تحيات الصلاة كاملة
تحيات الصلاة كاملة
تعدّدت الصِّيغ الواردة في تشهد الصّلاة في الأحاديث النبويّة الشّريفة، فاختار الحنفيّة والحنابلة تشهّد ابن مسعود -رضي الله عنه-، وهو أصحّ حديثٍ ورد في التّشهد، وهو من الأحاديث المتّفق عليها، واختار الشافعيّ حديث ابن عباس، وذُكر تشهّد ابن عباس في صحيح مسلم، واختار الإمام مالك تشهّد عمر -رضيَ الله عنه- الوارد في موطّأ الإمام مالك، والاختلاف الوارد بين هذه الأحاديث اختلاف تنوّع، فكل الأحاديث التي جاءت في صيغ التشهد صحيحة، إلّا أنَّ أصحّ هذه الأحاديث هو حديث ابن مسعود المتّفق عليه، وفيما يأتي ذكر صيغ التشهد الثلاث:
- تشهّد ابن مسعود -رضي الله عنه-: (عَلَّمَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَفِّي بيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كما يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، والصَّلَوَاتُ والطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّها النبيُّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ وهو بيْنَ ظَهْرَانَيْنَا، فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا: السَّلَامُ - يَعْنِي - علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، وفي رواية قال: (فإنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذلكَ فقَدْ سَلَّمْتُمْ علَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ في السَّمَاءِ والأرْضِ)، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والثوريّ، وأحمد، واسحاق، وأبو ثور، وجمهور أهل العلم.
- تشهد ابن عباس -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ فَكانَ يقولُ: التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أيُّها النبيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ. وفي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: كما يُعَلِّمُنَا القُرْآنَ).
- تشهد ابن عمر -رضي الله عنه-: (التَّحياتُ للهِ، الصَّلواتُ الطَّيِّباتُ، السَّلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، قال: قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصَّالحينَ، أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها وحدهُ لا شريك لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه).
حكم التشهد في الصلاة
ويُعتبر التّشهد الأخير في الصلاة ركناً من أركانِ الصّلاة، فلا تصحّ الصّلاة بدونه، فتركه يُبطل الصّلاة كسائر أركان الصّلاة، حيث جاء الأمر به في الأحاديث الشريفة بصيغة فعل الأمر، والأمر يُفيد الوجوب، وسُمّي التّشهد بهذا الاسم لذكر الشّهادتين فيه، والمقصود بالتّشهد هو الذكر المأثور عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، فيُقال في آخر كل صلاة وفي وسطها، وأعظم ما يُقال بالتّشهد هو الإقرار بوحدانيةِ الله وحده لا شريك له، حيث يقول المصلّي: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله".
كما أنَّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- اعتنى بالتّشهد وبتعليمه لابن مسعود، بدلالة أنَّه -عليه الصلاة والسلام- وضع يده في يد ابن مسعود، وهذا يدلّ على اهتمامه بالتّشهد، وحتّى يصرف انتباه ابن مسعود له، وحُكم التّشهد الأوّل الوجوب، وعند نسيانه يُجبر بسجود السّهو ، وإذا تركه المصلّي عمداً تَبطل صلاته، أمَّا التّشهد الأخير فهو ركنٌ من أركان الصّلاة.
معنى التّحيات
التّحيات كلمة تجمع كل معاني التّعظيم لله -عز وجل-، فهيَ كلّ قولٍ أو فعلٍ دالّ على التّعظيم من التّحميد، والتّهليل، والتّكبير، والقيام، والركوع، والسجود، والدّعاء، وهذه التّحيات خالصةٌ لله -تعالى- ليس لأحدٍ فيها شيء، ومن ثم عطف عليها الصّلاة، فهو المستحقّ وحده بأن يُصلّى له، وقيل المقصود بالصّلوات جميع الدعوات، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ)، وقيل معناها الصّلوات الخمس، والطّيّبات هي كلّ الأعمال الخالصة والكلمات الطيّبة التي تتضمّن الحمد والثّناء والتّمجيد، فكلّ عملٍ طيّب و قولٍ طيّب لا يكون إلا لله وحده.
