لماذا سمي الحواريون بهذا الاسم
لماذا سمّي الحواريون بهذا الاسم
تعددت أقوالُ العُلماء في سبب تسمية الحواريّين بهذا الاسم، وفيما يأتي بيان أقوالهم:
- سُمّي الحواريّون بذلك لتصديقهم الأنبياء، وشهادتهم لهم بالصّدق، وقال الزّجاج: الحوايّون هم المخلصين والذين نقّوا من كلّ عيب، وقال ابن الأنباريّ: هم المجاهدون.
- سُمّي الحواريّون بذلك لأنّهم تصلحُ لهم الخِلافة، ونقل هذا القول ابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهم عن قتادة.
- سُمّي الحواريّون بذلك لبياض ثيابهم؛ وهو قول بعض العُلماء والصحابة كابن عباس -رضي الله عنه-.
- سُمّي الحواريّون بذلك لأنهم كانوا يُحوّرون الثياب؛ أي يغسلونها، وقد نقل هذا القول وَابْن جرير عَن أبي أَرْطَاة، وكُل ما يُبيّض الثياب فهو الحور؛ فقد كانوا يُحوّرون الثياب ويُبيّضونها.
- سُمّي الحواريّون بذلك لأنهم أصفياء الأنبياء ، وهو قول الضّحّاك، وقيل لأنّهم وزراء الأنبياء، أو مُناصريهم، وهو قول قتادة وسفيان بن عيينة.
- سُمّي الحواريّون بذلك لنُصرتهم لعيسى -عليه السلام-؛ فكُلُّ مَن يقوم بالنُّصرة فهو حواريّ.
- قيل الحواريّون تعني الصيّادين، وسمّوا بذلك لأنّهم كانوا يعملون بالصّيد، وهو قول ابن عبّاس وغيره، وقيل: المُلوك، وقال الضحّاك ومُقاتل: القصّارون، وقال الفرّاء: إنهم خاصةُ أصحاب الأنبياء، وقال قُطرب: هُم الذين يُنظّفون الثياب ويغسلونها.
من هم الحواريون
تُطلق الحواريّون على أصحاب عيسى -عليه السلام- الذين آمنوا به وناصروه، ومنهُ قولهُ -تعالى-: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، فكانوا أصحابهُ وخاصّته ومُناصروه الذين وقفوا معه ضدّ الذين كفروا به من بني إسرائيل ، ووقفوا معه بتبليغ دعوته، وقيل: هُم قصّارون مرّ بهم نبي الله عيسى -عليه السلام-، فآمنوا به، واتّبعوه، وناصروه، وأصبحوا وزراءه وأصفياءه، وقيل: هُم أصفياء الأنبياء، وهُم أصحاب عيسى -عليه السلام- الخُلصاء؛ الذين آمنوا وصفت قُلوبهم من الكُفر والنِفاق، وأخذوا عنه تعاليمه، وانتشروا في القُرى؛ لِنشرها بين الناس.
وذكر الألوسيّ في تفسيره أنهم اثنا عشر رجلاً، أو تسعةٌ وعشرون، اتّبعوا دعوة عيسى -عليه السلام- ، وكانوا إذا عطشوا أو جاعوا ضربوا بأيديهم الأرض، فيُخرج الله -تعالى- لهم الأكل والشُرب، وأمر الله -تعالى- عباده أن يكونوا أنصاراً له في جميع أحوالهم؛ بأقوالهم، وأفعالهم، وأموالهم، وأنفُسِهِم، وأن يستجيبوا لله -تعالى- ورسوله، وجاء ذكرهم في القرآن الكريم في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)، وقيل إن الحواريّ تُطلق على كُلّ أنصار الأنبياء، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- : (لكُلِّ نَبيٍّ حَوارِيٌّ، والزُّبَيرُ حَوارِيَّ، وابنُ عَمَّتي).
موقف الحواريين من دعوة عيسى وصفاتهم
صفات الحواريين
توجد العديد من الصفات التي اتّصف بها الحواريّون، وفيما يأتي بيانها:
- الرأفة والخُشوع لما أنزله الله -تعالى-، وهم كثيروا الرحمة بالناس، وشديدوا القناعة والزُّهد والرضا بما أعطاهم الله -تعالى- من الدُنيا.
- الإخلاص لعيسى -عليه السلام-، والدعوة إلى الحق، والإيمان بالله -تعالى-، والتضرُّع إليه ودُعاؤه ، كما كانوا أصفياء النية لله -تعالى-، وأصفياء الأنفُس من الهوى.
إيمان الحواريّين
أمر الله -تعالى- الحواريّين بالإيمان به وبرسوله، فاستجابوا لأمره ودعوته، لِقوله -تعالى-: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ)، وذكر الله -تعالى- في آيةٍ أُخرى أنهم آمنوا به وبالإنجيل، فقال -تعالى-: (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ)، وكانوا على ثقةٍ بالله -تعالى- وإيمانٍ عميقٍ به، لِقولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّـهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ).
طلب الحواريّين مائدة من السماء لتطمئنّ قلوبهم
ذكر ابن عباس وسلمان الفارسيّ وعمّار بن ياسر -رضي الله عنهم- أن عيسى -عليه السلام- طلب من الحواريّين صيام ثلاثين يوماً، وبعد إتمامهم الصيام طلبوا منه أن يُنزّل عليهم مائدةً من السماء ؛ لتطمئنّ قُلوبهم بأن الله -تعالى- قد قبل صيامهم، وحتى تكون لهم عيداً، فنصحهم نبيُّهم وقال لهم إنه يخاف أن لا يؤدّوا شُكرها، وأنّهم لن يقدروا على تأدية شُروطها، وأمرهم بأن لا يسألوا كما كان بنو إسرائيل يطلبون من موسى -عليه السلام- أموراً على سبيل التعجيز، ولكنّهم أصرّوا عليه بسؤال الله -تعالى- بإنزالها، فأنزلها الله -تعالى- عليهم بين غمامتين، وجعلها تقترب منهم وهم ينظرون إليها.
فنزلت بين يدي عيسى -عليه السلام- وهي مُغطاةٌ بمنديل، فكشفها وقال: "بسم الله خير الرازقين"، وكان عليها سبعةٌ من الحيتان، مع سبعة أرغفة، فبدأ الفُقراء بالأكل منها، وكان عددُهم قريباً من الألف وثلاثُ مئة شخص، وذكرها الله -تعالى- في سورة المائدة في القُرآن بقوله: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ* قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ* قَالَ اللَّـهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ).
وسُمّيت سورة المائدة بهذا الاسم؛ لأنها السورة الوحيدة التي تحدّثت عن طلب الحواريّين من عيسى -عليه السلام- إنزال المائدة من السماء، وكان هذا الطلب منهم؛ لتكون دليلاً على صدق عيسى -عليه السلام-، ومعجزةً حسية يرونها بأعيُنهم، فأنكر عليهم نبيُّهم ذلك؛ لظنّه أن طلبهم هذا إنما هو تكبُّرٌ وسخط، فبرّروا طلبهم بأن أخبروه أنهم يُريدون الأكل منها ولتطمئنّ أنفسهم،