كيفية بر الأقارب في الإسلام
كيفية بر الأقارب في الإسلام
اهتم الإسلام كثيراً في بناء العلاقات المتينة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وغيره من بني البشر، وجعل العلاقات بين البشر متفاوتة في درجة الاهتمام، الأقرب فالأقرب كوالديه ثم بأهل بيته من زوجةٍ وولدٍ، ثم بعد ذلك تأتي درجة الأقارب؛ كالإخوة وذراريها، والعمومة وذراريها، والخؤولة وذراريها، على تفاوت بسيط في درجات القرابة، واهتمام الإسلام بهذه العلاقة لا تكون إلا بحفظها من الفتن وصيانتها عن الغوغائية والمشاحنات، بل جعل أساسها النصرة والولاء والمحبة والصلة والتكافل.
يقول الله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)، فقد أوصى الله في الآية الكريمة ب الإحسان لذوي القربى بعدة أشكال، وقد تعددت أشكال البر مع الأقارب وتنوعت طرقها، وقد بينتها نصوص الشريعة المطهرة من قرآن وسنة، سواء بالإثبات والإيجاب مما يحفظ العلاقة ويزيدها متانة وقوة، أو بالنفي والسلب بما يحافظ عليها من الفتن والتشتت، وفيما يأتي نستعرض شيئاً من أشكال البر بالقرابة.
الإحسان إليهم بجميع أنواع الإحسان
امتثالاً لقوله -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)، ومما يلاحظ في الآية الكريمة اقتران الإحسان بالأقارب مع الوصية بعبادة الله -تعالى-، و البر بالوالدين مما يزيد الأمر أهمية وتأكيداً.
معاونة الأقارب مادياً
وتقديم المال لهم عندما يحتاجونه وعند القدرة على ذلك، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّدقةُ على المسْكينِ صدقةٌ، وعلى ذي القرابةِ اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ)،ومما يزيد هذا الأمر جمالاً أن المسلم ينال به أجرين كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم-: أجر صلة الرحم و أجر الصدقة .
صلة الأقارب صلة رحم ومحبة ومودة
وقد أوصى النبي ب صلة الرحم في كثير من الأحاديث، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عليه رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، فصلة الرحم هي وصل للأقارب وحسن رعاية لهم، وهي من أهم أسباب الحصول على البركة في العمر والرزق كما بين ذلك الحديث الشريف.
نصرتهم والوقوف إلى جانبهم
عند الملمات والمصائب بالمال والجاه، ومن ذلك تشريع مبدأ الدية على العاقلة عند القتل الخطأ؛ حيث يتحمل عصبة القاتل الدية، فيجتمع أقاربه ويوزعون مغرم الدية على جميع الأقارب، وقد أجمع العلماء على وجوب الدية على العاقلة في القتل الخطأ وذهب جماهير أهل العلم منهم على وجوبها في القتل شبه العمد.
مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم
ومواساتهم في مصائبهم، وموادتهم ومؤازرتهم، وإظهار البشاشة لهم عند الأفراح، وكل ذلك من قبيل الإحسان الذي أمر الله به وقد بيناه آنفاً.
الوصية لهم بالمعروف
من مال ومتاع الإنسان قبل وفاته، لا سيما الفقراء منهم وكل ذلك ما لم يكونوا من الورثة، امتثالاً لقوله -تعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، وقد كان الأمر واجباً بداية الإسلام ثم نسخت الآية من الوجوب إلى الندب والاستحباب.
مسائل مهمة في العلاقة مع الأقارب
مع ما بيناه آنفاً من أشكال البر مع الأقارب؛ إلا أن هناك ملحوظات يجب الأخذ بها بعين الاعتبار؛ عند التعامل مع الأقارب وهي:
- أن الانتماء لله والرسول والإسلام أعظم من الانتماء للقرابة: فلا يتم تقديم القرابة على حكم الله العادل، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، فيجب على المسلم أن يشهد بالحق ولو كان على حساب نفسه أو أقاربه.
- نصرة القريب تكون بالحق: لا بمعاونته على الظلم والوقوف معه في جميع الحالات، بل الوقوف معه في الحق فقط لا بالباطل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا. فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا، كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ -أوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ؛ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ)،بل من البر بالأقارب الوقوف في وجههم بالحسنى عندما يكونوا ظالمين، ومنعهم من الظلم فذلك شكلٌ من أشكال البر بهم والإحسان إليهم، لا الوقوف معهم تعصباً جاهليّاً وعنصرية قبلية مقيتة.
- مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية في جميع الشؤون الحياتية: فلا تقدم العادات والتقاليد على حساب الأحكام الشرعية؛ فمثلاً لا يتم تزويج الفتاة من رجل لا تريده ولا تقبل به لمجرد كونه قريباً لها؛ فإن ذلك من قبيل تقديم العادات على حكم الله المبني على العدالة والرأفة.