كيفية يؤدي المريض الصلاة
كيف يؤدي المريض الصلاة
يُفترضُ بالمريض أن يُصلَّي الصَّلوات الخمسة في أوقاتها المُحدَّدة، كما عليه أن يُؤدِّيها في المَسجد جَماعةً، وإن تعذَّر عليه الذهاب إلى المسجد يُصلِّيها جماعةً في مكانه، فإن تعذَّر ذلك أيضاً يصلِّيها لوحده مُنفرداً، وهذا في حال قدرته على أداء كلِّ صلاة في وقتها المُحدَّد، أمَّا إن شقَّ عليه ذلك؛ فله أن يَجمع بين الظُّهر والعَصر، وبين المَغرب والعِشاء جمع تقديمٍ أو تأخيرٍ بحسب حاله والأرفق به، وتكون الصَّلاة عندها صَلاةً كاملةً بدون قَصر . ومعنى ذلك أن الصلاة لا تسقط أبداً عن المريض ما دام العقل حاضراً. وفيما يتعلَّق بكيفيَّة الصَّلاة للمريض أيضاً، فللفُقهاء في ذلك بيانٌ وتفصيلٌ على النَّحو الآتي:
- الحنفيَّة: يَسقط القيام عن المريض العاجز عنه، وله الصَّلاة جالساً مع الرُّكوع والسُّجود إن استطاع، وإلَِا يُومِئ إيماءً* برأسه، ويجعل الإيماء في السُّجود أخفض منه في الرُّكوع، وإن تَعذَّر عليه الجُلوس، يَستلقي على ظهره ويجعل قدميه إلى القبلة ويُومِئ بالرُّكوع والسُّجود، أمُّا إن استلقى على جنبه، فالأولى أن يَستلقي على جنبه الأيمن ويجعل وجهه إلى القِبلة ويومئ بالرُّكوع والسُّجود، فإن تعذَّر عليه الإيماء بالرَّأس يُؤخِّر الصَّلاة ويقضيها إن استطاع.
- ولا يصحُّ الإيماءُ بالعين ولا بالقلب، وإن فَات وقت الصَّلاة وهو على هذه الحال وجب عليه قضاؤها جميعاً ولا تَسقط عنه ما دام العقل حاضراً، ومنهم من قيَّد عدد الصَّلوات الواجب قضاؤها بمقدار صَلوات اليوم واللَّيلة، وما زاد عن ذلك لا يُطالب بقضائها، وهذا هو المُختار والأرفق بالمريض، ويُصلِّي المريض بهذه الكيفيَّة أيضاً إن استطاع القيام ولكنّه لم يستطع الرُّكوع والسُّجود. وإن عُرض له أثناء صَلاته قائماً أمراً ما وعجز عن الإكمال قائماً، فيُتمُّها جالساً أو مستلقياً إن لم يستطع الجلوس.
- المالكيَّة: عند العجز عن القيام يُصلِّي المريض جالساً؛ إما مُستقلاً بذاته ، أو يجلس وهو مستنداً على شيء، والسُّنّة أن يجلس متربّعاً، وإن لم يستطع الجُلوس فيُصلِّي مُستلقياً على شقِّه الأيْمن، فإن لم يستطع يَستلقي على الجانب الأيسر، فإن عجز فعلى ظهره ويجعل قدماه للقبلة، فإن لم يستطع فعلى بَطنه مع جعْل رأسه للقِبلة.
- والقادر على القيام دون الرُّكوع والسُّجود والجلوس يُومِئ بهما قائماً، أمَّا إن استطاع الجُلوس فيُومئ بالرُّكوع قائماً وبالسُّجود جالساً، وإن بدأ صَلاته قائماً وعُرض له أمرٌ منعه من القيام؛ يُتمُّ صلاته جالساً، وإن لم يستطع المريض الإيماء بالرَّأس، ينوي الصَّلاة ويومِئ بعينيه ويَسقط عنه ما لا يَقدر عليه، ولا يحقُّ له تأخيره الصَّلاة ، وتكون الصَّلاة واجبة بحقِّه، ولا تَسقط عنه مادام العقل حاضراً.
