كيفية سجود الشكر للمرأة
مشروعية سجود الشكر
شُرع سجود الشكر للعبد في حال حصول نعمة كان يتمنّاها المرء أو زوال شرٍّ كان يخشاه، ويقول في ذلك الإمام الشوكاني: (فإن قلتَ: نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليه في كل لحظة ؟ قلت: المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصولها، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت)، وقد قال باستحبابه كلٍّ من: الشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، في حين قال النخعي ومالك وأبو حنيفة بأنّه مكروه محتجين بأنّه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قولٌ باطل فقد سجد النبي ورد ذلك بقول عبدالرحمن بن عوف: (خرج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاتَّبعتُه حتَّى دخل نخلًا فسجد فأطال السُّجودَ حتَّى خِفتُ أو خَشيتُ أن يكونَ اللهُ قد توفَّاه أو قبضه قال فجِئتُ أنظرُ فرفعَ رأسَه فقال ما لك يا عبدَ الرَّحمنِ قال فذكرتُ ذلك له قال فقال إنَّ جبريلَ عليه السَّلامُ قال لي ألا أبشِّرُك إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ من صلَّى عليك صلَّيْتُ عليه ومن سلَّم عليك سلَّمْتُ عليه زاد في روايةٍ فسجدتُ للهِ شكرًا)، وسجد أبو بكرٍ حين جاءه خبر فتح اليمامة، وسجد علي أيضاً حين جاءه خبر مقتل ذي الثدية وهو رجل من الخوارج أخبر عنه النبي ووصفه، كما رُوي سجود الشكر عن جماعة من الصحابة، لذلك لا صحّة للقول فهو ثابتٌ بظهوره وانتشاره، ففعله تارةً وتركه تارة ليس دليلًا على بطلانه بل دليل استحبابه، وسجود الشكر كسجود التلاوة في صفته وأحكامه، وسيأتي بيان ذلك في هذا المقال.
كيفية سجود الشكر للمرأة
يجوز للمرأة في سجود الشكر ترك تغطية الرأس، كما يحلّ لها ألا تكون على طهارةٍ أيضاً كما هو في الصلاة هذا في أصّح أقوال العلماء؛ وسجود الشكر ليس من جنس الصلاة بل هو ذلٌّ لله واستكانة وعبادة له سبحانه، فهو من قبيل الذكر والتسبيح والتهليل لا يشترط له ما يشترط لها، فسجود المرأة ورأسها مكشوف أو كونها على غير وضوء سجودٌ صحيح لا حرج به، أمّا صفة هذه السجدة فتسجد المرأة سجدة واحدة دون تكبيرٍ في أوّلها أو في آخرها أو تشهّد أو سلام، وهذا هو القول الراجح وهو قول الإمام أحمد في رواية عنه، وهو وجه في مذهب الشافعية؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ويشرع لها أن تقول ما يقال في سجود الصلاة: (سبحان ربي الأعلى، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوّته تبارك الله أحسن الخالقين)، وتدعو بما تيسر لها وتحمد الله وتجزي عليه الثناء والشكر بما أنعم عليها ووهبها من عظيم كرمه سبحانه.
حكم الطهارة لسجود الشكر
لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة من الطهارة، وستر العورة ومنه الحجاب للمرأة، واستقبال القبلة ، وهذا قول كثير من السلف وقد اختاره بعض المالكية، وكثير من المحققين؛ كابن جرير الطبري، وابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، والصنعاني، كما ورجّحه الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين رحمهم الله، وغيرهم، في حين خالفت الشافعية وأكثر الحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض المالكية ذلك واشترطوا لسجود الشكر ما يشترط للنافلة، وقد استدلّ أصحاب القول الأول بأدلة، وهي:
- عدم وجود دليلٌ يحتجّ به في الكتاب أو السنَّة أو الإجماع، أو القياس الصحيح في اشتراط الطهارة لسجود الشكر؛ وفي الشريعة لا يجوز أن يُفرض حكم لا دليل عليه.
- جاءت الأحاديث عن النبي في صفة سجوده للشكر بأنّه كان يخرُّ ساجداً متى ما حدث السبب الموجب له، ودون الإشارة إلى التفاته عليه السلام إلى الطهارة، فيسجد سواءٌ أكان محدثاً، أم متطهراً، وقد كان هذا ظاهر فعل أصحابه.
- بُعث النبي معلماً ومرشداً، وقد كانت سنته موضحة لكثير مما جاء من تشريعات لذلك يستبعد أن تكون الطهارة شرطاً واجباً لصحّة سجود الشكر دون أن يشير النبي إلى ذلك وينبّه أصحابه ويأمرهم به، ودون أن يُروى ذلك عنه.
- يحصل سبب سجود الشكر فجأة، وفي تأخير السجود بعد حصول سببه حتّى يتوضأ أو يغتسل من كان على غير طهارة زوالٌ للبّ المعنى الذي شُرع من أجله سجود الشكر.
- عدم اعتبار سجود الشكر صلاةً؛ فلم يرد في الشرع بتسميته صلاةً، فهو لا يحمل أيّ صفاتها من تكبير أو سلام أو ركوع أو اصطفافٍ، في حين نجد هذه الشروط في صلاة الجنازة وسجدتي السهو بعد السلام وسائر الصلوات، لذلك كان ما يُشترط للصلاة ليس ما يشترط لسجود الشكر.
- يوجد هناك الكثير من الأذكار التي تفعل في الصلاة وتشرع خارجها كقراءة القرآن والتسبيح والتكبير والتهليل والحمد، وهي أمورٌ لا تشترط لها الطهارة إذا كانت خارج الصلاة لذلك تمّ قياس السجود المجرد إن كان خارج الصلاة في أحكامه على أحكام هذه العبادات.