لماذا سميت الكتب الصحاح بهذا الاسم
السُّنة النبويّة
ترك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إرثاً كبيراً من الأحكام والأقوال والتّشريعات التي كانت وما زالت منارةً للأُمّة؛ فالحديث الشّريف هو كلّ ما ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من الأقوال، أو الأفعال، أو التّقريرات، وقد بيّن النبيّ الكريم أنّه قد أوتي القرآن ومثلَه معه؛ فكانت السُّنة النبويّة إحدى أهمِّ مصادر التّشريع الرّئيسيّة في الدّين الإسلاميّ بعد القرآن الكريم، وقد عُنِي عددٌ من العلماء بجمع الحديث الشّريف عنايةً كبيرةً، حتّى انتقل الحديث الشّريف من مرحلة الحفظ في الصّدور إلى مرحلة الكتابة والتّدوين في الكتب والصّحف.
كان أوّل من جمع الأحاديث الصِّحاح من العلماء هو الإمام محمّد بن إسماعيل البخاريّ الذي عمل جاهداً لجمع الحديث عن طريق سماعه، وتدوينه، وأخذه عمّن حفظوه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أو سمعوه منه، أو ممّن نقلوه عنه، ثمّ جاء بعد الإمام البخاريّ مجموعة من العلماء الذين اجتهدوا في جمع الحديث النبويّ والتَّحقُّق من صحّته بكلّ الوسائل المُتاحة لذلك، حتّى جمعوا منه ما صحَّ، وعلموا ما كان فيه ضعيفاً أو موضوعاً أو لا يُحتَجُّ به، فأفادوا واستفادوا، وبقي ذلك الإرث النبويّ العظيم حاضراً مُتاحاً لكلّ طالب علمٍ أو راغبٍ في الازدياد من سيرة المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- بتوفيقٍ من الله، ثمّ بفضل هؤلاء الرِّجال من أهل العلم ومن تَبِعهم.
سبب تسمية الكتب الصِّحاح بهذا الاسم
اعتمد بعض علماء الحديث الذين جمعوا الحديث ونقّحوه عدداً من الشّروط الدّقيقة، حتّى وصلوا إلى نتائج مُبهرة في جمع الأحاديث، وتُعدّ الكتب الستّة المشهورة عند أهل السُّنة من أصحِّ ما جاء في جمع الحديث الشّريف وتنقيحه، وهي: صحيح البخاري للإمام محمّد بن إسماعيل البخاريّ، وصحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجّاج النيسابوريّ، وسُنَن أبي داود، وسُنَن ابن ماجة، وسُنَن النسائيّ، وسُنَن الترمذيّ، أمّا صحيحا البخاري ومسلم، فهما أصحُّ كتابين من كُتُب الحديث على الإطلاق، بل هما أصدق ما جاء من كُتب أهل السُّنة باتّفاق العلماء، وقد أجمعت الأمّة على قبول ما جاء فيهما، إلا أنّه قد ورد فيهما شيءٌ يسيرٌ من الأحاديث التي رُبّما نزلت في مرتبتها عن باقي الأحاديث الواردة في صحيحيهما، وذلك دليلٌ على أنّ الكمال لا يمكن أن يكون إلا لكتاب الله سبحانه وتعالى فقط.
وجد علماء الجَرح والتّعديل أنّ باقي الكُتُب المُسَمّاة بكتب السُّنن سابقة الذِّكر قد احتوت على كمٍّ ليس بالقليل من الأحاديث الضّعيفة ، لذا ينبغي عند النَّقل منها أن يتحقّق المسلم من درجة الحديث المنقول أوّلاً بناءً على ما وصل إليه علماء الجَرح والتّعديل في ذلك، ولكنّ ذلك لا يُخرِجها عن كونها من كُتُب الصِّحاح المُعتَبرة عند أهل السُّنة، لذلك جاءت تسمية هذه الكتب السّتة بالصِّحاح، فإذا مرَّ ذِكر الصِّحاح فإنّما يُقصَد بها هذه الكُتب الستّة إطلاقاً، وقد أُضيفت إليها ثلاثةٌ أخرى عند بعض أهل الحديث ، وهي: سُنَن الدارميّ، وموطّأ الإمام مالك، ومُسند أحمد بن حنبل.
الكُتب الصِّحاح
صحيح البخاريّ
الإمام البخاريّ هو أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفيّ، وُلِد يوم الجمعة أو ليلتها، الموافق للثّالث عشر من شوّال من عام 194هـ، وقد كان مولده في مدينة بُخارى التي تقع غرب جمهوريّة أوزبكستان، وكان والده من أهل التّقوى والوَرَع، وقد تُوفّي عندما كان الإمام البخاري طفلاً صغيراً، فورِث عنه المال الكثير؛ فأنفق معظمه في طلب الحديث والسّفر لأجل هذه الغاية، وأنفق باقي ماله على الصّدقة.
يُسمّى صحيح البخاريّ حسب ما سمّاه مؤلّفه بـ (الجامع المُسند الصّحيح المُختصر من أمور رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وسُنَنه وأيّامه)، إلا أنّه يُعرَف اختِصاراً باسم صحيح البخاريّ، وقد جمع فيه صاحبه كمّاً هائلاً من الأحاديث المُختارَة ممّا صحَّ نقله عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث بلغ عدد ما جمعه من أحاديث النبيّ 7275 حديثاً بما فيها ما كان له أكثر مِن سَنَدٍ عن النبيّ، وبإسقاط المُكرَّر منها يبلغ عددها حوالي 4000 حديث تقريباً.
