كيفية بيع الأموال الربوية
كيفية بيع الأموال الرِبوية
يحتاج الناس إلى التعامل بالأموال في كلّ شؤون حياتهم، وحتى يكون هذا التعامل خارج نطاق الربا المحرم يوجد مجموعةٌ من الشروط التي يجب توفّرها عند تعامل الناس بهذه الأموال، ويجب على المسلم التخلص من الأموال الربوية إن وجدت لديه، والتوجه إلى الله بالتوبة الصادقة، وسنذكر شروط التعامل في الأموال بين الناس فيما يأتي:
اتحاد الجنس
أجمع الفقهاء على حرمة التعامل بالأموال إذا تم بيع المال بجنسه؛ لكون العلة من تحريمهما واحدة، فيحرم مُبادلة الذَّهب بالذهب إلا بشرط الحلول -أي حصول التَّسليم مباشرة عند البيع-، والتَّقابض، والتساوي بينهما في القيمة، وكذلك الحال في باقي الأصناف الربوية، وفي هذه الحالة اشترط الفقهاء ثلاثة أمور لجواز التعامل بالأموال وهي كما يأتي:
- المماثلة في البدلين
إن كان المال ممّا يُباع وزناً بالكيلوغرام، أو كَيلا بالصاع والمُد فلا بُدّ من المُماثلة بينهما في الوزن أو الكيل، فيُباع كيل القمح بكيلٍ مثله، ويُباع كيل التمر بكيل مثله تماماً، وإن كان ممّا يُباع عدداً فيجب المماثلة في العدد، كعشرة مقابل عشرة، وعلى ذلك فالأصل أن تُباع مئة غرام ذهب بمئة أخرى، بغضّ النظر عن نوع هذا الذهب.
ودليل ما سبق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تبيعُوا الذهبَ بالذهبِ إلا مِثلًا بمثلٍ ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا الورِقَ بالورِقِ إلا مِثلًا بمثلٍ ، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعضٍ ، ولا تبيعُوا منها غائبًا بناجزٍ).
- أن يكون العقد حالاً
لا يجوز تأخير أحد البدلين عند بيعهما إذا كانا مُتماثلين في الجنس، فالمقصود بالحلول: أن يَكون العوضان الَّذين جرى عليهما العقد حاضرين في المجلس حين العقد.
- التقابض
ذلك بأن يقبض كلٌّ من البائع والمشتري ما يخصّه من العوضين قبل أن يتفرقا من مجلس العقد، فإذا حصل التفريق بينهما في المجلس قبل ذلك؛ وقع الرِّبا في العقد، حتى إن كان التفريق حكماً كأن يقبض أحدهما أحد البدلين ثم يَدخل مشترٍ آخر ليُفاوض على سلعةٍ جديدة، والطرف الثاني لم يقبض البدل الذي جرى عليه العقد.
ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الذهبُ بالذهبِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والبُرُّ بالبُرِّ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ ، والتمر بالتمْرِ ربًا إلا هَاءَ وهَاءَ، والشعيرُ بالشعيرِ ربًا إلا هاءَ وهاءَ).
اختلاف الجنس واتحاد العلة
إذا تم بيع جنسان ربويّان مُختلفان في الجنس ومتَّحدان في العلة كما إذا بيعت الفضة بالذهب، أو الشعير بالقمح، أو التمر بالملح، أو الشعير بالذرة؛ فإنّه في هذه الحالة يُشترط لصحّة هذه المُعاملة شرطان فقط هما: الحلول والتقابض؛ فيجوز بيع عشرة غرامات ذهب بخمس عشرة غراماً من الفضة، كما يجوز بيع طن من الملح بنصف طن من التمر.
وعلى ذلك يَجري التعامل مع باقي الأصناف الربويّة شرط أن يكون البيع حالاً غير مؤجل وهو المقصود بالحلول، وأن يقبض المُتبايعان ما تمَّ التعاقد عليه في مجلس العقد وهو المُراد بالتقابض، أمّا التماثل في هذا النوع من البيوع فليسَ شرطاً.
