لماذا نصوم الأيام البيض
الحِكمة من صيام الأيام البِيض
يتميّز الصيام من بين العبادات والأعمال الصالحة بأنّ الله -تعالى- اختصّ أجره لنفسه، ولهذا يُستحَبّ صيام الأيّام البِيض، إلى جانب العديد من الأسباب الأخرى، والتي منها: اتِّباع النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ كان حريصاً على صيام تلك الأيّام، كما أنّه حثّ الصحابة -رضي الله عنهم- على صيامها؛ فقد ورد عنه أنّه قال: (صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ صيامُ الدَّهرِ، وأيَّامُ البيضِ صبيحةَ ثلاثَ عشرةَ وأربعَ عشرةَ وخمسَ عشرة)، ومن الأسباب التي تدعو إلى صيام تلك الأيّام أيضاً ما يترتّب عليها من الأجر العظيم؛ إذ إنّ أجرها كأجر صيام الدَّهر؛ فأجر صيام ثلاثة أيّامٍ يُعادل أجر صيام ثلاثين يوماً باعتبار أنّ أجر صيام اليوم منها يُعادل أجر صيام عشرة أيّامٍ؛ فالحَسَنة بعشر أمثالها، فإن حرص المسلم على صيامها في أحد عشر شهراً، نال أجر صيامها كاملةً، ويُتمّ أجرَ صيام السنة كاملةً بصيام شهر رمضان كاملاً، كما أنّ صيام الأيّام البِيض يدخل في جُملة النوافل من العبادات التي يتقرّب بها العبد من ربّه؛ لينال بها رضاه، ومَحبّته.
وممّا ذُكِر من حِكم مشروعيّة صيام الأيّام البِيض أنّ في صيامها تضييقاً على وساوس الشيطان؛ إذ إنّ الصيام يُحقّق التقوى في القلوب؛ فيتجنّب المسلم الوقوع في المعاصي والذنوب، ويحرص على أداء الطاعات والعبادات، وقد أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أمّ المؤمنين صفيّة -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ)، وقِيل في علّة مشروعيّة صيامها أنّ فيه شُكراً لله -سبحانه- على ما أنعمَ به على عباده، وهي فرصةٌ عظيمةٌ لتحقيق خيريّة الأمّة؛ إذ لا يتحقّق ذلك الهدف إلّا بالاستزادة من نوافل الأعمال الصالحة، والعبادات، فقد ثبت عن الصحابيّ أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (من عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ).
كما أنّ الصيام يجبر النقص أو الخلل الذي قد يقع في العبادات الواجبة، وقد ثبت في الحديث الشريف أنّ صيام الأيّام البِيض ممّا يُهذّب القلوب، ويُطهّرها، ويجليها من آفاتها وشرورها، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (ألا أخبرُكُم بما يُذهبُ وحرَ الصَّدرِ ، صومُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهْرٍ).
تعريف الأيام البِيض
يُطلَق مصطلح الأيّام البِيض على الأيّام التي تكون في وسط الشهر القمريّ، وتحديداً: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، وقد سُمِّيت تلك الأيّام بهذا الاسم؛ لأنّ لياليها تكون بيضاء مُضيئةً، ويُعَدّ صيامها من صيام التطوُّع الذي يُعَدّ نافلةً في حقّ المسلم، وليس واجباً، وهو صيامٌ مُقيَّدٌ بوقتٍ مُعيَّنٍ من السنة، كصيام يوم عاشوراء، وصيام يوم الاثنين من كلّ أسبوعٍ، وغيرها،
وقد ذهب إلى القَوْل باستحباب صيام تلك الأيّام جمهور العلماء من الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة؛ استدلالاً بما ورد في فَضْل صيامها في السنّة النبويّة ؛ فقد جاء في حديثٍ نبويٍّ ذِكر فَضْل صيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ مُطلَقاً دون تعيين أيّامٍ مُعيَّنةٍ من الشهر؛ إذ ورد عن الصحابيّ عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال له: (وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فإنَّ الحَسَنَةَ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذلكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ)، كما استحبّ جمهور العلماء أيضاً صيام الأيّام البِيض من كلّ شهرٍ، وتحديداً الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ لِما ورد عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (يا أبا ذَرٍّ إذا صُمْتَ من الشهرِ ثلاثةَ أيامٍ، فصُمْ ثلاثَ عَشْرَةَ، وأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وخَمْسَ عَشْرَةَ)، أمّا المالكيّة فقالوا بكراهة تعيين الأيّام البِيض بصيام التطوُّع؛ لِئلّا يعتقد الناس وجوب صيامها على التحديد دون غيرها من الأيّام.
أحوال صيام الأيام البِيض
يعتاد البعض صيام الأيّام الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من كلّ شهرٍ قمريٍّ، إلّا أنّه قد يتعذّر على المسلم في بعض الشُّهور صيامها على وجه التحديد؛ لسببٍ طارىءٍ؛ من سفرٍ، أو مرضٍ، أو ضيقٍ، أو مللٍ، أو ما يُصيب النساء في كلّ شهرٍ من حلول موعد الحيض ؛ ولهذا يُترَك صيامها مع الحرص على صيام ثلاثة أيّامٍ أخرى من الشهر نفسه حين ذهاب العُذر؛ لنَيْل الأجر والثواب المُترتِّب على صيامها؛ فقد ورد عن معاذة العدويّة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (قلتُ لعائشةَ: أَكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يصومُ من كلِّ شَهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ قالت نعَم قلتُ من أيِّ شَهرٍ كانَ يصومُ قالت ما كانَ يبالي من أيِّ أيَّامِ الشَّهرِ كانَ يصومُ)، فالأجر مُتحصِّلٌ للمسلم إن صام ثلاثة أيّامٍ من الشهر، وإن كان الأفضل في حَقّه صيام الأيّام البِيض ، إلّا إن مَنَعه عُذره من ذلك، وإن صامها في أيّ أيّام الشهر؛ فيجوز له صيامها مُتتابعةً أو مُتفرِّقة؛ سواءً في أوّل الشهر، أو أوسطه، أو آخره.