لماذا لم يسلم ابو جهل
أبو جهل
اسمه عمرو بن هشام، وكان يكنى بأبي الحكم، ثمّ كناه النبي -عليه الصّلاة والسّلام- بأبي جهلٍ؛ لشدة عداوته للإسلام ، وللرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومن صور عداء أبي جهل لرسول الله؛ أنّه حاول ضربه وهو يصلي عند الكعبة، فلمّا اقترب من رسول الله أخذ بالرجوع إلى الخلف والاتقاء بيديه، فلما سألوه عن ذلك قال: لقد رأيت بيني وبينه خندقاً من نار، وهولاً، وأجنحةً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:( لو دنا مني لاختطَفَتْه الملائكةُ عضوًا عضوًا)، ورى الطّبري أنّ قوله تعالى :(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) نزل في أبي جهلٍ؛ وسبب نزوله أنّ أبا جهلٍ كان يطوف بالكعبة برفقة الوليد بن المغيرة فتحدثا بشأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو جهل: والله إنّي لأعلم إنّه لصادقٌ، فتعجّب الوليد وسأله عن السّبب الذي يجعله متأكداً من صدق النّبي، فأجابه بأنّهم كانوا في صبا النبي يسمّونه الصادق الأمين، أفبعد أن تمّ عقله وكمل رشده يسمّونه الكاذب الخائن؟! فقال الوليد: وما يمنعك من الإيمان به، فقال: (حتى لا تقول بنات قريشٍ أنّي اتبعت يتيم أبي طالبٍ من أجل كسرة، واللات والعزى لا أتبعه أبداً)، وروى ابن عباس رضي الله عنه: أنّ أبا جهلٍ أتى إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يصلي عند الكعبة فقال له: ألم أنهك عن ذلك؟ ألم أنهك عن ذلك؟ وأعادها عليه ثلاث مراتٍ، فذهب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فنهره ثمّ قال له: إنّك لتعلم ما في مكة من نادٍ أكثر مني فأنزل الله تعالى قوله: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ).
سبب عدم إسلام أبي جهل
إنّ عدم إسلام أبي جهلٍ كان لأسبابٍ ذكرها هو في بعض الروايات؛ منها ما رواه أبو يزيد المدني أنّ أبا جهلٍ لقي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في أحد الأيام فصافحه، فقال له رجلٌ: أراك تصافح هذا الصابىء؟ ويقصد بالصابئ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو جهل: (والله إنّي لأعلم إنّه لنبي، ولكن متى كنّا لبنيّ عبد مناف تبعاً)، وفي قصةٍ أخرى كان أبو جهلٍ يأتي مُتخفياً في ظلام الليل، فيجلس ويستمع لقراءة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للقرآن الكريم ، وكان أبوسفيان بن حرب والأخنس بن شريق يتسمّعان كذلك ولا أحد منهم يعلم عن الأخر، فلمّا أشرقت الشمس التقى ثلاثتهم في طريق العودة، فحييوا بعضهم وسأل كلّ واحدٍ منهم الآخر عن سبب وجوده في ذلك المكان؛ فأخبروا بعضهم عن سبب مجيئهم، ثمّ تعاهدوا على ألّا يعودوا إلى ذلك مرةً أخرى؛ حتى لا يعلم شباب قريش بمجيئهم فيفتتنوا بذلك، فلما كانت الليلة الثانية عاد كلّ واحدٍ منهم ليستمع وهو يظن أن صاحبيه لن يأتيا بعد أن قطعوا العهود على ذلك، فاستمعوا ثمّ تلاقوا في طريق العودة فتلاوموا، ثمّ تعاهدوا كما في الليلة السابقة، ولما جاءت الليلة الثالثة، عادوا مرةً ثالثةً، فلما أصبحوا تعاهدوا على أن لا يعودوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق ذهب إلى أبي سفيان وقال له: ما رأيك يا أبا سفيان بما سمعت من محمد، فقال: (سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء لا أعرفها ولا أعرف ما يراد بها)، فقال الأخنس وأنا مثلك، ثمّ ذهب إلى أبي جهل فسأله عن رأيه بما سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: (ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسيّ رهان، قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذا؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه) فقام عنه وتركه، وروى ابن جرير أنّ سبب نزول قوله تعالى: ( قَد نَعلَمُ إِنَّهُ لَيَحزُنُكَ الَّذي يَقولونَ فَإِنَّهُم لا يُكَذِّبونَكَ وَلـكِنَّ الظّالِمينَ بِآياتِ اللَّـهِ يَجحَدونَ)، أنّ الأخنس بن شريق خاطب بني زهرة يوم بدرٍ بشأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ التقى بأبي جهلٍ فسأله عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أصادقٌ هو أم كاذبٌ، فقال أبو جهل: (ويحك إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء، والسقاية، والحجابة، والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟).
مقتل أبي جهلٍ
من الغريب أنّ أبا جهلٍ استفتح يوم بدرٍ بالدعاء حيث قال: (اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة)، ويدل ذلك على أنّ أبا جهلٍ كان يعلم أنّ الله تعالى هو خالق السماوات والأرض، وله من القدرة ما لا طاقة لبشرٍ بحربه، بل كان يدعوه ويستغيثه أيضاً، ولكنّ ذلك لم يجعله من المؤمنين ولا قرّبه من الإيمان ، بل سمّاه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فرعون هذه الأمة، واقتضت حكمة الله تعالى أنّ مقتل أبي جهل لم يكن على يد صنديدٍ من صناديد المسلمين من أمثال: سعد بن معاذ، أو حمزة بن عبد المطلب ، أو أبي دجانة، ولكن كان على يد غلاميين من الأنصار في مقتبل العمر هما: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما، وعبدالله بن مسعود الذي كان قصير القامة نحيل البدن، وكان أبو جهلٍ يُسميه "رويعي الغنم"، ولمّا وصل خبر مقتل أبي جهلٍ للرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قام فصلى ركعتين؛ شكراً لله تعالى.