كيفية التعامل مع الله خالق هذا الكون
كيف يتعامل الإنسان مع ربّه
تعتبر علاقة الإنسان بربّه -جلّ وعلا- علاقة بين عبدٍ مخلوق وربّ خالق، فالمخلوق كما هو معلوم له صفاته التي تدلّ على افتقاره ونقصانه وضعفه، كما أنّ لله -تعالى- صفاته الكاملة التي تدلّ على ربوبيّته وألوهيّته من قدرةٍ وعلمٍ ومشيئة.
وهو -سبحانه- مَن بيده مقاليد السّماوات والأرض، وبيده مقادير الخلائق جميعها، وهو عالمٌ بما كان وما هو كائن، وما سوف يكون من أحداث وغيبيّات، لذلك يحتاج العبد الضّعيف إلى بناء علاقة متينة مع ربّه وخالقه -عزّ وجل- القادر على كل شيء، ولا شكّ أنّ التعامل مع الله -عزّ وجلّ- له سماتٌ وآداب، ومنها -على سبيل المقال- ما يأتي:
التفكّر والتدبر بعظيم صنعه
إنّ التفكّر في صنع الله -عز وجل- والتأمّل في عظمة خلقه عبادةٌ جليلةٌ حثّ الله -تعالى- عليها، وإذا تأمل العبد في ذلك تحرّك قلبه واستشعر عظمة الخالق في نفسه، واستحضر أنّه البارئ المدبّر والمتصرّف في هذا الكون، فيزيد بذلك إيماناً وخشوعاً وتوكّلا على الله -سبحانه-.
وصدق الله -تعالى- إذ يقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
وإذا سرح قلب المرء وفكره في عظمة صنع الله؛ أثار ذلك في قلبه حبّ الخالق وتعظيمه، وأدرك الحقائق العِظام وراء هذا الخلق العظيم، ومن أبرز ثمرات ذلك ومنافعه ما يأتي:
- التعرف على الله الخالق
وهذا هو المطلوب الأسمى والغاية العظمى من عبادة التفكّر والتدبّر، وهو يعظّم التوحيد في قلب صاحبه، ويُعرّفه على صفات خالقه العظيم الذي خلق كلّ شيءٍ فقدّر، فيخشع قلبه بين يديه، ويُدهش عقله بعظمة صُنعه، ويزيد معرفةً بصفاته العليا الكاملة.
- عبادة الله وطاعته
حيث إنّ التفكّر والتدبر بصنع الله يُربّي العقل على الفهم والعلم أكثر عن الله خالق الأكوان، ويؤدي ذلك إلى انقياد الجوارح لحسن عبادة الله وإحسان العمل له، يقول وهب بن منبّه: "ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِم، وما فَهِم إلا علم، وما علم إلا عمل".
- هجر المعاصي والذنوب
إذا تفكّر العبد بعظمة الله وشدّة انتقامه وقدرته امتلأ قلبه بالخوف والرجاء، وهذا الأمر كفيلٌ أنْ يجعل الإنسان معظماً لقدر الله في نفسه، وخائفاً وجلاً من ارتكاب المعاصي والمحرّمات التي نهى الخالق عنها، قال بِشْر الحافي: "لو تفكَّر الناس في عَظَمَة الله تعالى ما عصوه".
الأدب في مناجاته ودعائه
من آداب التعامل مع الله -عز وجل- في الدعاء والمناجاة أن يتحلّى المسلم في ذلك بالأدب وحسن الخطاب، فالمرء منّا إذا أراد أن يقابل مسؤولًا من النّاس تراه يتجهّز لذلك، ويعدّ كلماته جيّدا، حتّى لا ينطق بكلمةٍ تغضب هذا المسؤول، فكيف بمناجاة الله -ولله المثل الأعلى-، فهو -سبحانه- الأحقّ بأن يتأدّب الإنسان معه.
وذلك لأنّ ربّ الكون هو الخالق المستحقّ للعبادة وحده، وقد نسمع كثيرًا تجاوز بعض النّاس في الحديث عن الله، أو في اعتراضهم على مشيئته وحكمه، ومثال ذلك من يقول مخاطبًا ربّه جلّ وعلا: يا رب لماذا يصيبني كذا؟ أو ماذا فعلت حتّى يصيبني كذا وكذا؟ فعلى المسلم أن ينتقي عباراته جيّدًا عندما يخاطب ربّه.
وحريٌّ بالمسلم أيضاً أن يدعو ربّه بأحبّ الأسماء إليه، فكما يطيب للإنسان أن يُنادَى بأحبّ الأسماء إليه، فالله -عزّ وجل- أحقّ بذلك، والأسماء الحسنى قد ذكرها الله في كتابه وسنّة نبيّه -عليه الصّلاة والسّلام-، يقول -سبحانه-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا).
التسليم لقضائه وقدره
على المسلم أن تكون علاقته مع ربّه وتعامله معه غير مبنيٍّ على المصلحة والمنفعة، فإذا مسّه سوءٌ أو ضررٌ أو بلاءٌ يئس من ذلك وقنط، وابتعد عن ربّه ودينه، وإذا أصابته سرّاء ونعيمٌ فرح لذلك، وأقبل على الدّين والعبادة و شكر الله ، فالمؤمن الحقّ يبقى ثابتًا على حبّ الله، متمسّكًا بدينه مهما تغيّرت الظّروف والأحوال وتبدّلت، وهكذا ينبغي أن تكون العلاقة مع الله دائمًا.
التوبة والرجوع إليه دائما
على المسلم أن يتذكّر عظمة ربّه عند الوقوع في المعاصي والشهوات، فيسعى إلى التوبة فوراً، ويُدرك أنّه لا منجى له من الله إلا إليه، وليس له سواه، فيندم على ما قصّر، ويعزم في نفسه على عدم الرجوع إلى الذنوب والمعاصي، ويرجع إلى خالقه ويتقرّب إليه بما يحبّ ويرضى من الأقوال والأعمال.