كيفية ختم القرآن
كيفيّة خَتم القرآن الكريم
يحرص المسلم على خَتم القرآن الكريم بشكلٍ دوريّ، بحيث يتناسب ذلك مع وقته، وفيما يأتي ذِكر بعض الطُّرق التي تُعين المسلم على خَتم القرآن الكريم خلال فترةٍ زمنيةٍ مُحدَّدة:
- الطريقة الأولى: خَتم القرآن الكريم كلّ شهرٍ مرّة واحدةً، وهي من أبسط الطرق؛ إذ يتناسب عدد أجزاء القرآن الكريم الثلاثين مع عدد أيّام الشهر، بمُعدَّل جزء في كلّ يومٍ، وإن أراد المسلم تخصيص وقت مُحدَّد للقراءة في اليوم الواحد، فإنّ عليه أن يقرأ عند كلّ صلاةٍ مفروضةٍ صفحتَين من القرآن الكريم؛ أي ما يساوي أربعة أوجه، ويكون ذلك قبل كلّ صلاةٍ، أو بعدها، وبهذه الطريقة يُنهي المسلم قراءة جزء كامل في اليوم الواحد، وثلاثين جزءاً في الشهر.
- الطريقة الثانية: خَتم القرآن الكريم كلّ أسبوعٍ مرّة واحدة؛ إذ كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يقسّمون القرآن الكريم إلى سبعة أحزاب، وهو ما يُسمّى (تحزيب القرآن الكريم)؛ فيقرؤون كلّ يومٍ حِزباً منه، وقد اشتُهِرت بعد ذلك عدّة أنواعٍ للتحزيب، منها ما هو مُتعارَف عليه من تقسيم القرآن الكريم إلى ثلاثين جزءاً، والجزء الواحد يُقسَّم إلى حزبَين ، والحزب الواحد إلى أربعة أرباع، إلّا أنّ هذا التحزيب كانت عليه بعض الملاحظات، كإخلاله بالمحتوى الموضوعيّ للآيات؛ إذ قد ينتهي الحِزب دون اكتمال المعنى المُراد من الآيات، ومثال ذلك رُبع الحِزب الذي يبدأ بقول الله -تعالى-: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ)؛ ذلك أنّ معنى الآية مُرتبطٌ بسياقٍ موضوعيٍّ مع الآيات السابقة، فلا يصحّ ابتداء القراءة فيه من حيث المعنى؛ ولذلك يُعَدّ تحزيب الصحابة للقرآن الكريم هو الأفضل؛ فالحِزب عندهم يبدأ دائماً بفاتحة السورة.
- الطريقة الثالثة: خَتم القرآن الكريم كلّ عشرة أيّام، أو ثمانية أيّام، أو خمسة أيّام مرّة واحدة، وتُقدَّر الفترة الزمنيّة لقراءة الجزء الواحد من بعشرين دقيقة إلى نصف ساعة، وهذا يعني أنّ من يرغب في خَتم القرآن الكريم في عشرة أيّامٍ، فإنّ عليه أن يقرأ ما يُقارب ساعة ونصف من القرآن الكريم يوميّاً؛ أي بما يعادل ثلاثة أجزاء يوميّاً، وإذا أراد المسلم قراءة القرآن الكريم كاملاً خلال ثمانية أيّامٍ فقط، فإنّ عليه أن يقرأ في اليوم الواحد ما يعادل ساعتَين؛ أي ما يقارب أربعة أجزاء، حتى إذا وصل القارئ إلى اليوم الثامن، بدأ قراءة جزأين جديدين، أمّا لخَتم القرآن الكريم في خمسة أيّام فقط؛ فإنّ على القارئ أن يُخصّص ثلاث ساعات يوميّاً؛ ليقرأ فيها القرآن الكريم، وهكذا يختم يوميّاً ما يعادل ستّة أجزاء منه، ممّا يعني خَتم القرآن الكريم كاملاً في خمسة أيّام.
- الطريقة الرابعة: خَتم القرآن الكريم كلّ ثلاثة أيّام مرّة واحدة، إلاّ أنّ ذلك يُلزم القارئ بقراءة الحَدر؛ وهي القراءة السريعة للقرآن الكريم، مع مراعاة أحكام التلاوة ، وتستغرق قراءة الجزء الواحد من نوع الحَدر نحو عشرين دقيقة فقط؛ بمعنى أنّ خَتم القرآن الكريم كاملاً يحتاج عشر ساعات فقط، فلو قسَّم القارئ وقته؛ بتخصيص عشرين دقيقة لقراءة جزءٍ واحد بعد أذان الفجر، ثمّ يقرأ ثلاثة أجزاء بعد صلاة الفجر بمعدّل ساعة، وجزأين بعد صلاة الظهر أيضاً بمعدّل 40 دقيقة، ثمّ قراءة ثلاثة أجزاء بعد صلاة العصر بمعدّل ساعة، أمّا صلاة العشاء، فيقرأ بعدها جزءاً واحداً بمعدّل عشرين دقيقة؛ فيكون بهذا قد أتمّ عشرة أجزاء في اليوم الواحد، وبذلك يستطيع خَتم القرآن الكريم كاملاً خلال ثلاثة أيّامٍ فقط.