ومن ثُمَّ جاء السّلام للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- بكاف الخطاب، وهذا ممّا يُقال في حياته وبعد مماته، كما أنّه يَجعل حواسّ المُصلّي ومشاعره في شوق للنبيّ وكأنَّ الشخص يخاطب النبيّ -عليه الصلاة والسّلام-، فكاف المخاطبة؛ لأنَّه وإن لم يكن حاضراً عند المُصلّي لكنّه حاضرٌ في قلبِه وإيمانه. والسّلام هو اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه الدّعاء بالسّلامة من كلِّ آفة ومكروه، وهي صيغة إلقاء التّحية بين المسلمين. ثم يعمّ المصلّي عباد الله الصالحين كلّهم بالدعاء، من الإنس والجن والملائكة ، ثم يقرَّ بالشّهادة الجازمة الدالّة على وحدانيّة الله -تعالى-، وهي كلمة الإسلام التي لا يدخل أحد الإسلام إلا بها، ومن ثُمَّ الشّهادة للرّسول -عليه الصّلاة والسّلام- بعبوديته و تشريفه بالرّسالة الّتي أكرمه الله -تعالى- بها، فالسّلام على الرّسول أمرٌ من الله -تعالى- لعباده.
والإتيان بالسّلام على النبيّ لا يَسقط أبداً، فهيَ من أصل التّشهد، بخلاف السّلام على عباد الله، فالإتيان به سنّة، قال -تعالى-: (صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، ثمّ يُصلي المسلم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الإبراهيميّة إذا قرأ التشهّد الأخير في الصلاة، وتكون الصلاة الإبراهيمية كما علَّم الرّسول -عليه الصلاة والسّلام- أصحابه: (قِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أمَّا السَّلَامُ عَلَيْكَ فقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكيفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ، وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ، وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). ثُمَّ يتخيّر المُصلي بعد ذلك وقبل التسليم من المسألة ما شاء من أمور الدّين والدّنيا.
موضع التحيات في الصلاة
يكون التّشهد الأوّل في الصّلاة الثلاثيّة أو الرباعيّة بعد الركعة الثانية والجلوس لها سُنّة عند جمهور العلماء ، وهو واجب عند الحنفيّة بدليل الأمر به، ويُجبر بسجود السّهو عند نسيانه، واستدلّ الحنابلة كذلك على وجوبه بمداومة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على فعله، ويُسنّ عند الشافعية الإتيان بالصّلاة على النبيّ بعد التّشهد الأوّل بقول: "اللهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي"، وإذا تركها فعليه الإتيان بسجود السهو، ويُسنّ الإسرار بقراءة التّشهد باتّفاق الفقهاء.
ومن العلماء من قال بالاكتفاء بالتّشهد الأول؛ أي بقراءة التّشهد إلى الشهادتين فقط دون الزيادة عليه، وبهذا قال النخعيّ والثّوريّ وإسحاق وعطاء والشعبي، وأمّا إذا جلس المصلّي في آخر صلاته فتُشرع الصّلاة على النبيّ بعد التّشهد الأخير، والّذي يكون في نهاية الركعة الأخيرة من الصلّاة، ثم يدعو الله بما شاء، وقد جاء عن الرّسول -عليه الصلاة والسّلام- ما يدل على استحباب الدّعاء بعد التّشهد الأخير ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِن أَرْبَعٍ: مِن عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ).
والإشارة بالسّبابة عند قول الشّهادة أمرٌ حسن، وهو قول أبي حنيفة، وتكون الإشارة من خلال قبض الخُنصر والبنصر، ويحلق الوسطى بالإبهام، ويُشير بالسّبابة، وفي رواية أنَّه يَقبض الأصابع كلّها إلّا السّبابة الّتي يُشير بها، وقيل يَقبض الخنصر والوسطى ويترك السّبابة والإبهام، وأمَّا صفة الجلوس في التّشهد الأوّل فهي الافتراش*، وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة، وهيئة الافتراش تكون بالجلوسِ على الكعب الأيسر بعد أن يضجعها، ومع نصب القدم اليمنى، وذهب الحنفيّة إلى تورّك* المرأة؛ لِما فيه سترٌ لها، وذهب المالكيّة إلى التّورك في التّشهد الأول والأخير.
__________________________________________
الهامش
*الافتراش: يكون في جلسة التشهد، وهو أن يجلس المصلي فيفترش رجله اليسرى تحته وينصب قدمه اليمنى.
*التورّك: يضع المصلي وركه الأيمن على رجله اليمنى منصوبةً مصوِّباً أَطرافَ أَصَابعها إِلى القِبلة، ويلصق وَرِكَه الأيسر بالأَرض مخرجاً رجله اليسرى من جهة يمينه.