- الشافعيَّة والحنابلة: إن لم يستطع المريض القيام مستقلاً يقف مُنحنياً، وإن عجز عن القيام كلِّه جلس كيف شاء، فإن لم يقدرعلى الجُلوس يضطجع على جانبه، والجانب الأيمن أَوْلى من الأيسر، ويكون وجهه إلى القبلة، فإن تعذَّر ذلك يستلقى على ظهره، ويُومئ برأسه للرُّكوع والسُّجود وفي السُّجود يومِئ أكثر، فإن لم يستطع الإيماء برأسه يُومِئ بعينيه إلى أفعال الصَّلاة، فإن لم يستطع؛ يقوم بتمرير أركان الصَّلاة على قلبه، بأن يُمثِّل نفسه قائماً وراكعاً وهكذا، مع القراءة باللِّسان إن استطاع، وإلِّا يُمرِّر القراءة على قلبه أيضاً. ولا تسقط عنه الصِّلاة أبداً ما دام مناط التَّكليف حاضراً، ألا وهو العقل.
صفة المرض الذي يرخّص فيه للمريض
وهناك عِدّة ضَوابط لمَا يُعدُّ مرضاً ويُعذر به صاحبه في الصَّلاة؛ فمثلاً إن تَعذَّر القيام كلُّه على المريض، أو قَدر عليه ولكن مع المشقَّة البالغة والتي يُصاحبها ألمٌ شديد، أو سبّب ذلك احتمالُ زيادةٍ في المرض أو إبطاء في شِفائه، فيُعدُّ هذا عذراً للمريض ويُرخَّص له بناءً عليه الصَّلاة جالساً بركوعٍ وسُجودٍ، ويُعدُّ كذلك الألم الشَّديد مثل دَوران الرَّأس، أو وجعه، أو الشَّقيقة، أو الرَّمد*، من الأَعذار التي يُخفَّفُ للمريض بسببها في صَلاته.
ويُلحق الخَوف الشَّديد بالألم الشَّديد، فلو خاف المُصلِّي من عدوٍ آدميٍ أو حيوانٍ قد يُلحق الأذى به لو صلَّى قائماً، جاز له الصَّلاة جالساً ، ولو غلب على ظنِّه أو أُخبر من قِبل الطَّبيب أنَّ صَلاته قائماً قد تؤدِّي إلى ضررٍ ما؛ مثل زيادة سَلس البول، أو سَيلان جرحه، أو إبطاء شفائه، فله عند ذلك الصَّلاة جالساً.
رُخص المَريض
إنَّ للمَريض أثناء مَرضه عدَّةُ رُخَصٍ تتعلَّق بالصَّلاة، منها سُقوط صَلاة الجُمعة عنه، إذ إنَّ من شروط وُجوب صَلاة الجُمعة القُدرة على أدائها، لذا لا تَجب على المَريض لِعجزه عن ذلك. كما يُرخَّص للمريض التَّيمُّم بدلاً من الوضوء أو الغُسل، إذا كان في استخدام المَاء مشقَّةٌ أو حرجٌ، أو إذا زاد بِسببه المَرض أو تأخَّر شفاؤه.
وتسقُط صلاة الجَماعة عن المريض والذي يَشقُّ عليه الذهاب للجَماعة، حيث إنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- تخلَّف عن المسجد في مرضه، كما تَسقط عن الذي يَخشى من حدوث المرض بذهابه إلى الجماعة، لأنَّه في حُكم المريض. ومن الرُّخص المَمنوحة للمريض وغيرُ متعلِّقةٍ بالصَّلاة؛ الفِطرُ في رَمضان ، ويُشترط في المَرض المُبيح للفِطر في رمضان أن يكون مرضاً يجعل الصَّوم فيه مشقَّةٌ بالغةٌ أو هَلاكٌ للمريض، أو إذا كان المرض سبباً لإبطاء تعافيه من المَرض أو سبباً في زيادته.
