البحث عن هذه القيمة فتنتشر ويقترب الناس منها أكثر، ويسعون للامتثال لها وتطبيقها.
إعراب مقطع لولا اشتعال النار فيما جاورت
إذا: اسم شرط غير جازم.
أراد: فعل ماض مبني على الفتحة وهو فعل الشرط.
الله: فاعل مرفوع وعلامة رفعة الضمة الظاهرة على آخره.
نشر: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.
فضيلة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
طويت: فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هي.
أتاح: فعل ماض مبني على الفتحة.
والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
لها: حرف جر واسم مجرور
لسان: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.
حسود: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
والبيت كله في محل رفع خبر للمبتدأ.
لولا: حرف امتناع لوجود مبني لا محل له من الإعراب.
اشتعال: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
والخبر محذوف وجوبًا تقديره حاصل أو موجود.
النار: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
في: حرف جر.
ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني لا محل له من الإعراب.
جاورت: جاور فعل ماض مبني على الفتح، وتاء التأنيث الساكنة ضمير متصل لا محل له من الإعراب.
والفاعل ضمير مستتر تقديره هي.
وجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
ما: حرف نفي مبني على السكون.
كان: فعل ماض ناقص مبني على على الفتحة.
يعرف: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الضاهرة على آخره.
ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع اسم كان.
طيب: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.