اختلاف الجنس واختلاف العلة
إذا اختلفت أجناس الأموال الربويّة واختلفت العلة من كونها ربويةً؛ كأن يجري التعاقد على ما هو من الثمنيات بما هو من المطعومات، فإنّ البيع يكون هنا جائزاً على ما اشترط المُتعاقدان، ولا يجري الربا مُطلقاً حتى لو كان أحد الأجلين غير حالٍ في مجلس العقد، أو لم يجر التقابض بينهما، أو كانا غير متماثلين، فيجوز بيع مائة غرام من الذهب بنصف طن من القمح مؤجّلاً مع عدم القبض في مجلس العقد.
وكذلك يجوز بيع مئتي غرام من الفضة بعشرة كيلوغرامات من الشعير، مع عدم اشتراط التقابض، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- استعملَ رجلًا على خيبرَ، فجاءهم بتمرٍ جَنِيبٍ، فقال: أَكُلُّ تمر خيبرَ هكذا؟ فقال: إنَّا لنأخذُ الصاعَ من هذا بالصاعينِ، والصاعينِ بالثلاثةِ. فقال: لا تفعل، بِعْ الجَمْعَ بالدراهمِ، ثم ابتعْ بالدراهمِ جَنِيبًا).
أنواع الأموال الربوية
للأموال الربويّة أصنافٌ ستة رئيسية، ثم تتفرّع باقي الأصناف الربوية حسب اشتراكها في العلَّة مع هذه الأصناف، أمّا ما أشارت إليه الأحاديث النبوية بخصوص الأموال الربوية فهي الذَّهب والفضة والعلة فيهما الثمنية، والقمح، والشَّعير، والحِنطة، والتمر، وورد في بعض الأحاديث الملح، والعلَّة في هذه الأصناف الطُّعم كونها مطعومات يقتات الناس عليها.
وقد جاء بيانها مجتمعةً في أكثر من حديثٍ نبوي، قال الرسول الكريم: (الذَّهبُ بالذَّهبِ تِبرُها وعينُها، والفضَّةُ بالفضَّةِ تِبرُها وعينُها، والبُرُّ بالبُرِّ مُديٌ بِمُديٍ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ مُديٌ بِمُديٍ، والتَّمرُ بالتَّمرِ مُديٌ بِمُديٍ، والملحُ بالملحِ مُديٌ بِمُديٍ، فمن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى، ولا بأسَ ببيعِ الذَّهبِ بالفضَّةِ، والفضَّةُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ، وأمَّا النسيئةُ؛ فلا ولا بأسَ ببيعِ البرِّ بالشَّعيرِ والشَّعيرُ أَكثرُهما يدًا بيدٍ وأمَّا نسيئةً فلا).
وقاس الفُقهاء والأصوليون على هذه الأصناف الستة غيرها من الأصناف التي يَجري فيها الربا وتشترك معها في العلة، فمثلاً تشترك مع الذهب والفضة في العلَّة النقود المَصكوكة التي يتعامل بها الناس في الوقت الحاضر؛ حيث إنّ العلّة هنا هي الثَّمنية، وتشترك مع القمح والشعير وباقي الأصناف الأخرى من المَطعومات؛ الذرة، والجميد، والزبيب؛ حيث إنّها جميعها من المطعومات.
تعريف الربا وحكمه
يعرّف الرِّبا في اللغة: "على أنّه مصدر رَبَوَ ورَبا، يقال: رَبا الشيءُ رُبُوّاً ورِباءً أي: زَادَ وَنَمَا ومن ذلك قولهم: ربا الزَّرع أي نما، وربا المال أي كثُر، وأَرْبَيْتُه: نَمَّيته، ومضارعها يَربو، والصفة منها مُرابٍ، ومما سبق نستنتج أن معنى الربا في اللغة يتلخَّصُ بالزيادة والنُّمو"،وعرّف الشافعية الربا: بأنه اسمٌ لمقابلة عِوَضٍ بعِوَضٍ مخصوص، غير معلوم التماثل في مِعيار الشرع حالة العقد، أو تأخُّرٍ في البَدلَين أو في أحدهما.
وحرَّم الإسلام التعامل بالربا وما يجري مجراه وما يؤدّي إليه، وأباح ما سواه من أصناف التجارة، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).