ورخّص الشرع للمريض في مرضه أن يجَمع بين الصَّلاتين ، وقد تعدّدت آراءُ الفُقهاء في جواز الجَمع بسبب المرض على قولين:
- الأول قول المالكيَّة والحنابلة: وهو القول الذي يُجيز الجمع للمريض بين صَّلاتي الظُّهر والعصر، أو المغرب والعشاء، وقيَّد المالكيَّة الجمع الجائز في حال الخَوف من الإغماء والحمَّى وغيرها بجمع التَّقديم فقط، وإن كان سليماً من هذه الأمراض في وقت الصَّلاة الثانية وجب عليه إعادة الصَّلاة الثانية مرَّة أخرى، أمَّا الحنابلة فتركوا الخَيار للمريض بين جمع التَّقديم والتَّأخير مثله مثل المُسافر، لأنَّه أرفق بالمريض.
- الثَّاني قول الشافعيَّة: حيث قالوا بعدم جواز الجمع بين الصَّلاتين للمرض، لأنَّه لم يثبت عن الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه فعل ذلك بالرغم من مرضه عدَّة مرات.
أصحاب الأَعذار
أصحابُ الأعذار أو أهلُ الأعذار: همُ المرضى، والمسافرون، والخائفون، الذين ليس لديهم القُدرة على أداء الصَّلاة على وجهها المُعتاد كالذي يؤدِّيه الشَّخص العادي غير صاحب العذر، ولذا رخَّص الشَّارع لهم عدَّة رُخصٍ وخفَّف عنهم في أداء الواجب؛ فأتاح لهم أداء الصَّلاة بحسب قدرتهم.
- المُسافر والمريض: إنَّ المُسافر واحدٌ من أصحاب الأعذار والذي يَجوز له رُخصٌ عدِّة، منها قَصر الصَّلاة الرُّباعية؛ حيث لا خلاف على مشروعيَّة القَصر في حقِّه بين أهل العلم، والقَصر يجوز بالسَّفر ذاته، سواءً أرافقه الخَوف أم لم يرافقه، ودليل مشروعيَّته القرآن، والسُّنة، والإجماع ؛ فقد أجمعت الأمَّة على أنَّ القصر للمُسافر من الأمور المَعلومة من الدِّين بالضَّرورة، وأنَّ أخذ هذ الرُّخصة سُنّة، وأنَّ الأخذ بها أوْلى من تركها، بل إنَّ بعض العلماء قالوا بكراهية الإتمام في السَّفر، لأنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- داوم هو وأصحابه على هذه السُّنة في السفر. أمَّا بالنِّسبة لما يجوز القصر فيه؛ فيجوز القصر في الصَّلاة الرُّباعية فقط، وهي صلاة الظُّهر، والعصر، والعشاء، ولا تُقصر صلاة الفجر ولا صلاة المغرب.
- ويُباح أيضاً للمُسافر الجَمع بين الصَّلاتين؛ الظُّهر والعصر، أو المغرب والعشاء في وقت إحدى هذه الصَّلوات، ويُباح له الجمع سواءً كان سائراً أم نازلاً، على أنَّ الأفضل للنَّازل عدم الجَمع، لأنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يجمع بمِنى وقد كان نازلاً. كما يُباح للمريض الجَمع بين الصَّلاتين كما تقدَّم سابقاً، ويُلحق بالمرض الاستحاضة ؛ حيث تعتبر الاستحاضة نوعاً من المرض، لذا يُباح للمُستحاضة الجمع بين الصَّلاتين.
- الخائف: يُشرع للخائف عدّة رُخصٍ، منها صلاة الخوف ؛ حيث إنَّها شُرعت في القتال المُباح، مثل قتال البُغاة وغيرهم، أي عند الخوف من هجوم العَدو، ويدخل في العَدو: الآدمي، أو الحيوان الذي يخاف منه الإنسان على حياته، ودليل مشروعيَّة هذه الصَّلاة: القرآن، والسُّنة، والإجماع، ولها شرطان، الأول: أن يكون العَدو ممن يجوز قَتله كالمحاربين الأعداء. والثاني: الخوف من هجوم العدو على المُسلمين أثناء أدائهم للصَّلاة.
___________________________________________
الهامش
*الإيماء: هو الإشارة بالركوع أو السجود من خلال الانحناء، أو بتحريك العينين لمن لا يستطيع الانحناء.
*الرّمد: هو مرضٌ يصيب العينين.