صحيح مسلم
جمع الإمام مسلم الحديث النبويّ في كتابه (المُسند الصّحيح المُختصر من السُّنن بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم)؛ وقد سُمِّي بصحيح مُسلم اختصاراً وتخفيفاً عن النّاس عند ذِكره، ويُعدّ هذا الكتاب أصحَّ كتابٍ بعد صحيح البخاريّ. وقد اقتصر الإمام مسلم في صحيحه على ما ثبت من الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وترك أيَّ حديثٍ فيه شيء من الضّعف ؛ لذلك بلغ كتابه من الصّحّة درجةً عاليةً، وقد انتهج في ذلك نهج شيخه البخاريّ، إلا أنّه رتّب صحيحه وفق الأبواب الفقهيّة، ممّا ميّز صحيحه عن صحيح البخاريّ وجعله أكثر تنظيماً، مع أفضليّة صحيح البخاري من حيث القوّة على صحيح مسلم.
كان الإمام مسلم على خلاف شيخه البخاريّ يتجنّب تشتيت روايات الحديث الواحد في كتب الفقه وأبوابه، بل عمَد إلى جمع الأحاديث في الموضوع الواحد في مكانٍ واحدٍ في كتابه، وقد قسَّم الإمام مسلم صحيحَه إلى كتب فقهيّة، مثل: الطّهارة، والصّلاة، والصّيام، والحجّ، وهكذا، وقسَّم كلّ كتابٍ من تلك الكتب إلى أبواب كذلك وفق الأبواب المناسبة لذلك، ثمّ عمد إلى تلك الأبواب ورتَّب الأحاديث التي وردت فيها ترتيباً دقيقاً، وقد بلغ عدد تلك الكتب 54 كتاباً؛ كان أوّلها كتاب الإيمان ، وآخرها كتاب التّفسير، أمّا عدد الأحاديث في صحيحه دون المُكرَّر فقد بلغ قرابة ثلاثة الآف حديث.
سُنَن أبي داود
صاحب السُّنن هو سليمان بن الأشعث بن شدّاد بن عمرو بن إسحاق بن بشير الأزديّ السجستانيّ، وسُمِّي السجستانيّ نسبةً إلى سجستان. وُلِد الإمام أبو داود السجستانيّ عام 202هـ، وانتقل إلى بغداد، وتتَلمذ على يدي الإمام أحمد بن حنبل ولازمه طويلاً، ثمّ انتقل إلى الحجاز، والعراق، وخراسان، والشّام، ومصر، وقد جمع في كتابه ما يقارب 5300 حديثٍ ، ثمّ استقرّ في البصرة وتوفّي فيها عام 275هـ عن عمرٍ يُناهز 73 عاماً.
سُنَن الترمذيّ
نُسِب كتاب سُنَن الترمذيّ إلى الإمام المُحدِّث أبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحّاك السلميّ الترمذيّ، وُلِد في ترمذ إحدى بلدان ما وراء النّهر عام 209هـ، وقد تتَلمذ على يدي الإمام البخاريّ فتعلّم منه أصول الحديث، ثمّ تنقّل إلى عدّة بلدان لطلب الحديث، ومنها: خراسان، والعراق، والحجاز، وقد اشتُهِر بشدّة حفظه، ودِقّته، وأمانته، وعِلمه، ومن شيوخه: الإمام أحمد بن حنبل، وأبو داود.
جمع التّرمذيّ في كتابه ما يُفيد الفقيه والمتفقِّه؛ حيث ذكر الحديث في أحكام الفقه، ثمّ ذكر أسانيده والصّحابة الذين روَوه، وحكم على الحديث من حيث الصحّة والضّعف، فتفرَّد بذلك بين أصحاب السُّنن ، ثمّ بيِّن من الذين أخذوا بهذا الحديث من الفُقهاء ومن لم يأخذ به، وقد أصابه العمى في آخر حياته، وتوفّي عام 279هـ.
سُنَن النسائيّ
يُنسَب كتاب سُنَن النسائيّ إلى صاحبه الإمام النسائيّ، واسمه هو أحمد بن شعيب بن عليّ بن سنان بن بحر بن دينار النسائيّ، ويرجع أصله إلى مدينة نسا -من خراسان- التي يُنسَب إليها، ويصحُّ أن يُقال في نسبته: نَسَويّ ونَسائيّ. وُلِد النسائيّ عام 215هـ، وكان من أهل الورع والتُّقى، ومن تقواه أنّه كان يصوم صيام داود عليه السّلام؛ فيصوم يوماً ويفطر يوماً. سكن النسائيّ مصر فترةً من حياته، وفيها انتشرت تصانيفه، وأخذ عنه النّاس من علمه، ثمّ انتقل بعد ذلك إلى دمشق، وتوفّي فيها يوم الاثنين الثّالث عشر من شهر صفر عام 300هـ؛ عن عمرٍ يُناهز 85 عاماً.
سُنَن ابن ماجة
ابن ماجة هو محمّد بن يزيد الربعيّ القزوينيّ، وكنيته أبو عبد الله، أمّا ماجة فهو لقبٌ كان يُعرَف به والده يزيد، كما اشتُهِر بالرَّبعيّ نسبةً إلى ربيعة. وُلِد ابن ماجة في قزوين وإليها يُنسَب، وقد كانت ولادته عام 209هـ، وقد ارتحل إلى العراق، والبصرة، والكوفة، وبغداد، ومكّة، والشّام، ومصر، والريّ؛ لطلب الحديث وتدوينه، وتوفّي يوم الاثنين، في الثاني والعشرين من رمضان عام 273هـ، وكان عمره حينها 64 عاماً.