- الطريقة الخامسة: خَتم القرآن الكريم كاملاً في يوم واحد؛ ويكون ذلك بتخصيص خمس أو ستّ ساعات يوميّاً؛ لقراءة القرآن قراءة حَدر، وذلك في حال احتساب عشر دقائق إلى اثنتَي عشرة دقيقة للجزء الواحد، ويمكن تقسيم الساعات على اليوم كاملاً.
أقل وأكثر مدّة لخَتم القرآن الكريم
تُعدّ تلاوة القرآن الكريم، وخَتمه من أعظم العبادات والأعمال التي يُثاب عليها المسلم، وذلك بالحرص على خَتمه باستمرارٍ دون انقطاع، وقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أحرص الناس على ذلك؛ فقد ورد عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنّه قال للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (يا رسولَ اللهِ، في كَمْ أَقرَأُ القرآنَ؟ قال: اقرَأْه في كلِّ شهرٍ، قال: قُلتُ: إنِّي أقوَى على أكثرَ مِن ذلك، قال: اقرَأْه في خمسٍ وعشرينَ، قُلتُ: إنِّي أقوَى على أكثرَ مِن ذلك، قال: اقرَأْه في عشرينَ، قال: قُلتُ: إنِّي أقوَى على أكثرَ مِن ذلك، قال: اقرَأْه في خمسَ عشْرةَ، قال: قُلتُ: إنِّي أقوَى على أكثرَ مِن ذلك، قال: اقرَأْه في عَشرٍ، قال: قُلتُ: إنِّي أقوَى على أكثرَ مِن ذلك، قال: اقرَأْه في سَبعٍ، قال: قُلتُ: إنِّي أقوَى على أكثرَ مِن ذلك، قال: لا يفقَهُه مَن يقرَؤُه في أقلَّ مِن ثلاثٍ)، وقد فسّرَ الحافظ ابن رجب الحنبليّ -رحمه الله- نَهي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن القراءة في أقلّ من ثلاث أيّامٍ على سبيل المُداومة والاستمراريّة في ذلك، أمّا بعض الأوقات التي يَعظُم فيها الأجر، كليلة القَدْر مثلاً، أو بعض الأماكن المباركة، كالمسجد الحرام لغير ساكنيه؛ فيُستحَبّ استثمارها في مُضاعفة العبادات؛ اغتناماً للوقت، والمكان، فلا بأس في خَتم القرآن الكريم في فترةٍ قصيرة.
أمّا في ما يتعلّق بأكثر مدّةٍ لخَتم القرآن الكريم؛ فلم يرد في ذلك نصٌّ صريحٌ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، إلّا أنّه وردت عن السَّلَف، وبعض العلماء كراهة إطالة مُدّة خَتْمه، ومنهم من حَدّدها بأربعين يوماً؛ بدليل حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنه- عندما سأل النبيّ في كم يقرأ القرآن، فأجابة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (في أربعينَ يومًا، ثمَّ قالَ: في شَهرٍ، ثمَّ قالَ: في عشرينَ، ثمَّ قالَ: في خمسَ عشرةَ، ثمَّ قالَ: في عشرٍ، ثمَّ قالَ: في سبعٍ)، وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد -رحمه الله-، قال الزّرْكشي -رحمه الله-: "ويكره تأخير ختمه أكثر من أربعين يوما بلا عذر، نص عليه أحمد"، ويرى الإمام أبو الليث خَتم القرآن الكريم مرّتَين في السنة لِمَن لا يقدر على الزيادة؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عَرض القرآن الكريم مرّتَين على جبريل -عليه السلام- في العام الذي تُوفِّي فيه، وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يُكرَه خَتم القرآن في أكثر من أربعين يوماً؛ ولذلك تعدّدت الروايات في تحديد المدّة، ونقل أبو داود عن بعض السَّلَف أنّهم كانوا يختمون القرآن في كلّ شهرَين، والمقصود أن يحرص المسلم على تلاوة القرآن، وتعاهُده، ومُدارسته، وعدم هَجره.
اجتهاد السَّلف الصالح في خَتم القرآن
اشتهر السَّلَف الصالح -رضوان الله عليهم- بحِرصهم الشديد على فَهم القرآن الكريم ، وتدبُّره، وتعلُّمه، وقراءته، ومن أشكال حِرصهم أنّ بعضهم كان يُلزم نفسه بمنهجيّةٍ خاصّةٍ بخَتم القرآن الكريم؛ فيختمه مرّة بهدف التلاوة فقط، وختمةً أخرى بهدف البحث في معاني القرآن الكريم، والإبحار في مكنوناته، وقد كانوا يختلفون في ذلك حسب أحوالهم، وفَهمهم، ووظائفهم، وبناءً على ذلك كان بعضهم يقرأ القرآن الكريم ويُنهي قراءته في عشرين يوماً فقط، بينما كان يستغرق خَتم القرآن الكريم مع بعضهم عشرة أيّامٍ، وآخرون سبعة أيّام، وكان ينهي الكثير منهم خَتمه كاملاً في ثلاثة أيّام فقط، كما كان بعضهم يختمه في اليوم والليلة، مثل: عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، والشافعي، ومجاهد، وتميم الداريّ، وقد ورد عن سليم بن عمر -رضي الله عنه- أنّه كان يختمه ثلاث مرّات في اليوم والليلة.