لماذا خلق الله الناس مختلفين
اختلاف الخلائق عن بعضها
يعدّ الاختلاف بين الناس سنّة من سنن الله -تعالى- في خلقه، فقد خلق الله -تعالى- خلقاً لا يختلفون وهم الملائكة، وخلق خلقاً لا يقدرون على الاختلاف كالجمادات، فكان من تمام كمال و قدرة الله تعالى أن يخلق خلقاً مختلفين، قال -تعالى-: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).
ومع اختلاف أهل العلم في قوله -تعالى-: (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، هل يقصد به خلقهم للرحمة أم خلقهم للاختلاف، إلّا أنّ أهل العلم متفقون على أنّ الخلق مختلفون.
لماذا خلق الله الناس مختلفين؟
تأكيدًا على وحدانية الله
يقول الله -تعالى-: ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾، فالناظر في الكون يجد أنّ الاختلاف يتمثّل بخلق الثنائية في الكون مرة في المشاعر، مثل الرضا والغضب، والفرح والحزن، ومرة في المخلوقات الضخمة، كالسماء والأرض، والبر والبحر، وفي الناس كالذكر والأنثى، وفي أوصافهم كالغنى والفقر، والقصر والطول، والذكاء والبلادة.
وهذه الزوجية في كل المخلوقات وفي الناس بشكل خاص تدلّ على أنّ هناك إلهٌ واحد قد اختار الزوجية في المخلوقات ليطبّق سنة الاختلاف بينهم، فأصبح وجود الزوجية في أيّ نظام من أنظمة الكون يدل مباشرة على صاحب هذا النظام -وهو الإله الواحد الذي جعل الاختلاف بين الناس- دليل على استحقاقه وحده للعبادة .
عمارة الأرض
يقول الله -تعالى-: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾، إنّ الإنسان لا يستطيع لوحده أن يلبي حاجات يوم واحد من أيامه، فهو يحتاج في يومه إلى النجّار، والخباز، والمزارع، ورجل واحد لا يستطيع أن يقوم بكل هذا، يضاف إلى ذلك اختلاف الناس فيما يتقنونه، فمنهم يتقن صنعة الحدادة ولا يتقن صنعة النجارة.
إذاً فأصبح الاختلاف بين الناس سبب في نشوء الصناعات ليقوم كل إنسان بنفع إخوانه بأن يقدم لهم ما يتقن من الصناعات، وهم يتقنون صنعة أخرى يقدمونها لمن يحتاج إليها، فاختلاف الناس كان رحمة بهم، إذ أوجد التكامل بينهم ممّا سهل عليهم عمارة الأرض بإنشاء المجتمعات المتكاملة فيما بينها.
اختبار إيمان الفرد
يقول الله -تعالى-: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾ يعد اختلاف الناس فيما بينهم في الصحة، والمرض، والفقر، والغنى، وفي الابتلاء والسلامة، وكل ذلك يعد امتحاناً للفرد في إيمانه، يقول -صلّى الله عليه وسلّم-: (عِظَمُ الجزاءِ معَ عِظَمِ البلاءِ وإنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاَهم فمن رضيَ فلَهُ الرِّضا ومن سخِطَ فلَهُ السُّخط).
وبالاختلاف بين الناس يُمتحن الفرد في إيمانه وتدينه هل يرضى بقدر الله تعالى ويسعى إلى أن يغير حاله إلى الأفضل بما يُرضي الله -تعالى-، أم أنّه يسخط، ويسعى لتغيير حاله ما يغضب الله -تعالى- عليه، وأيضاً وجود الفقير اختبار للغني هل يؤدي شكر نعمة الغنى أم لا؟ ووجود المريض اختبار للمعافى، هل يؤدي شكر نعمة الصحة أم لا؟ إذ إن للابتلاء أنواع عدة ، فالابتلاء بالنعمة أشد من الابتلاء بالنقمة.
حفظ النسل وتكثيره
خلق الله -تعالى- البشر من ذكر وأنثى ليتحقّق بهذا الاختلاف بينهم تلبية الحاجة الفطرية لهم بالزواج، وينتج عن ذلك الذريّة التي يضمن بها استمرار النسل البشري ، قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وبالاختلاف الحاصل بين الزوجين يتم التعارف بين الخلق وإنشاء الأسر، وتكثير المسلمين بما يحقّق عمارة الأرض.
تحقيق مبدأ المؤاخاة
يحقّق الاختلاف مبدأ التكامل بين الناس، فعلى رغم اختلاف الناس في اللّون، واللّغة، والثقافة، والاهتمامات إلّا إنّهم يشكلون وحدة واحدة في المجتمع تحكمها الأخوة الإسلاميّة، فهم كالأعضاء المتعدّدة في الجسد الواحد، وكالأخوة في العائلة الواحدة، يقول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى).
وكل مسلم عضو في المجتمع الإسلامي يشعر بمسؤوليته عن إخوانه مهما اختلفوا عنه، فهو يقبلهم ويسعى إلى أن ينفعهم، ويدفع عنهم الأذى، وينطلق بهذا العمل من قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).
الحد من انتشار الفساد في الأرض
يقول الله -تعالى-: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾، فمن حكمة الله -تعالى- في خلقه أن جعلهم على تفاوت في الإيمان والالتزام، فمنهم الصالح المصلح، ومنهم الفاسد المضل، فلم يكونوا كلهم من أهل الصلاح، ولم يكونوا كلهم من أهل الفساد، فهذا الاختلاف أوجد الصالحين الذين يدفعون أذى أهل الباطل، ويبينون ضلالهم، ويردون كيدهم وظلمهم عن الخلق.